عن المدون

صورتي
ايادبزاع الاثوري
بسم الله الرحمن الرحيم الاسم/اياد نعمان محمد بزاع المهنة/خريج من كلية العلوم التطبيقية قسم-الكيمياءالتطبيقية جـــامــــعـــــــــــــة - تــــعـــــــــــــــــز البريدالإلكتروني/ayadbazaa2011@yahoo.com))
عرض الملف الشخصي الكامل الخاص بي

للاشتراك في القائمة البريدية

ضع ايميلك هنا ليصلك جديد المدونة:

أرشيف المدونة

القرآن الكريم

المتابعون للمدونة

انطلق نحو القمة



انطلق نحو القمة

كيف تغير نفسك ؟
خلق الله الإنسان في أحسن تقويم ، ولكنه قد طغى عليه شهوات الحياة فتغير منه حتى ترده أسفل سافلين ، فكيف يتحدى الإنسان هذه الشهوات ، ويغير من واقعه المرفوض ليبلغ الأمل المنشود ؟!
**********************
دليلك إلى السعادة النفسية
السعادة كلمة محببة لكل الناس ولكن حين السؤال عن ماهيتها تجد الإجابة علامة استفهام كبيرة ، فما هي السعادة والطريق إليها ؟ ولا تنس أن الإنسان كما قال القرآن إما سعيد وإما شقي .
**********************
نحو المعالي
ربتنا عقيدتنا على السمو بالنفس ، أليس الله يقول « ولقد كرمنا بنى آدم » وكذلك ألم يأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم باصطحاب هذا السمو حيث أمرنا بالدعاء بالفوز بالفردوس الأعلى .. فكيف رسم لنا الإسلام الطريق نحو المعالي ؟!
*********************
الجدية طريق الخيرية
إذا سألت أي مسلم هل أنت عامل على طاعة الله تعالى واتباع نبيه صلى الله عليه وسلم ، فلابد أنه سيقول نعم .. ولكن إذا نظرت إليه وعمله في الخير تكتشف صدقه أو كذبه .. وذلك بمقياس الجدية .. التي هي طريق الخيرية .

كيف تغير نفسك ؟
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد ...
فقد سئم كثير من الناس حياة الغفلة والشرود والبعد عن الله تعالى . وتاقت أنفسهم إلى حياة الطهر والعفة والاستقامة ، يريدون أن يعيشوا حياة طيبة سعيدة هادئة مطمئنة ، بعيدة عن نيران الشهوات وأشواك المعاصي والمخالفات .
إنهم ينتظرون رياح التغيير ، ونسمات الإصلاح ، ووميض التوبة ، وإشراقات الاستقامة ، فيتساءلون في حيرة .
كيف نغيِّر أنفسنا ؟
كيف ننهض من كبوتنا ؟
كيف نستيقظ من غفلتنا ؟
كيف نعالج واقعنا الأليم ؟ إلى هؤلاء جميعاً أهدي هذه الكلمات ..

الـبـدايـة
أخي الحبيب ! إن مجرد تفكيرك في التغيير يعدُّ – بحدّ ذاته – نوعاً من التغيير ؛ لأن هناك فئاماً من الناس ألفوا حياة الغفلة ، واستساغوا مسيرة الضياع ، واستحسنوا طريق الشهوات ، فهم لا يبحثون عن التغيير ؛ بل لا يتصورون ترك هذه الحياة التي يعيشونها طرفة عين ، ولذلك فإنهم لا يشعرون بألم البعد عن الله ، ولا يحسون بوحشة ، وهؤلاء موتى في صورة أحياء ، لا يعرفون معروفاً ، ولا ينكرون منكراً ، إلا ما أشربوا من هواهم ، وهذا نتيجة تراكم الذنوب على القلب حتى اسودّ وانتكس ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة : ((تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً ، فأيّ قلب أشربها ؛ نُكتت فيه نكتة سوداء ، وأيُّ قلب أنكرها ؛ نكتت فيه نكتة بيضاء ، حتى تصير على قلبين ، على أبيض مثل الصفا ، فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض ، والآخر أسود مربادّاً ، كالكوز مجخِّياً ، لا يعرف معروفاً ، ولا ينكر منكراً ، إلا ما أشرب من هواه )) [ رواه مسلم ] .
أما أنت – أخي الحبيب – فما دمت تسأل عن التغيير ، وما دامت نفسك تتطلع إلى السمو والارتقاء نحو المعالي ؛ فإن ذلك يدل على حياة في قلبك وخير في نفسك ، ولكن التفكير في التغيير المطلوب ؛ بل إن الاكتفاء بهذا التفكير دون إحداث دون إحداث خطوات عملية نحو التغيير الحقيقي يجعل هذا التفكير مجرد أماني باطلة لا تنفع صاحبها ؛ بل هي رأس مال المفاليس كما يقال .
أما الخطوات العملية نحو التغيير فيمكن إجمالها فيما يلي :

1- التأمل في عظم الجناية .
التفكير في التغيير لا يحصل إلا بالتأمل في عظم الجناية نتيجة الغفلة والإعراض عن الله عزَّ وجلَّ ، فيشاهد القلب من خلال هذا التأمل عظمة الرب سبحانه وتعالى وقوته وجبروته ، وأنه خالق هذا العالم العلوي والسفلي ، وأنه رازق هذه الكائنات جميعاً ، وأنه المحيي المميت الفعال لما يريد ، وأنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له . ويشاهد بعد ذلك ضعف نفسه وحقارته وفقره ، وهو مع ذلك متعدٍّ حدود الله عزَّ وجلَّ ، سائر في مساخطه ، بعيدٌ عن سُبل طاعته ، والربُّ مع ذلك يستره ويرحمه ويرزقه ويحلم عليه ، ويوضح له طريق الخير ليسلكه ، وطريق الشر ليجتنبه ، وهذا التأمل ينتفع به القلب أعظم انتفاع حيث ينزعج من هذا الواقع الذي يعيشه بعيداً عن الله تعالى ، ولا يزال يضرب على صاحبه ويحثه على تغيير هذا الواقع والسير في طريق الهداية والاستقامة .

2- العزيمة الصادقة :
بعد أن يتطلع القلب إلى التغيير لابد من العزيمة الصادقة على هذا التغيير ؛ لأنه لولا هذه العزيمة سرعان ما يفتر القلب ، ويزول عنه هذا الانزعاج ، والعزيمة هي العقد الجازم على المسير في طريق الاستقامة ، ومفارقة كل قاطع ومعوق ، ومرافقة كل معين وموصل ، فهي سبب في استمرار انزعاج القلب وانتباهه ورغبته في التغيير .
والعزيمة نوعان :
أحدهما : عزم الإنسان على سلوك الطريق وهو من البدايات .
والثاني : العزم على الاستمرار على الطاعات بعد الدخول فيها ، وعلى الانتقال من حالٍ كاملٍ إلى حالٍ أكمل منه ، وهو من النهايات ، وعون الله للعبد قدر قوة عزيمته وضعفها ، فمن صمم على إدارة الخير ؛ أعانة وثبَّته ([1]) .
ومتى صدق العبد في عزمه على سلوك طريق الطاعة والاستمرار فيه أعانة الله– عز وجل– بـ(( البصيرة )) وهي نورٌ يقذفه الله تعالى في قلبه يرى به حقيقة الأشياء ومحاسن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومساوئ المخالفة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويتخلص بالبصيرة كذلك من الحيرة والشكِّ الذي يقطعه عن السير في طريق الهداية والاستقامة .

3- التوبـة :
والتوبة هي الرجوع عمَّا يكرهه الله ظاهراً وباطناً إلى ما يحبه الله ظاهراً وباطناً ، وهي واجبة على الفور ؛ لقوله تعالى : ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: من الآية31] .
والتوبة تتضمن ما يلي :
1.    الإقلاع عن جميع الذنوب في الحال .
2.    الندم على فعلها في الماضي .
3.    العزم على ألاَّ يعاود الذنب في المستقبل .
4.    العزم على فعل المأمور والتزامه في الحال والمستقبل .
فالتوبة إذن هي البداية العملية للتغيير ، ولا تصح عملية التغيير بدون توبة ، والتوبة كذلك تصاحب الإنسان في جميع مراحل حياته ، فليست خاصة بالعصاة كما يفهم بعض الناس ؛ بل إن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أطوع الخلق قال : (( يا أيها الناس ، توبوا إلى ربكم ، فوالله إني لأتوب إلى الله عزَّ وجلَّ في اليوم مائة مرة )) [ رواه مسلم ] .

4- المسارعة :
إن عملية التغيير لابد أن تسير بخطى سريعة ؛ لأن البطء يمكن أن يؤدي إلى التكاسل عن إتمام تلك العملية ، وبالتالي الانسحاب من المعركة دون تحقيق شيء من النصر .
قال تعالى : ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران:133] .
 قال تعالى : ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ......﴾ [الحديد: من الآية21] .
قال تعالى : ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ [البقرة: من الآية148] .
ومدح الله عز وجلَّ زكريا عليه السلام وآله فقال : ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾[الأنبياء: من الآية90] .ومدح أهل الإيمان والخشية بقوله: ﴿أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾[ المؤمنون:61] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( التؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة )) [ رواه أبو داود وصححه الألباني ] . والتؤدة هي التأني والتثبت وعدم العجلة .
وانظر إلى مسارعة عمير بن الحمام رضي الله عنه إلى نيل الشهادة ، فإنه لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (( قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض )) .
فقال : يا رسول الله ! جنة عرضها السموات والأرض !!
قال : « نعم » .
قال : بخٍ بخٍ .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما يحملك على قولك بخٍ بخٍ ؟ )) .
قال : لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها .
قال : (( فإنك من أهلها )) ، فأخرج عمير تمرات من قرنه ، فجعل يأكل منهن ، ثم قال : لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه ، إنها لحياة طويلة !! فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتل الكفار حتى قتل رضي الله عنه . [ رواه مسلم ] .
وانظر كذلك إلى مسارعة الصحابة رضوان الله عليهم في الاستجابة لأمر الله تعالى في تحريم الخمر وهم الذين نشئوا وتربوا على شربها ، فما أن سمعوا المنادي ينادي بأن الخمر قد حرمت حتى أهرقوا ما معهم في شوارع المدينة .
هكذا كانت مسارعة القوم إلى مرضات الله تعالى ، فأين نحن من هؤلاء ؟

5- الفورية :
إن التغيير من المعصية إلى الطاعة ، ومن الاعوجاج إلى الاستقامة واجب على الفور ، لا يجوز في ذلك التراخي أو الانتظار ، فمن انتبه من غفلته وأبصر ما هو عليه من ضياع ومخالفة، لابُدَّ أن يبدأ فوراً بالتغيير ، أسوة بالصديق رضي الله عنه ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما عرض عليه دعوة الإسلام، وعرف أنه الحق، لم يتلعثم ولم يتردد، وإنما آمن بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وشهد شهادة الحق من ساعته، وبذل نفسه وماله في سبيل الله عزَّ وجلَّ .
وهؤلاء سحرة فرعون، لمَّا ألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون، علموا أن موسى على الحق ، وأنه رسول من ربَّ العالمين ، فقالوا على الفور : ﴿آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴾ [لأعراف: من الآية121- 122] . ولم يلتفتوا بعد ذلك إلى فقد مناصبهم الدنيوية ومكانتهم الاجتماعية ، حيث كانوا مقربين من فرعون ، ولم يعبئوا كذلك بما توعدهم به فرعون من العذاب والنكال بتقطيع أيديهم وأرجلهم وصلبهم على جذوع النخل .

6- العلم :
إن عملية التغيير وهي الجانب العملي ، لابد أن يرافقها جانب علمي ، وهذا الجانب العلمي هو الذي تنضبط به عملية التغيير ، فلا تنحرف لا إلى التفريط ولا إلى الإفراط ، وإنما تسير على المنهج الوسط الذي ارتضاه الله تعالى لعباده ، قال تعالى في شأن أعظم كلمة وهي كلمة التوحيد : ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [محمد: من الآية19] .
فعلى مُريد التغيير أن يطلب العلم بكل طريقة شرعية ، فيجالس العلماء وطلاب العلم ، ويواظب على حضور الدروس العامة والخاصة ، ويكثر من المطالعة في كتب أهل العلم ، ويمكن كذلك الاستفادة من الأشرطة العلمية المسجلة ، والاستماع إلى إذاعة القرآن الكريم ، كذلك متابعة مواقع أهل العلم المنتشرة عبر شبكة الإنترنت .

7- التقيد بالكتاب والسنة :
على طالب التغيير أن يتقيد بالكتاب والسنة وما دار في فلكهما ، وليحذر أشد الحذر من أهل الأهواء والبدع ، فإن فتنتهم عظيمة وخطرهم كبير ، فعليه في باب الاعتقاد أن يعتقد عقيدة أهل السنة والجماعة ، وهي العقيدة الصحيحة التي لا نجاة للمرء إلا باعتقادها ، وحبَّذا لو أخذ هذه العقيدة عن أهل العلم المعروفين بالتقوى وحسن المعتقد ، فقد قال أيوب رحمه الله : إن من سعادة الحدث وأعجمي أن يوفقهما الله لعالم من أهل السنة .
وليحذر كذلك من البدع في العبادات وغيرها ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة )) .
وقال صلى الله عليه وسلم : (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه ؛ فهو ردّ )) أي : مردودٌ على صاحبه لا يقبل ، فإن العمل لا يُقبل إلا إذا ابتغي به وجه الله تعالى ، وكان موافقاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم .
8- الجدية :
 الجدية مطلب أساس لطالب التغيير ، فإن بعضاً من الملتزمين افتقدوا الجدية ، فتساهلوا في بعض القضايا ، وتميعت لديهم بعض المفاهيم ، وتنازل بعضهم عن كثير من الأمور الشرعية حتى صار الالتزام لديهم مجرد شكل دون مضمون ، والله تعالى يقول : ﴿ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ ﴾ [البقرة: من الآية93] . وقال عن موسى عليه السلام: ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ ﴾ [لأعراف: من الآية145] .
وأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجدية في التمسك بالسنة ، فقال عليه الصلاة والسلام : (( عضُّوا عليها بالنواجذ .... )) .
والجدية تشمل المظهر ، فلابد أن يكون المسلم جاداً في مظهره غير مائل إلى الترف والتبذير ، ولا يمنع ذلك أن يكون نظيف الثياب حسن الهندام .
والجدية تغلب كذلك على مجالس المسلم ، فهي ليست مجالس لهو ولعب وغيبة ونميمة وسخرية واستهزاء ، وإنما مجالس علم ومعرفة وثقافة وكلمات نافعة وحوارات بناءة ، ولا بأس ببعض الطرائف التي لا تُخرج المجلس عن حدود الوقار والأدب .

9- تبديل الاهتمامات :
 على طالب التغيير أن يقوم بتبديل اهتماماته وفقاً لمنهج الإسلام الذي ارتضاه ، فيترك ما كان عليه من اهتمامات باطلة ويجعل مكانها غيرها من الاهتمامات النافعة ، مثال ذلك : يترك شرب الدخان والمكسرات والمخدرات ، ويترك الممارسات المحرمة ؛ كالزنا واللواط والعادة السرية والمعاكسات بأنواعها ، ويترك سماع الغناء ومشاهد سموم القنوات ، ويترك الكبر والغرور والسخرية والاستهزاء بالآخرين وتترك المرأة التبرج والسفور وتغيير خلق الله عزَّ وجلَّ ، وتترك ترك الصلاة والتهاون بها ، وتترك مجالس الغيبة والسخرية والنميمة والكذب .
ويتجه الجميع إلى طاعة الله عزَّ وجلَّ وذكره وشكره ودعائه في السراء والضراء ، ويتجهوا إلى تلاوة كتاب الله عزَّ وجلَّ وحفظه وتدبره وتعلُّمه وتعليمه ، ويلجئوا إلى الصلاة والمحافظة عليها ، وإلى حضور مجالس العلماء والقراءة في كتب أهل العلم إلى غير ذلك من الأمور الجادة التي تدل على صدق المرء في توجهه نحو التغيير الصحيح .

10- تغيير الصحبة :
 من المتعين على طالب التغيير – وهو في بداية الطريق – أن يقطع علاقاته بأهل الفساد والغواية ؛ لأنه إن استمر معهم لم يكن صادقاً في توجهه نحو التغيير ، وحتى إن لم يشاركهم في منكرهم شاركهم في الإثم بالجلوس معهم ، والله تعالى يقول : ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾ [الزخرف:67] .ويقول : ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً ﴾ [الفرقان:27 - 28] .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل )) .
فالاستمرار في مخالطة أهل الشر والفساد يؤدي إلى الانتكاس والعودة إلى الماضي السيئ ، وكم من شاب انتكس بسبب حنينة إلى صحبته القديمة .

11- ترتيب الأولويات :
على طالب التغيير أن يبدأ بأهم المهمات ، ثم الأهم فالمهم ، فيبدأ بتصحيح العقيدة ، ويقدِّم الفرائض على النوافل ، والواجبات على المستحبات ، ويعطي كل شيء حقَّه من العناية ، ويهتم بتنظيم وقته حتى لا يضيع منه شيء دون فائدة .

12- الاستعانة بالله عزَّ وجلَّ :    
والاستعانة بالله عزَّ وجلَّ من أهم المهمات في مرحلة التغيير ، فهي تعني الخروج من الحول والقوة وطلب الحول والقوة والمعونة من الله تعالى ، ولأهمية الاستعانة بالله عزَّ وجلَّ أمر الله عبادة أن يقولوا في كل ركعة من ركعات الصلاة ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ ومن الاستعانة بالله عزَّ وجلَّ أن يكثر مريد التغيير من دعاء الله عزَّ وجلَّ بالتوفيق والثبات على الطريق ، واللجوء إلى الله عزَّ وجلَّ وكثرة ذكره وشكره ، وتلاوة كتابه .
13- الصبر والمجاهدة :
إن عملية التغيير ليست بالأمر اليسير ، فإنها ميلاد جديد وحياة بعد موت ، ولذلك فإنها تحتاج إلى صبر ومجاهدة ، وبهذا الصبر والمجاهدة يتبيَّن الصادق من الكاذب ، فالصادق يتجرع مرارة الصبر ، ويجاهد نفسه على طاعة الله عزَّ وجلَّ ، ولا يزال في صبر ومجاهدة حتى تألف نفسه الطاعة ، وتنفر من العصيان ، أمنا الكاذب فإنه لا يقدر على ذلك ، بل يستسلم لأول بارقة من فتنة ، وينكص على عقبيه ويعود القهقرى . قال تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾  [العنكبوت:69] .
وصلَّى الله على نبينا محمد وعلى أله وصحبه وسلَّم .
*                  *                    *



دليلك إلى
السعادة النفسية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد ...
هل أنت سعيد ؟
سؤال ينبغي أن تطرحه على نفسك .
* قد تكون ذا ثروة هائلة ولا تكون سعيداً ... إذن السعاة ليست في المال .
* قد تكون ذا شهرة كبيرة ولا تكون سعيداً ... إذن السعاة ليست في الشهرة .
* قد تكون ذا علاقات اجتماعية رائعة ولا تكون سعيداً ... إذن السعاة ليست في تكوين العلاقات .
* قد تكون ذا أسرة تحبهم ويحبونك ولا تكون سعيداً ... إذن السعاة ليست في الأسرة.
* قد تكون ذا أسفار وتجوال بين البلدان ولا تكون سعيداً ... إذن السعاة ليست في الأسفار .
* قد تكون ذا منصب مرموق ومكانة اجتماعية رفيعة ولا تكون سعيداً ... إذن السعاة ليست في المنصب والمكانة .
* قد تكون كثير الضحك والمزاح ولا تكون سعيداً ... إذن السعاة ليست في ذلك ..
ما السعادة إذن .. وكيف أحققها ؟
* السعادة شيء نفسي عندما نقوم بعمل نبيل ..
* السعادة قوة داخلية تشيع في النفس سكينة وطمأنينة .
* السعادة مدد إلهي يضفي على النفس بهجة وأريحية .
* السعادة صفاء قلبي ونقاء وجداني وجمال روحاني .
* السعادة هبة ربانية ، ومنحة إلهية ، يهبها الله من يشاء من عباده جزاء لهم على أعمال جليلة قاموا بها ...
* السعادة شعور عميق بالرضا والقناعة .
* السعادة ليست سلعة معروضة في الأسواق تباع وتشترى ، فيشتريها الأغنياء ، ويُحرم منها الفقراء .. ولكنها سلعة ربانية تبذل فيها النفوس والمُنهج لتحصيلها والظفر بها .
* السعادة راحة نفسية .
* السعادة في أن تدخل السرور على قلوب الآخرين ، وترسم البسمة على وجوههم ، وتشعر بالارتياح عند تقديم العون لهم وتستمتع باللذة عند الإحسان إليهم .
* السعادة في تعديل التفكير السلبي إلى تفكير إيجابي مثمر .
* السعادة في الواقعية في التعامل وعدم المثالية في النظر إلى الأشياء .
* السعادة القدرة على مواجهة الضغوط والتكيف معها من خلال التحكم بالانفعالات والأعصاب والمشاعر .
* السعادة في العلم النافع والعمل الصالح .
* السعادة في ترك الغل والحسد والنظر إلى ما في أيدي الآخرين .
* السعادة في ذكر الله وشكره وحسن عبادته .
* السعادة في الفوز بالجنة والنجاة من النار ، والتمتع بالنظر إلى وجه الله الكريم ، قال تعالى : ﴿ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾  [هود:108 ]([2]) .
كلمات في السعادة
* السعيد منْ وُعِظ بغيره .. والشقي من اتعظ به غيره .
* قوام السعادة في الفضيلة .
* السعادة في أن تحب ما تعمل ، لا أن تعمل ما تحب .
* السعيد من اعتبر بأمسه، واستظهر لنفسه ، والشقي من جمع لغيره، وبخل على نفسه بخيره .
* السعيد هو المستفيد من ماضيه ، المتحمس لحاضره ، المتفائل بمستقبله .
* سعادة الإنسان في حفظ اللسان .
* لا سبيل إلى السعادة في الحياة إلا إذا عاش الإنسان فيها حرّاً طليقاً من قيود الشهود وأسر الغرائز والهوى .
* شديد حبّك للطاعة ، وإقبال قلبك على مولاك ، وحضورك في العبادة دليل على سبق السعادة .
* السعادة لا تشترى بالمال ولكنها تباع به .
* الإقبال على الله تعالى ، والإنابة إليه، والرضا به وعنه ، وامتلاء القلب من محبته، واللهج بذكره ، والفرح والسرور بمعرفته ، ثواب عاجل وجنة وعيش لا نسبة لعيش الملوك إليه ألبتة .
* أكثر الناس يظنون السعادة فيما يتم به شقاؤهم .
* بين الشقاء والسعادة تذكر عواقب الأمور .
 عنوان السعادة
* ذكر الإمام ابن القيم أن عنوان سعادة العبد ثلاثة أمور هي :
1- إذا أنعم عليه شكر .       2- إذا ابتلي صبر .        3- إذا أذنب استغفر .
قال : (( فإن هذه الأمور الثلاثة هي عنوان سعادة العبد وعلامة فلاحه في دنياه وأخراه ، لا ينفك عبد عنها أبداً )) .
فوائد السعادة([3])
1.    السعادة تمنح الإنسان راحة نفسية وقبولاً ذاتياً ..
2.    السعادة تدخل على الأسرة السرور والروح والهدوء .
3.    السعادة تربي الأولاد على طبيعة الحياة الإيجابية .
4.    السعادة تساعد الإنسان على الاهتمام بالأهداف السامية بدلاً من الانشغال بالنفس والجسد .
5.    السعادة تمنح الجسد انسجامية رائعة ، مما يجعل أجهزة الجسد المتنوعة تعمل بكفاءة .
6.    السعادة تعطي الشخص الفرصة لأن يكون مبدعاً ومخترعاً .
7.    السعادة تضعفي على المجتمع الفرحة فينسجم وينتج .
الخطوات العملية لتحقيق السعادة
كيف تكون سعيداً ؟
يستطيع كل إنسان أن يصنع سعادته إذا التزم بقوانين السعادة وطبَّق خطواتها ، وتكون قوة سعادته بحسب التزامه بتلك القوانين ، وضعفها بحسب تفريط فيها .
* أما خطوات السعادة التي تشكل قوانينها فقد تضمنتها النقاط التالية :
 1- آمن بالله تعالى :
فلا سعادة بغير الإيمان بالله تعالى ؛ بل إن السعادة تزداد وتضعف بحسب هذا الإيمان ، فكلما كان الإيمان قوياً كانت السعادة أعظم ، وكلما ضعف الإيمان ؛ ازداد القلق والاكتئاب والتفكير السلبي مما يؤدي إلى مرارة العيش أو التعاسة في الحياة .
2- آمن بقدرة الله القاهرة :
فمن استشعر هذه القدرة الإلهية العظيمة التي لا حدود لها ، لم تسيطر عليه الأوهام ، ولم ترهبه المشكلات ؛ لأن له ركناً وثيقاً إليه عند حدوث المحن ومدلهمًَّات الأمور .
3- آمن بقضاء الله وقدره :
فالإيمان بالقضاء والقدر يبعث على الرضا القلبي والراحة النفسية والسكينة ، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير ؛ إن أصابته سرّاء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيراً له )) [ رواه مسلم ] .
ما أروع هذا الحديث ، وما أعظم دلالاته على السعادة الحقيقية .. الإيمان بالقضاء والقدر هو سبيل السعادة :
* الصبر على البلاء .
* الشكر على النعماء .
* ترك الاعتراض والتسخط على شيء من الأقدار ..
كل ذلك يؤدي إلى الراحة والطمأنينة والسعادة .
4- ليكن السعداء قدوتك في الحياة :
وأعني بالسعداء الذين قدَّموا للبشرية خدمات جليلة مع اتصافهم بالإيمان بالله تعالى ، وأول هؤلاء هو محمد بن عبدالله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالسعادة كل السعادة في اتباع سبيله ، والشقاء كل الشقاء في مفارقة هُداه وترك سُنته .
5- تخلص من القلق النفسي :
* القلق يؤدي إلى الحزن والاكتئاب .
* القلق يؤدي إلى الفشل في الحياة .
* القلق يؤدي إلى الجنون .
* القلق يؤدي إلى الأمراض الخطيرة .
* حاول اكتشاف أسباب القلق لديك ، ثم عالج كل سبب على حدة .
* ناقش نفسك ومن حولك بهدوء ولا تلجأ إلى الانفعال .
* استثمر قلقك في التفوق الدائم والسعي نحو الأهداف النبيلة .
* ليكن قلقك فعالاً في العلاج مشكلاتك .
* كن بسيطاً ولا تلجأ إلى تعقيد الأمور .
6- اعرف طبيعة الحياة :
  لابدّ في الحياة من كدر ، ولابدّ من منغّصات ، ولابدَّ فيها من توتر وابتلاء ، فهذه الأمور من حكم الله سبحانه في الخلق ، لينظر أيُّنا أحسن عملاً ، فالواجب أن نعرف طبيعة الحياة ، ونتقبلها على ما هي عليه ، ولا يمنع ذلك من دفع الأقدار بالأقدار ، ومقاومة المكاره بما يذهبها ، فإن معرفة طبيعة الحياة لا يعني سيطرة روح اليأس ، بل عكس ذلك هو الصحيح.
7- غير عاداتك السلبية إلى أخرى إيجابية :
يقول الدكتور أحمد البراء الأميري : (( إن اكتساب عادة عقلية ( ذهنية أو نفسية ) جديدة ليس أمراً صعباً ، فهو يتطلب (21) يوماً . في هذه الأيام الإحدى والعشرين علينا أن:
1- نفكّر .                            2- ونتحدّث .
 3- ونتصرف وفق ما تمليه علينا العادة الجديدة المطلوبة .
4- وأن نتصور ونتخيّل بوضوح تام كيف نريد أن نكون .
إذا فكَّرت بنفسك وكأنك صرت بالشكل المطلوب ، فإن هذا التصور يتحول إلى حقيقة بالتدريج ، وإلى هذا يشير المثل القائل: الحلم بالتحلم ، والعلم بالتعلم. [دروس نفسية للنجاح والتفوق ] .
8- سعادتك في أهدافك :
إن سبب شقاء كثير من الناس هو عدم وجود أهداف يسعون إلى تحقيقها ، وقد تكون لهم أهداف ولكنها ليست نبيلة أو سامية ، ولذلك فإنهم لا يشعرون بالسعادة في تحقيقها ، أما الذي يحقق السعادة فهو الهدف النبيل ، والغاية السامية .
إن الأهداف العظيمة تتيح للفرد أن يتجاوز العقبات التي تعترض طريقه ، ويستطيع من خلال ذلك أن ينتج في وقت قصير ما ينتجه غيره في وقت كبير جداً ، فالمرء بلا هدف إنسان ضائع . فهل نتصور قائد طائرة يقلع وليس عنده مكان يريد الوصول إليه ، ولا خارطة توصله إلى ذلك المكان ؟ ربما ينفذ وقوده ، وتهوى طائرته وهو يفكر إلى أين سيذهب ، وأين المخطط الذي يوصله إلى وجهته ! [ دروس نفسية ] .
9- خفف آلامك :
 لاشكَّ أن الإنسان معرَّض للنكبات والمصائب ، ولكنه لا ينبغي أن يتصور أن ذلك هو نهاية الحياة ، وأنه الوحيد الذي ابتلي بتلك المصائب ؛ بل عليه أن يخففها ويهونها على نفسه عن طريق :
أ- تصور كون المصيبة أكبر مما كانت عليه وأسوأ عاقبة .
ب- تأمل حال منْ مصيبته أعظم وأشدّ .
جـ - انظر ما أنت فيه من نعم وخير حُرم منه الكثيرون .
د- لا تستسلم للإحباط الذي قد يصحب المصيبة [ أنواع الحزن للدكتور محمد الصغير ] .

 10- لا تنتظر الأخبار السيئة :
 إذا فكرت باستمرار في البؤس ، فإن خوفك يعمل بشكل مساوٍ لرغبتك ، ويجذب إليك المصيبة ، وتصبح أسباب هذه المصيبة قريبة منك بسبب خوفك وتشاؤمك . ومن الطبيعي أن يشتد قلقك فيستدعي مصيبة جديدة ، وهكذا تدور في حلقة مفرغة من التفكير السلبي بالمصائب وتوقع الأخبار السيئة .
* إنك عندما تُذكِّر نفسك بأن الحياة قصيرة ، وأن الأمور تتغير بسرعة فوف تجد قدراً كبيراً من النور في حياتك .
11- انظر حولك :
إذا نظرت في نفسك فوف تجد أشياء كثيرة تستحق الامتنان ، وكذلك إذا نظرت في الأشياء المحيطة بك .
إننا جميعاً معتادون على أن لنا بيتاً نأوي إليه ، وعملاً نزاوله ، وأسرة تحيط بنا ، ولذلك لا نشعر في الغالب بالسعادة تجاهها ، ولكننا إذا تذكرنا زوال هذه الأشياء وحرماننا منها ؛ فإن ذلك قد يكون سبباً للشعور بالسعادة بها .
12- لا تجعل الأشياء العادية تكدر عليك حياتك :
بعض الناس يتكدرون من حدوث أشياء بسيطة تحدث كل يوم ولا تستحق كل هذا العناء ، فينتابهم التوتر والحزن الشديد بسبب كوب كُسر أو جهاز تعطل ، أو ثوب تمزَّق أو غير ذلك من الأشياء العادية ، والواجب أن يتقبل الإنسان هذه الأمور العادية ولا يجعلها تصيبه بالإحباط أو تكدير الحال .
13- اعلم أن السعادة في ذاتك فلماذا تسافر في طلبها :
كلّ إنسان يملك قوى السعادة وقوانينها ، ولكن أغلب الناس لا يرون ذلك ؛ لأنهم لا ينظرون إلى أنفسهم ، بل ينظرون إلى الآخرين .
حكاية حقل الألماس
هي حكاية مشهورة عن مزارع ناجح عمل في مزرعته بجدّ ونشاط إلى أن تقدم به العمر ، وذات يوم سمع هذا المزارع أن بعض الناس يسافرون بحثاً عن الألماس ، والذي يجده منهم يصبح غنياً جداً ، فتحمس للفكرة ، وباع حقله وانطلق باحثاً عن الألماس .
ظلَّ الرجل ثلاثة عشر عاماً يبحث عن الألماس فلم يجد شيئاً حتى أدركه اليأس ولم يحقق حلمه ، فما كان منه إلا أن ألقى نفسه في البحر ليكون طعاماً للأسماك .
غير أن المزارع الجديد الذي كان قد اشترى حقل صاحبنا، بينما كان يعمل في الحقل وجد شيئاً يلمع، ولما التقطه فإذا هو قطعة صغيرة من الألماس ، فتحمس وبدأ يحفر وينقب بجدٍّ واجتهاد ، فوجد ثانية وثالثة، ويا للمفاجأة! فقد كان تحت هذا الحقل منجم ألماس..
ومغزى هذه القصة أن السعادة قد تكون قريبة منك ، ومع ذلك فأنت لا تراها ، وتذهب تبحث عنها بعيداً بعيداً .
14- كن كالنحلة في نفع غيرك :
   أن السعداء هم أخلق الناس بنفع الناس ، فالشخص الذي افتقد السعادة يجد الرضا دائماً في إشعار غيره من الناس بأنهم تعساء . أما الرجل السعيد المستمتع بحياته فتزداد متعته كلما شاركه فيها الناس ، وسواء كان سبب سرورك خبراً ساراً أو مشهداً طبيعياً خلاباً ، فإن سرورك لا يكتمل حتى تنقل هذا الخبر لغيرك من الناس ، أو تصحب غيرك ليتأمل معك المشهد الخلاب .
15- ثق بقدرتك على التخلص من المشاكل :
إن أفكارنا هي التي تلد كل شيء ، وليس للحوادث من أهمية إلا في الحدود التي نسمح لها أن تغرس فينا أفكاراً سلبية مدمرة ، فثق بقدرتك .
إن الناجحين يحتفظون في الأزمات والصعوبات بأمل زاهر لا يتزعزع ، وهذا الأمل هو سبب معاودة النجاح .
تخيَّل عالمك الداخلي كحقل تنبت فيه كل فكرة من أفكارك . راقب العواطف والأفكار التي تعتلج في نفسك وتساءل : ما هي الثمرة التي تعطيها هذه الفكرة ؟ فإذا كانت الثمار من النوع الذي لا تريد اقتطافه فما عليك إلا أن تنتزع البذرة الصغيرة دون خوف ، وتضع مكانها بذرة صالحة .
16- تغلب على الخوف السلبي :
 إن الهواجس والإخفاق والشقاء والأمراض تولد غالباً من الخوف ، وإذا أردت السلامة والنجاح والسعادة والصحة ؛ فيجب عليك أن تكافح الخوف وتكون كمن حكى الله تعالى عنهم في قوله : ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ [آل عمران:173- 174] .
17- لا تعتقد أن مرضك مزمن ، وأن آلامك لا تنقطع أبداً ،
فما من شيء يبقى في هذا العالم دون تجدد . إنك تستطيع بقدرة تفكيرك المبدع أن تتجدد وتحيا حياة جديدة .
18- لا تكن بائساً :
إذا اتفق الناس من حولك على أنك تحمل بلادة جدك مثلاً ، وأنك لن تنجح في الحياة ، ولن تكون محبوباً فارفض هذا الزعم بشدة ، واحذر من ثقل ماضٍ ليس هو ماضيك ، واغرس في نفسك الصفات المعاكسة للعيوب التي يريدون إرهاقك بها .
19- عليك أن توقف كل تفكير سلبي ،
وكلَّ تأكيٍدٍ لبؤسك الحالي . أنكر الملموس وأكد الأمل ، والنجاح ، والصحة ، والسرور ، إنها هناك وراء الباب الذي أغلقه رفضك الإيمان بها ، وهي لا تنتظر سوى ندائك لتظهر نفسها .
20- احذر من تفكيرك أو كلامك ، فهو يحميك أو يعرضك للخطر :
 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت ، فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة ، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت ، فيكتبُ الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة )) [ رواه أحمد والترمذي والنسائي وصححه الألباني ] .
جعلنا الله وإياكم من سعداء الدنيا والآخرة وصلَّى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين .
*                       *                    *

نحو المعالي

صور من علو همة السلف وصدق عزائمهم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد ...
ففي طريقنا نحو المعالي لابد لنا من زادٍ يعيننا على اجتياز هذا الطريق والوصول إلى المطلوب ..
وزادنا في هذا الطريق هو صدق العزيمة ، وعلو الهمة ، والإقبال على الله عزَّ وجلَّ بكل محبة وشوق وإخلاص .
ولقد حاز السلف من تلك المعاني كل فضيلة ، فدفعتهم عزائمهم إلى الترقي في ساحات العبودية، والتخلي عن الكسل والفتور ودناءة الهمة، فأقبلوا على الله عزَّ وجلَّ بقلوب خاشعة، وتنقلوا بين منازل العبودية يضربون كلَّ واحدة منها بسهمٍ، فهم يعلمون أنهم في ميدان سباق، وأن حياتهم هي زمن هذا السباق، فإن أضاعوا أعمارهم خسروا، وإن اغتنموها فازوا وربحوا.
واقعنا الأليم
إذا كانت الصورة السابقة تدل على اجتهاد السلف وصدق عزائمهم وعلو هممهم ، فإن الصورة الحالية تدل على تخلفنا عن مقام السابقين في ميادين العبادة والطاعة والإقبال على الله تعالى .
إننا – لا شكَّ – نريد الخير ، نريد الفلاح ، نريد الفوز بالجنة والنجاة من النار ، ولكن هل تدرك المعالي بمجرد الإرادة والتمني ؟
أين الأعمال الصالحة ؟
أين البذل والعطاء للإسلام ؟
 أين الاجتهاد والتشمير وصدق التوجه ؟
أين تغليب مصالح الجماعة والأمة الكلية على مصالح النفس الجزئية ؟
قال تعالى : ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً﴾ [الاسراء:19] .
فإدراك المعالي لا يتوقف فقط على الإرادة والتمني وإنما: ﴿وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ فالإيمان والعمل الصالح قرينان لا يفترقان ، أما الأماني المجردة فإنها رؤوس أموال المفاليس .
ضعف العزيمة
ولك أخي الحبيب أن تتساءل : لماذا لا يكتفي المرء بالمتمني فيما يتعلق بأمور الدنيا ؛ بل يسعى لذلك ويجتهد ، ويعلم أنه إن لم يفعل ذلك فلن يدرك شيئاً مما أمَّل ؟ أما إذا تمنى رضا الله ورحمته وعفوه ومغفرته وفوزه بالجنة ونجاته من النار ، فإنه لا يعمل لذلك ؛ بل يكتفي بمجرد الأماني ؟ فترى أمانيه في وادٍ ، وأعماله في وادٍ آخر ! .
ما السر في اجتهاد الناس للدنيا وترك اجتهادهم للآخرة ؟
إن كثيراً من الناس – على ما فيهم من خير – يفتقدون العزيمة الصادقة التي تؤهلهم إلى إدراك ما يتمنونه من مشاريع الخير ، فهناك موانع كثيرة تحول بينهم وبين إكمال تلك المهمات منها البخل ، والجبن ، والخوف ، والتسويف ، وطول الأمل ، وسوء الظن ، وغير ذلك من الأسباب التي تجعل مشاريع الخير مجرد أحلام تراود أصحابها طالما استمروا على تلك الحال من الفتور وضعف العزيمة .
دور الشيطان
 ويلعب الشيطان دوراً ماكراً في تثبيط المؤمنين عن كل فضيلة ، فإذا كان باباً من أبواب الإنفاق ذكره الفقر وكثرة العيال ونفاذ الأموال وكثرة المطالب ، ولا يزال وراءه حتى يقبض يده عن الإنفاق .
وإذا كان باباً من أبواب الجهاد ذكره الدنيا وزينتها وحال الأبناء من بعده ، واحتمال فتنته أمام بريق السيوف ، ولا يزال وراءه حتى ينكص على عقبيه ، ويتراجع عن نصرة الدين.
 وإذا كان باباً من أبواب العبادة زيّن في عينيه الكسل وحب الراحة وإيثار الدعة من مكابدة الطاعات، فعن أنس رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على مكان كل عقدة: عليك ليل طويل فارقُدْ ، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة ، فإن توضأ انحلت عقدة ، فإن صلى انحلت عقده كلُّها، فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان)) [ متفق عليه ].
فعلى الحازم أن يأخذ نفسه بالجدِّ ، وأن يستمر في مجاهدة نفسه وهواه وشيطانه ، وأن يعتصم بالله تعالى ويسأله العون والتوفيق إلى بلوغ المعالي .
مع السلف
 ومما تميَّز به السلف رضوان الله عليهم قوة الإيمان وصدق اليقين وخلوص البواطن من الشك والريبة ، فأثمر ذلك أعمالاً خالدة وانتصارات مجيدة لا زال عبيرها يبهجنا بين فينة وأخرى .
قال ابن الجوزي رحمه الله : (( واعلم أن فضائل الصحابة على جميع فضائل الأنبياء ظاهرة ، وكان لسبقهم سببان :
أحدهما : خلوص البواطن من الشكّ بقوة اليقين .
والثاني : بذل النفوس للمجاهدة والاجتهاد . [ التبصرة ] .
* فهذا عمير بن الحمام رضي الله عنه يسمع النبي صلى الله عليه وسلم في بدر وهو يقول: (( قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض )) . فقال : يا رسول الله ! جنة عرضها السموات والأرض ؟
قال : « نعم » .
قال : بخٍ بخٍ . وهي كلمة لاستعظام الأمر وتفخيمه .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما يحملك على قولك بخٍ بخٍ ؟ )) .
قال : لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها .
قال : (( فإنك من أهلها )) .
فأخرج عمير تمرات من قرنه ، فجعل يأكل منهن ، ثم قال : لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه ، إنها لحياة طويلة !! فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتل الكفار حتى قتل رضي الله عنه . [ رواه مسلم ] .
* وهذا رجل رثّ الهيئة يسمع أبا موسي الأشعري رضي الله عنه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف )) فقام إلى موسى فقال له : يا أبا موسى! أأنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا ؟ قال : نعم . فرجع إلى أصحابه فقال : أقرأ عليكم السلام ، ثم كسر جفن سيفه ، فألقاه ، ثم مشى بسيفه إلى العدو فضرب به حتى قُتل . [ رواه مسلم ] .
* وهذا أنس بن مالك رضي الله عنه يحكي عن عمه أنس بن النضر فيقول : غاب عمي أنس بن نضر رضي الله عنه عن قتال بدرٍ ، فقال : يا رسول الله ! غبتُ عن أول قتالٍ قاتلت المشركين ، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرينَّ الله ما أصنع ، فلما كان يوم أُحُد انكشف المسلمون فقال : اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء – يعني أصحابه– وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء –يعني المشركين– ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذٍ فقال: يا سعد بن معاذ ! الجنة وربّ النضر، إني أجد ريحها من دون أُحد. قال سعد: فما استطعت يا رسول الله –والله– ما صنع!
قال أنس : فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربةً بالسيف ، أو طعنة برمح ، أو رميةً بسهم ، ووجدناه قد قُتل ومثّل به المشركون ، فما عرفه أحدٌ إلا أخته ببنانه ([4]) . فكنا نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه : ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ [الأحزاب:23] .
وفي قوله : ﴿صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ﴾ دلالة على صدق عزائم القوم ، كم بين اليقظة والنوم !! نسأل الله ألا يمقتنا .
عود على بدء
لنا أن نتعرف الآن على حقيقة العزيمة الصادقة التي تدفع إلى كل عمل نبيل ، فإذا انتبه العبد من رقدة الغافلين وقصد الله والدار الآخرة احتاج بعد ذلك إلى صدق العزيمة .
قال ابن القيم رحمه الله : ((فإذا استحكم قصده صار عزماً جازماً ، مستلزماً للشروع في السفر، مقروناً بالتوكل على الله، قال تعالى:﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾[آل عمران: من الآية159]
والعزم : هو القصد الجازم المتصل بالفعل ، ولذلك قيل إنه أول الشروع في الحركة لطلب المقصود ، والتحقيق : أن المشروع في الحركة ناشئ عن العزم ، لا أنه هو نفسه ، ولكن لما اتصل به من غير فصلٍ ظنّ أنه هو . [ مدارج السالكين ] .
وقال الإمام ابن رجب : (( والعزيمة على الرشد مبدأ الخير ، فإن الإنسان قد يعلم الرشد وليس عليه عزم ، فإذا عزم على فعله أفلح .
والعزيمة : هي القصد الجازم المتصل بالفعل .
وقيل : استجماع قوى الإرادة على الفعل . ولا قدرة للعبد على ذلك إلا بالله ، فلهذا كان من أهم الأمور : سؤال الله العزيمة على الرشد .
فالعبد يحتاج إلى الاستعانة بالله ، والتوكل عليه في تحصيل العزم ، وفي العمل بمقتضى العزم بعد حصوله، قال تعالى:﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران: من الآية159].
أنواع العزم
والعزم نوعان :
أحدهما : العزم على الدخول في الطريق وهو من البدايات .
والثاني : العزم على الاستمرار على الطاعات بعد الدخول فيها ، وعلى الانتقال من حال كامل إلى حال أكمل منه ، وهو من النهايات .
فالعزم الأول يحصل للعبد به الدخول في كل خير ، والتباعد من كل شر ، إذ به يحصل للكافر الخروج من الكفر والدخول في الإسلام ، وبه يحصل للعاصي الخروج من المعصية والدخول في الطاعة ،ـ فإذا كانت العزيمة صادقة وصمم عليها صاحبها ، وحمل على هوى نفسه وعلى الشيطان حملة صادقة ، ودخل فيما أمر به من الطاعات فقد فاز .
وعون الله للعبد على قدر قوة عزيمته وضعفها ، فمن صمم على إرادة الخير أعانه وثبَّته ، كما قيل :
على قدر أهل العزم تأتي العزائم  ***  وتأتي على قدر الكرام المكارمُ
من أخبار عمر بن عبدالعزيز
لمّا أفضت الخلافة إلى عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه بعد سليمان بن عبدالملك ، فأول ما اشتغل بدفن سليمان ، فلما رجع من دفنه وصفَّتْ له مراكب الخلافة قال : ما شاء الله لا قوة إلا بالله ، قرِّبوا لي بغلتي ، فركب دابته التي كان يركبها أولاً ، وسار مستصحباً لتلك العزيمة ، فعلم الله صدقه فيها فأعانه .
* فأول ما بدأ به أنه سار بين يديه أهل الموكب ، فنحاهم وقال : إنما أنا رجل من المسلمين ، ثم نزل فقعد ، فقام الناس بين يديه فأقعدهم ، وقال : إنما يقوم الناس لرب العالمين.
* ثم عزم على ردّ المظالم ، فأدركته القائلة ، وكان قد تعب وسهر تلك الليلة لموت سليمان ، فدخل ليقيل ثم يخرج فيرد المظالم وقت صلاة الظهر . فجاء ابنه عبدالملك فقال له : أتنام وما رددت المظالم ؟
فقال : إذا صليت الظهر رددتها .
فقال عبدالملك : ومن لك أن تعيش إلى الظهر ؟ وإن عشت فمن لك أن تبقى لك نيتك؟
فقال وخرج ونادى : الصلاة جامعة . فاجتمع الناس فردّ المظالم .
* وكان يقول : إن لي نفساً تواقة ، ما نالت شيئاً إلا تاقت إلى ما هو أفضل منه ! فلما نالت الخلاف ، وليس فوقها – في الدنيا – منزلة ، تاقت إلى الآخرة .
وإذا كانت النفوس كباراً


تعبت في مرادها الأجسامُ

من يهن يسهل الهوان عليه


ما لجرح بميتٍ إيلامُ

* ذاكروه مرة شيئاً مما كان فيه قبل الخلافة من النعيم فبكى حتى بكى الدم !
وكان أكثر ما يقتات به حال خلافته العدس والزيت ، فإذا عوتب في ذلك يقول : هذا أهون علينا من معالجة الأغلال غداً في النار !!
* ودخل مرة على بناته وكن قد تعشيْن بعدسٍ فيهِ بصل ، فكرهن أن يشم منهن رائحة ذلك فلما رأينه هربن ، فبكى وقال : يا بناتي أيسرُّكن أن تتعشين الألوان ، ويُذهب بأبيكن إلى النار ؟!
* وكان يقول لأولاده : إن أباكم خُيِّر بين أن تفتقروا ويدخل الجنة ، وبين أن تستغنوا ويدخل النار ، فكان أن تفتقروا ويدخل الجنة أحب إليه .
* وكان يقول لبعض أعوانه : إذا رأيتني مِلْتُ عن الحق ، فضع يدك في تلبابي ، ثم هزني وقل : ماذا تصنع يا عمر ؟!
* لازال ينحل جسمه حتى كانت أضلاعه يعدّها من رآه عدّاً .
* مازالت به المحبة حتى رقته إلى درجة الرضا بمرّ القضاء ، فكان يقول : أصبحت وما لي سرور في غير مواضع القضاء والقدر .
* مات أعوانه على الخير كلهم في أيام متوالية ؛ ابنه عبدالملك ، وأخوه سهل ، ومولاه مزاحم ، فكان يقول بعد موتهم في مناجاته : أنت تعلم أني ما ازددت لك إلا حبّاً ، ولا فيما عندك إلا رغبة([5]) .
نحو المعالي
إخواني ! العزائم في قلوب أربابها كالنار تشتعل ، إنها لتستعمل البدن ولا يحسّ بالتعب ..
* للعزائم رجال ليسوا في ثيابكم ، وطنوا النفس على الموت فحصلت لهم الحياة ، فهم في صفِّ الجهاد أثبت قلباً من القطب في الفلك !
* من لم يقم في طلاب المجد بالجدّ لم ينم في ظلال الشرف .
* كل الصحابة هاجروا سرّاً ، وعمر خرج ظاهراً ، وقال للمشركين : ها أنا أخرج إلى الهجرة ، فمن أرد لقائي فليلقني في بطن هذا الوادي ..
*  من عزم عمر على طلاق الهوى أخذ أهله من رؤية الدنيا ، فكان بيته وهو أمير المؤمنين كبيت فقير من المسلمين .
تجمعت في فؤاده همم *** ملأ فؤاد الزمان إحداها
* كان رضي الله عنه يقول : لئن عشت لأدعن أرامل أهل العراق لا يحتجن إلى أحدٍ بعدي !!
لما وُلي عمر بن عبدالعزيز سُمع البكاء في داره ، فقيل : ما لهم ؟ قيل : إنه خيَّر النساء والجواري فقال : من شاءت فلتقم ، ومن شاءت فلتذهب ، فإنه قد جاء أمرٌ شغلني عنكن .
واعجباً ! أين العزائم ؟ إن العجز لشريك الحرمان ، وإيثار الراحة يورث التعب .
والهونُ في ظلِّ الهوينا كامنٌ *** وجلالة الإخطارِ في الأخطارِ
* اغسل وجه الجدِّ من غبار الكسل ، وأنفق كيس الصبر في طريق الفضائل .
* إن كانت لك عزيمة فليس في لغة أولي العزم (( ربما وعسى )) ([6]) .
إخواني !
الخير كلّه منوط بالعزيمة الصادقة على الرشد، وهي الحملة الأولى التي تهزم جيوش الباطل، وتوجب الغلبة لجنود الحق .
زجر الحق فؤادي فارعوى


وأفاق القلب مني وصحا

هزم العزم جيوشاً للهوى


سادتي لا تعجبوا إن صلحا

* قال أبو حازم : إذا عزم العبد على ترك الآثار أتته الفتوح .
* وسئل بعض السلف : متى ترتحل الدنيا من القلب ؟ قال : إذا وقعت العزيمة ترحلت الدنيا من القلب .
* من صدق العزيمة يئس منه الشيطان، ومتى كان العبد متردداً طمع فيه الشيطان وسوّفه ومنّاه
* يا من شاب ولا تاب ، ولا عزم على الرشد ولا أناب ، لقد أفرحت الشيطان وأسخطت الرحمن . [ رسالتان لابن رجب ] .
فيا إخوتاه ! العزيمة العزيمةَ ، فإن الجنة طيبة التربة ، وإنها نور يتلألأ ، وريحانة تهتز ، وحسناء تتشوق ، فأين المهر أيها الخاطبون ؟! .
وصلَّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم

الجدية
طريق الخيرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد ...
فإن المسلم الحق يتميز بسمات معينة تؤهله لحمل معاني الخيرية التي فضَّل الله عزَّ وجلَّ هذه الأمة على غيرها بتحقيقها ، قال تعالى : ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾[آل عمران:110] وقال جلَّ وعزَّ: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾[البقرة: 143].
ومن أهم السمات التي يتميز بها المسلم : سمة الجدية ، فالمسلم جادّ في أقواله ، جاد في أفعاله ، جاد في تصرفاته ، جاد في مظهره ، جاد في مخبره ، جاد في علاقاته وتعاملاته مع الناس ، جاد في عبادته ومعاملته مع الله ، جاد حتى مع نفسه ، فلا يجاملها ولا يطريها ، وإنما يحاسبها ويؤذيها ويعاتبها ويأخذ عليه العهود والمواثيق .
إن جدية المسلم نابعة من تأثره بكتاب الله عزَّ وجلَّ ، فالقرآن الكريم كتاب الله الحق الذي لا لغو فيه ولا هزل قال تعالى : ﴿إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ﴾[ الطارق:13- 14] .
فالمسلم الجاد متخلق بأخلاق القرآن متأدب بآدابه .
والمسلم يعلم أنه خلق لأمر عظيم ، وتحمل أمانة كبيرة ، وهو مسؤول عن ذلك يوم القيامة ، ولذلك فإنه لا وقت لديه للهزل وللعب والعبث : ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ ﴾[ المؤمنون:115] . وقال تعالى : ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾ [ الأحزاب:72] .
إن للجدية سمات ومظاهر كثيرة ، لا يمكن للمسلم أن يكون متسماً بالجدية حتى يحقق تلك السمات ، وتكون واقعاً ملموساً في حياته ، فمن سمات الجدية ومظاهرها .

1- الإخلاص لله عزَّ وجلَّ :
إن الإخلاص لله عزَّ وجلَّ هو الفارق الأساس بين الجاد وغير الجاد ؛ لأن المخلص إما أن يكون منافقاً ، وإما أن يكون مرائيّاً ، والمسلم الجاد لا يمكن أن يكون منافقاً ولا مرائياً ؛ لأن هدفه في الحياة هو رضا الله عزَّ وجلَّ وإحراز ثوابه . قال تعالى : ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ﴾ [البينة: من الآية5] .
أما المنافق والمرائي فإنه ذو شخصية متذبذبة لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، فخرج بذلك عن سمة الجدية إلى العبثية والاعوجاج نتيجة لغياب الإخلاص الذي هو أساس قبول الأعمال وروحها .
2- متابعة النبي صلى الله عليه وسلم :
وهذا هو الفارق الثاني بين الجاد وغير الجاد ؛ لأن المسلم الجاد يسعى ليكون عمله مقبولاً ، والعمل المقبول هو الذي يتوافر فيه شرطان :
الأول : الإخلاص .
الثاني : متابعة النبي صلى الله عليه وسلم .
ولا يعكر على ذلك اجتهاد أهل الكفر في كفرهم ، وأهل الأهواء في أهوائهم ، وأهل الباطل في باطلهم، فإن هذه ليست بالجدية المشروعة التي توصل إلى الفوز والفلاح يوم القيامة، وإنما هي جهود باطلة وسعي غير مشكور. ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾ [الكهف:103]. قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ )) [ متفق عليه ] وقال عليه الصلاة والسلام: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ))[ رواه مسلم ]. وقال تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: من الآية63] . وقال سبحانه : ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [النساء:65] .

3- الاعتدال والوسطية :
  فالجدية لا تعني الغلو ، وإنما تعني الاعتدال والوسطية ، وقد نهى الله عزَّ وجلَّ عن الغلو فقال : ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ﴾ [النساء:171].وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الغلو هو سبب الهلاك والدمار فقال عليه الصلاة والسلام : (( إياكم والغلو في الدين ، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين )) [ رواه أحمد والنسائي وصححه الألباني ] .
فالاعتدال والوسطية يؤديان إلى ديمومة العمل . الاستمرار في الطاعات وعدم الانقطاع والفتور، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((أحب الأعمال إلى الله أدومها وأن قل))[ متفق عليه].
وقال صلى الله عليه وسلم : (( أحب الأديان إلى الله الحنيفية السمحة )) [ أخرجه أحمد والطبراني وحسنه الألباني ] .
4- الإقبال على الطاعات :
 إن الإقبال على طاعة الله تعالى ، واغتنام الأوقات في عبادته وذكره وشكره ، والاستزادة من ذلك ليس من الغلو بشرط أن يكون في حدود المشروع ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل حتى تنفطر قدماه، فلما سئل في ذلك قال: ((أفلا أكون عبداً شكوراً)).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم : (( يا أيها الناس توبوا إلى ربكم ، فوالله إني لأتوب إلى الله عز وجل في اليوم مائة مرة )) [ رواه مسلم ] .
ومعلوم أن الإيمان عند أهل السنة يزيد وينقض ، يزيد بالطاعات وينقض بالمعاصي ، فالإقبال على الطاعات والضرب في كل باب من أبوابها بسهم هو مما يزيد الإيمان ، وهو كذلك من أكبر الدلائل على جدية المسلم في عبادته لله تعالى ، قال تعالى : ﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [لأعراف: من الآية171].
5- وضوح الهدف وتبني الغايات الحميدة :
لو سألت شريحة من غير المسلمين قوامها مائة رجل مثلاً عن أهدافهم في الحياة لوجدت اختلافاً كبيراً في إجاباتهم ، فهذا هدفه المال ، وهذا هدفه المنصب ، وهذا هدفه المكانة الاجتماعية ، وهذا هدفه الشهرة ، وهذا الاختراع والاكتشاف ، وهذا هدفه التأثير في الناس وغير ذلك .
أما المسلم الحق فمهما جمعت له من شرائح ، ومهما تعددت اجتهاداتهم ، فإن الهدف الأساس واضح عند كل مسلم وضوح الشمس وهو رضا الله تعالى وإحراز ثوابه ، ولذلك فإن المسلم يجعل جميع أعماله الأخرى وجميع تطلعاته بمثابة خدم ووسائل وآليات تمكنه من الوصول إلى هذا الهدف الرئيس ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام:162 - 163] .
إن المسلم يستطيع بتبني الغايات الحميدة أن يجعل من نومه ومن أكله ومن شربه ، ومن جميع مناشط أوقاته فراغه ومناشط الترفيه لديه ، يمكن أن يجعل من ذلك كله عبادات يثاب عليها ، إذا استحضر النية الصالحة عند مباشرتها ، وهذا معنى الجدية التي ندندن حولها .
قال النبي صلى الله عليه وسلم :(( وفي بضع أحدكم صدقة )) قالوا : يا رسول الله : أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال : ((أرأيتم إن وضعها في حرام أما كان عليه وزر ؟)) قالوا ، بلي . قال : (( كذلك إذا وضعها في حلال كان له بها أجر )) .
إذن فلابد من ضبط الحياة كلها بضوابط الحلال والحرام ، ويكون الهدف في ذلك واضحاً مع وجوب التحلي بالإرادة القوية والعزيمة الصادقة التي تدفع الإنسان إلى النشاط والعمل الجاد من أجل تحقيق هذا الهدف المراد .
6- علو الهمة :
 علو الهمة من أكبر سمات الجادين ، فإن صاحب الهمة العالية لا يرضى بالكيل ، ولا يركن إلى الراحة والفتور ، ولا تستهويه سفاسف الأمور وتوافه القضايا ، وإنما تقوده همته إلى معالي الأمور وعظائم القضايا ، فتراه يريد بلوغ الكمال في باب العلم ، وبلوغ الكمال في باب العبادة ، وبلوغ الكمال في أبواب السلوك والآداب والأخلاق ، والعمر قصير ولكنه يجد ويجتهد فينتقل من حال إلى حال أكمل منه ، ومن منزلة إلى منزل أعلى ، ويستمر على ذلك حتى الموت قال تعالى : ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر:99] . واليقين هو الموت بإجماع المفسرين .
قال ابن الجوزي رحمه الله : " خلقت لي همة عالية تطلب الغايات ، فعلتِ السنُّ وما بلغت ما أمَّلتُ ، فأخذت أسأل تطويل العمر ، وتقوية البدن وبلوغ الآمال ، فأنكرت عليَّ العادات وقالت : ما جرت عادة بما تطلب ! فقلت : إنما أطلب من قادر يخرق العادات ، وقد قيل لرجل: لنا حويجة ، فقال : اطلبوا لها رجيلاً !! وقيل لآخر : جئناك في حاجة لا تزْرؤُك([7]) فقال : هلاَّ طلبتم لها سفاسف الناس! فإذا كان أهل الأنفة من أرباب الدنيا يقولون ذلك ، فلم لا نطمع في فضل كريم قادرٍ ([8]) ؟.
7- صحبة الجادين :
من أهم عوامل تثبيت المسلم على سمة الجدية : صحبة الجادين ؛ لأن الإنسان يتأثر بمخالطة ، والصاحب ساحب ، فإذا صحب المسلم أهل اللغو واللعب والبطالة وتضييع الأوقات تأثر بأحوالهم وربما صار واحداً منهم مع مرور الوقت .
وإذا خالط أهل الجد والاجتهاد والعبادة والطاعة ، وعلو الهمة تأثر بهم ، وقلدهم في أقوالهم وأفعالهم ، وبمرور الوقت تصبح الجدية وعلو الهمة سمة له وصفة من صفاته ، فالصاحب ينتفع أشد الانتفاع ويشقى أشد الشقاء بصاحبه ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل )) .
8- مواجهة المشكلات :       
إن صاحب الجدية لا يهرب من مشكلاته ولا يتركه دون حلول ، ولا يجعلها حجر عثرة في طريقه ، وإنما يواجه مشكلاته بحكمة وتؤدة ، ويجعل من مشكلاته وأزماته نقاط انطلاق جديدة ، يكتشف من خلالها ما وهبه الله تعالى من قدرة على التفكير وإيجاد الحلول لكل ما يعتريه من محن وابتلاءات .
وصاحب الجدية يختار الوقت المناسب لمعالجة مشكلاته ، وهي أوقات الراحة والتأمل وفراغ الذهن .
وقد يحتاج إلى مساعدة الآخرين ، ولكنه لا يعرض مشكلاته على المتشائمين المثبطين الذين لا همَّ لهم سوى بث اليأس ، ودلالة الناس على الطرق المسدودة ، وإنما يعرض مشكلاته على من يحبه من أصدقائه الذين عرفوا بالإيجابية ورجاحة العقل ودقة النظر .
9- الشمولية :
إن المسلم الجاد هو الذي يأخذ الدين كله كما جاء من عند الله تعالى. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [البقرة:208].
قال ابن كثير رحمه الله : " يقول الله تعالى آمراً عباده المؤمنين به المصدقين برسوله أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام وشرائعه ، والعمل بجميع أوامره ، وترك جميع زواجره ، ما استطاعوا من ذلك .
قال ابن عباس : أي اعملوا بجميع الأعمال ووجوه البر([9]) .
فليس من الإسلام أن ينتقي المسلم من دين الله ما يشاء فيعمل به ويترك ما يشاء . وليس من الجدية أن يفعل الإنسان ما سهل عليه ويترك ما يراه صعباً من الفرائض والواجبات ، فالدين كله يسر وقد رفع الله عن عباده الحرج قال تعالى : ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: من الآية78]. وقال تعالى : ﴿وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر:15].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الدين يسر ، ولا يشاد الدين أحد إلا غلبه ، فسددوا وقاربوا وأبشروا )) [ رواه البخاري ] .
فعلى المسلم الجاد أن يأخذ الإسلام بشموليته حتى لا يتشبه بغير المسلمين الذين قال الله فيهم : ﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: من الآية85].
10- ترك التسويف :
إن صاحب الجدية لا يعرف التسويف ولا يعتمد على الأماني الكاذبة ، وإنما يبادر إلى الطاعات وإشغال الوقت بالعبادات ، والانتظام في سلم المؤمنين الصادقين . فيتوب كل يوم وكل ساعة وبعد العمل وقلبه ، ولا يقول سوف أتوب ويترك التوبة ، يحاسب نفسه مراراً ولا يقول سوف أحاسب نفسي فيما بعد ، يحافظ على الصلاة في مواقيتها ، ولا يضيعها ويقول سوف أحافظ على صلاتي ، يقرأ القرآن ويتدبره ويعمل به ، ولا يقول سوف أقرأ أو سوف أعمل ، وهكذا فإنه مشغول دائماً بأعمال الخير وقضايا الإسلام والمسلمين ، قد قصر أمله في هذه الدنيا ، فأثر ذلك في سلوكه وأعماله ؛ همة ونشاطاً وإقبالاً على الله تعالى بلا تردد ولا تسويف .
11- إدامة النظر في السيرة النبوية وسير الصحابة :
من أعظم الأمور التي تدفع إلى الجدية النظر في سير أهل الجد والاجتهاد من الأنبياء والصحابة رضوان الله عليهم، قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [يوسف:111]
وتعد سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أعظم معين للجدية ، فقد واجه النبي صلى الله عليه وسلم الكفر بمفرده ، وتحمل في سبيل نشر الإسلام كل صنوف الأذى والاضطهاد ، فلم تلن له قناة ، ولم تفتر له عزيمة ، وإنما أعلنها صريحة قوية في وجوه أهل الكفر جميعاً (( والله لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه )) . إنها جدية صاحب الدعوة الذي آمن بدعوته ونذر لها نفسه ووقته وجهده وجاهه وكل شيء من أمره .
12- البعد عن الترف :
 الترف من سمات أهل البطالة والكسل ؛ لأنه مورث الخمول والدعة . وأجمع كل عاقل على أنه لا يدرك نعيم بنعيم ، والمكارم لا يتوصل إليها إلا بالمكاره . فمنافاة الترف ، وهجر فضول التنعم من مقومات الهمة العالية ([10]) .
قال بعض السلف : لا ينال العلم براحة الجسد .
لقد ملك النبي صلى الله عليه وسلم مفاتيح خزائن الأرض ، ولو شاء لكان ملكاً رسولاً ، ولكنه رضي أن يكون عبداً رسولاً ، يجوع يوماً فيحمد ربه ، ويشبع يوماً فيشكر ربه ، ولقد ذكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما أصاب الناس من الدنيا فقال : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يظل اليوم يلتوي ، ما يجد من الدقل ما يملأ به بطنه )) [ رواه مسلم ] .

*            *                    *


([1]) رسالتان للحافظ ابن رجب ص (27) .
([2])   انظر : (( ضغوط الحياة )) ص (151 ) .
([3]) من كتاب (( 100 فكرة للحصول على السعادة الحقيقية )) للدكتور صلاح الراشد ص ( 21 ) .   
([4])   أي بأطراف أصابعه رضي الله عنه .
([5])   انظر فيما سبق : رسالتان للحافظ ابن رجب : شرح حديث (( إذا كنز الناس الذهب والفضة )) ص ( 26 – 32 ) .
([6]) كتاب اللطف في الوعظ لابن الجوزي ص (33) .  
([7])   لا تزرؤك : لا تتعبك .
([8])   صيد الخاطر ص (419 ، 418 ) .
([9])   تفسير ابن كثير ( 1/ 324 ) .


0 التعليقات:

إرسال تعليق

تصميم : باســـم