عن المدون

صورتي
ايادبزاع الاثوري
بسم الله الرحمن الرحيم الاسم/اياد نعمان محمد بزاع المهنة/خريج من كلية العلوم التطبيقية قسم-الكيمياءالتطبيقية جـــامــــعـــــــــــــة - تــــعـــــــــــــــــز البريدالإلكتروني/ayadbazaa2011@yahoo.com))
عرض الملف الشخصي الكامل الخاص بي

للاشتراك في القائمة البريدية

ضع ايميلك هنا ليصلك جديد المدونة:

أرشيف المدونة

القرآن الكريم

المتابعون للمدونة

بواعث الفرج


مقالات  منوعة
د. طارق سويدان

بواعث الفرج

تحدثنا في الأسبوع الماضي عن أربع أزمات قيادية تعاني منها الأمة بعامة والمنظمات والشركات بخاصة. وحتى لا نتهم بأننا من الذين يدعون للتشاؤم فإننا سنتحدث اليوم عن ما نراه من بواعث للفرج تلوح في سماء الأمة وأفق العمل الإداري. وسنقسم بواعث الفرج هذه إلى قسم يتحدث عن المستوى الفردي وأخر يتحدث عن المستوى الجماعي.

على المستوى الفردي:

شعور المريض بالمرض: أي شعور المريض بالسلبية وعدم الفعالية وعدم رضاه عن هذا الشعور وسعيه لتغييره وتحويل هذا الشعور إلى برنامج عملي يسعى من خلاله لأداء قضية من القضايا. وهذه أول خطوات العلاج، أي الاعتراف بوجود المرض والحاجة للعلاج. والمصيبة حين يخيل للمريض أنه سليم معافى لا يشكو من شيء، عندها يرفض الدواء ونصح الأطباء ويصرُّ على ما هو عليه.

الاتجاه نحو صياغة الحياة: التوجه نحو صياغة الحياة صياغة إسلامية بكافة مجالاتها، فالأب يصوغ بيته صياغة إسلامية، والمدير يصوغ مدرسته والموظف في دائرته. لقد أصبح هناك هم كبير في محاولة صياغة الحياة، وهو هم مقلق ينمُّ عن مستقبل مشرق.

التخصص: لقد أصبح هناك فهم صحيح لضرورة التخصص، بعد أن كان الكل يدعي الفهم في كل شيء. وتنامى لدى الأمة شعور جاد بقيمة العلم والتحصيل والتدريب. ولدينا الآن عدد متزايد من الشباب يتخصصون بأمور كثيرة ورائعة، وكل منهم يعمل بجد ليسد بذلك ثغرة من ثغرات المعرفة والقيادة في الأمة.

على المستوى الجماعي:
إحياء دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وهي شعيرة حسبناها ماتت. فما عاد الإنسان المستقيم إنساناً سلبياً يتردد على المسجد للصلاة فقط، بل أصبح يتحسس بداخله مشاعر عظيمة يطمح في إيصالها للناس كافة. وأصبحت مؤسسات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تنوع أساليبها وتطور طرقها، مما أحيا هذا الدور وضخ به دماء جديدة.
التعايش مع طبقات المجتمع: ما عادت قضية القيادة حكراً على فئة معينة مثل الدعاة أو طلبة العلم، بل إن الجيل الجديد حريص على الاحتكاك بعامة الشعب وخدمته والتعايش مع قضايا الناس وتلمس المشاكل التي تواجههم ومحاولة حلها، إما عن طريق طرح منتج أو خدمة جديدة، أو عن طريق تحسين أداء المنظمة لتخفيف الضغط عن الموظفين والمراجعين. بهذه العاطفة القيادية التي نتجت عن التواد والرحمة (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم) نستطيع التواصل مع الناس والتأثير في سلوكهم.
الاتجاه الفعال نحو الأعمال المؤسسية: إذ لم تعد قضية القيادة والنجاح قضية فردية، بل أصبحت هماً جماعياً منظماً. ورسمت لها الهياكل الإدارية ووضعت في الخطط العملية للشركات والمنظمات. لكن نجاح العمل المؤسسي يتطلب إضافة إلى ما سبق استيعاب مفاهيمه، وتربية الأفراد على معانيه ومتطلباته والتفاعل المتبادل بين القيادة والأفراد.
ظاهرة التكامل: من خلال معرفتنا بنقاط القوة والضعف لدى كل شخص في المنظمة نستطيع توظيف نقاط القوة في خدمة أهداف المنظمة وتلافي الضعف أو العمل على تقويته، وبهذا نحقق الاستفادة القصوى من طاقات الموظفين والعاملين. وعبر الحوار والرأي الآخر يتم توزيع الأعمال وتنفيذها بشكل متقن وبإنتاجية عالية. وفي كل هذا مصلحة كبيرة للمنظمة.
معيار القيادة الإسلامية
هل المعيار هو (إنَّ خيرَ من استأجرتَ القويُّ الأمين) ؟! سورة القصص.
القوة والأمانة، نعم.. إن هاتين الصفتين تجمعان كل المعاني القيادية التي تحدَّث عنها علماء الإدارة في العالم. وسنتحدث عنهما اليوم بإيجاز.
القوة:
وتعني الكفاءة والذكاء والقدرة على أداء المهمة، وتختلف القوة المطلوبة باختلاف المهمة. قال ابن تيمية: والقوة في كل عمل بحسبها، فالقوة في إمارة الحرب ترجع إلى شجاعة القلب وإلى الخبرة بالحروب، والقوة في الحكم بين الناس ترجع إلى العلم بالعدل الذي دل عليه القرآن والسنة وإلى القدرة على تنفيذ الأحكام.
ومن مظاهر فقدان القوة:
الروتين القاتل: وأعراضه البطء في إنجاز المعاملات والضغط في العمل والذي يسبب الاكتئاب والملل، ويؤدي إلى تمضية الوقت كيفما اتفق. ولعل هذا واضح في ترهّل الإدارة والروتين الحكومي المستشري في معظم الدول العربية.
ضعف الاستغفار: يضعف الاستغفار عندما يصبح استغفاراً سريعاً بلا روح، استغفاراً شفهياً لا يلامس شغاف القلب، فيرق به من خشونة الذنب. وهو من شروط القوة المعنوية والاقتصادية التي غفلنا عنها ولا توجد لدى أنظمة الغرب أو علومهم. وهذا هود عليه السلام ينصح قومه بشروط البنية المعنوية الاقتصادية فيقول: (يَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ) سورة هود.
الأمانة:
وتعني المصداقية والرقابة الذاتية والمبادرة لأداء العمل على أتم وجه. وتستخدم كلمة الأمانة بأكثر من معنى، ومنها:
التكليف: قال تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَات وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً). سورة الأحزاب.
الأمانة المعنوية: تمتد حدود الأمانة إلى ما هو أبعد من القضايا المالية، فهي تشمل أمانة الفكر والرأي والموقف. وعلى سبيل المثال عدم بخس العاملين حقوق التقدير الممزوج بالحب، ومساعدتهم في قضاياهم ومشاكلهم المؤرقة بقدر الاستطاعة.
الضمير اليقظ: وهو الذي، كما يقول الغزالي، تصان به الحقوق المتمثلة في حقوق الله والناس وتحرس به الأعمال من دواعي التفريط والإهمال.
الإتقان: فالحرص على أداء الواجب المنوط بالشخص بشكل متقن من أخلاق المسلم. ومنه السهر على حقوق الناس وإذا استهان الفرد بما كلف به وإن كان صغيراً فرط فيما بعده إلى أن تستشري روح الفساد والضياع في كيان المؤسسة. بل إن المطلوب هو تجاوز الإتقان والوصول إلى درجة الإبداع في التخطيط والتنفيذ مسترشدين بدعوة المصطفى عليه السلام: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه". أخرجه البيهقي.
عدم الاستغلال: أي عدم استغلال المنصب لمنافع شخصية أو للإضرار بمصالح الأخرين وإضاعة حقوقهم.
تعيين الأصلح: وهو تعيين الرجل المناسب في المكان المناسب وليس العكس. مصداقاً لقول رسول الله عليه الصلاة والسلام: "من استعمل رجلاً من عصابة، وفي تلك العصابة من هو أرضى لله منه، فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين". أخرجه الحاكم.
إن الأمانة قضية عظيمة لا ينبغي أن نستهين بها أو نفرط في حقها. فلا يجب نركز على الشكليات وننسى الجوهر الحقيقي، فبدل أن نمارس التربية والتعليم اكتفينا - على سبيل المثال- بالتلقين المبهم، ففقدنا قدراً من الأمانة، والنتيجة جيل من الشباب لا يرعى مصلحة المجتمع، ولا يقوم بدوره الصادق والمخلص في تقدمه وازدهاره.








الأزمات القيادية
قلنا في العدد السابق أن جزءاً كبيراً من الضعف الذي تعاني منه أمتنا اليوم في المجالات الإدارية والاقتصادية والتجارية أساسه ضعف القيادة في المنظمات مفهوماً وتطبيقاً، إضافة إلى ندرة وجود القادة، بالرغم من كثرة المديرين والمسؤولين. ونستطيع أن نفصل أربع أزمات قيادية هي:
1- أزمة تخلف: إننا نعيش أزمة تخلف مريرة في كل مجال. فما عدنا نقود الأمم، ولا يوجد لدينا مقومات لقيادة الأمم. فرغم وجود المنهج المتمثل بالقرآن والسنة إلا أنه ليس هناك من يطبقه لعدم وجود من يفهمه الفهم الصحيح المتسع الأفق. وصدق فينا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ يقول أبو الدرداء رضي الله عنه: كان رسول الله عليه الصلاة والسلام جالساً بين أصحابه، فشخص ببصره إلى السماء ثم قال: "هذا أوان يُختلس العلم من الناس، حتى لا يقدرون منه على شيء". فقال زياد بن لبيد: يا رسول الله، كيف يُختلس منا وقد قرأنا القرآن؟ فوالله لَنقرأنَّه ولنُقرِأنَّه أبناءنا ونساءنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثكلتك أمك يا زياد، إنْ كنتُ لأعدُّك من فقهاء أهل المدينة، هذه التوارة والإنجيل عند اليهود والنصارى، فماذا تغني عنهم"؟ رواه الترمذي.
لقد افتقدنا النماذج والقدوات القيادية الحية التي تستطيع أن تقود وتطبق فيقتدي الناس بها ويتفاعلوا معها كي تتطور المنظمات ويعلو شأن الأمة.
2- أزمة فاعلية: فنحن أمة غير فاعلة، وما أصبحنا هكذا إلا بعد أن أصبحنا أفراداً غير فاعلين في مجالاتنا. لكن هناك حقيقة مهمة يجب ألا نغفل عنها، وهي أن هذه الأمة خلقت لتبقى، وما خلقت لتؤدي دوراً وتنتهي مثل الأمم الأخرى. إذاً نحن بحاجة إلى تفعيل الدور القيادي للأشخاص في مجتمعنا، وبناء شخصيات قيادية قادرة على التنافس مع الغرب والتفوق عليه في إدارة الشركات والإبداع والإبتكار والتجديد كي نمتلك قوتنا الاقتصادية ونفعلها لخدمة مصالحنا كأمة.
كما أنه لدينا قصوراً في فن التعامل أو فن التأثير على الناس، حتى على المستوى والمحيط الصغير، كتأثير الوالد في ولده أو المعلم في تلميذه أو المدير في موظفيه. فإن كنا نعجز عن ذلك فكيف سنؤثر في المجتمع الأكبر وفي العالم؟!
3-  أزمة استشعار: أي استشعار ثقل القيادة ومسؤوليتها، فالقيادة غُرم لا غنم. وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول واصفاً حاله منذ أصبح خليفةً: فو الله ما أستطيع أن أصلي وما أستطيع أن أرقد، وإني لأفتح السورة فما أدري في أولها أنا أو في آخرها من همّي بالناس منذ جاءني هذا الخبر. (تاريخ عمر لابن الجوزي). ولم يفارق هذا الهم عمر رضي الله عنه حتى وفاته.
يقول سعيد بن المسيب إن عمر رضوان الله عليه جمع كومة من بطحاء (تراب) وألقى عليها طرف ثوبه ثم استلقى عليها ورفع يديه إلى السماء وقال: اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط.
فنحن حين فقدنا الاستشعار بالمسؤولية وأمانتها جاء حب الدنيا والمناصب والزعامات والتطاحن من أجلها، وعندها عطلت الطاقات وتقدم غير ذي الكفاءة على الكفؤ، وخسرنا الدنيا والآخرة.
4- أزمة ضعف أداء القائد: وهي من الأزمات التي تمر بها المنظمات والمؤسسات بشكل عام وأعراض هذه الأزمة وآثارها منعكسة على كل المستويات. وهي مشكلة ضعف نفسي داخلي، أي ضعف معرفتنا بأنفسنا ومعرفة هويتنا ومعرفتنا بربنا سبحانه وتعالى.

لماذا علينا أن نكون قادة !؟
في سلسلة المقالات القادمة، تستوقفنا مواضيع هامة نراها على رأس سلم أولويات الجيل القادم، ولأننا نؤمن بأن الجيل الجديد هو المعوّل عليه في بناء لحضارة ونهضة الأمة، فإنه كان لزاماً علينا تقديم كل ما يساند هذا الجيل من أفكار وأسس، وتدعيم هذه الحضارة القادمة ودقِّ أوتاد ثباتها وقوتها.? ولما كانت الأمة بحاجة إلى قيادات من الطراز الأول، يخرجونها من حالة التقزّم، ويرتفعون بها من درك الانحطاط، وجدنا أن موضوع القيادة هو أهم ما يجب الاهتمام في وقتنا الحالي، فكيف نبني من الجيل قيادات رائعة للأمة!؟
إن التعريف المختصر للقيادة هو: "عملية تحريك الناس نحو الهدف"، وسواء كان هذا الهدف دنيوياً أو أخروياً، فإنه لابد أن تكون للقائد صفات مميزة تؤهله ليكون على رأس هرم الجماعة، والسراج المنير لمسيرتها حتى تصل إلى هدفها المنشود. وبهذا المعنى يصبح رب الأسرة هو قائدها ليكون أولاده صالحين فاعلين، وكذلك يصبح رئيس المؤسسة هو المسؤول عن تسيير شؤونها لما فيه نجاحها، والمعلم مسؤول عن طلابه. وهكذا ينمو المجتمع كوحدة متكاملة، وروح منسجمة.
أهمية القيادة
إن عملية القيادة ووجود القائد الجيد على رأس عمله أمر غاية في الأهمية، بل نكاد نقول إن جزءاً كبيراً من تخلف الأمة في شتى الميادين بما فيها العلمية والتجارية والاقتصادية يرجع لعدم وجود ما يكفي من القادة في منظماتنا ومؤسساتنا الاقتصادية والتجارية. إذ كيف تبحر السفينة بدون ربان وكيف تصل دون تخطيط ودراسة للطريق الذي تسلكه وحالة البحر وما إلى ذلك.

فالقيادة لا بد منها حتى تترتب الحياة، ويُقام العدل، ويُحال دون أن يأكل القوي الضعيف. والقيادة هي التي تنظم طاقات العاملين وجهودهم لتنصب في إطار خطط المنظمة بما يحقق الأهداف المستقبلية لها ويضمن نجاحها. كما يعمل القائد بشكل دائم على تدعيم السلوك الإيجابي للأفراد والمجتمعات، وإنه يبذل قصارى جهده لتقليل السلوك السلبي، موجداً بذلك مناخاً أفضل للعمل والإنتاج الهادف، ثم إن على القائد أن لا يُستهلك بالتعامل مع الأمور اليومية والروتينية، بل إن أهم عمل له هو استشراف المستقبل، ووضع الخطط المستقبلية وتطويرها، وحل أي مشكلات مستقبلية متوقعة قد يواجهها.
كما أن على القائد الناجح والمؤثر في منظمة ما، أن يستشف التغييرات الآتية في المجتمع الذي تعمل فيه المنظمة ويواكبها، ويساعد المنظمة على التأقلم معها والاستفادة منها ما استطاعت. ومن أجل تهيئة المنظمة لمواكبة التغييرات يحتاج القائد إلى تنمية قدارات الموظفين والعاملين ورعايتهم من خلال البرامج التدريبية المستمرة التي تلائم احتياجات هذه المنظمة والعاملين فيها، وترفع من قدراتهم وإمكانياتهم.
ولكننا لا نستطيع إغفال الحقيقة المهمة، وهي أن غالبية الناس يعيشون اليوم دون أن يفكروا في التخطيط للقيادة والارتقاء بالنفس إلى مراتب القياديين. وكيف نلومهم وهم غارقون في البحث عن الاحتياجات الضرورية وكيفية تأمينها لأطفالهم؟!? لقد وافق الإنسان على حمل أمانة عظيمة هي قيادة الكون حين كلّفه الله بها، ورفضت السماوات والأرض والجبال تحملها، إن هذه المهمة الثقيلة تدعوه ليتفكر كثيراً في كونه قائداً مكلفاً من قبل رب العالمين تعالى، ومن ثم يقوم بدوره في القيادي في عمارة الأرض وإصلاحها.
وللحديث بقية..

معايير تولي القيادة
كيف نختار من نوليه مسؤولية القيادة أو الإمارة؟ وهل تعطى لمن يطلبها أم تمنع عنه؟
يقصد من يطلب الإمارة أو القيادة في مؤسسة ما أو في المجتمع عامة أمراً من إثنين:
الأول: أن يستفيد من منصبه هذا في الحصول على الجاه والمال والتحكم في العباد، وهذا مذموم لا يقره شرع ولا ناس. وقد يكون الشخص مستقيماً لكنه لأسباب أخرى لا يصلح لتحمل المسؤولية.
وفي حالة الرغبة في الاستفادة من المنصب ننظر في الحديث التالي:
عن أبي موسى قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من بني عمي فقال أحد الرجلين: يا رسول الله أمرنا على بعض ما ولاك الله عز وجل. وقال الآخر مثل ذلك، فقال: "إنا والله لا نولي على هذا العمل أحداً سأله ولا أحداً حرص عليه". أخرجه مسلم.
من هنا يتبين لنا أن الطامع في المنصب لا يعطى إياه لأنه في الغالب سيسيء استخدامه ويؤذي المؤسسة أو الجهاز الذي يديره، فهو ليس مخلصاً للمنظمة ولا يهمه مصلحتها ونجاحها بقدر ما يهمه استغلالها في تعظيم مكانته وأمواله على حسابها.
أما الشخص الذي لا يصلح مع كونه مخلصاً فلنا في أبي ذر الغفاري خير مثال عليه. عن أبي ذر قال: قلت يا رسول الله: ألا تستعملني؟ قال: "إنك ضعيف وإنها أمانة. وإنها يوم القيامة لخزي وندامة. إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها". أخرجه مسلم. فهذا أبو ذر الصحابي الجليل المخلص لدين الله وللرسول عليه الصلاة والسلام تمنع عنه الولاية ليس لشك في إخلاصه وولاءه ولكن لضعف في شخصيته قد لا يتيح له القيام بواجبات الولاية كما ينبغي فتكون خزى وندامة له يوم الحساب.
الثاني: أن يطلب الشخص القيادة أو تولي الإدارة لأنه لا يوجد من هو أكثر أهلية للقيام بها. ولأنه يخشى إذا تولاها غيره أن لا يحسنها، والطلب بهذه النية أمر مثاب مأجور ومعان عليه إن شاء الله. والأدلة على ذلك كثيرة نذكر منها طلب يوسف عليه السلام للولاية لا طمعاً فيها ولكن لمعرفته بأنه أفضل من يقوم بها في ذلك الزمان والمكان. (قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) يوسف (55). فكان الطلب هنا مرتبطاً بالحفاظ على الأمانة والعلم بالأمر وكيفية تصريفه -أي الكفاءة بلغة عصرنا. إذ أدرك عليه السلام أنه ليس هناك من هو مثله في العدل والإصلاح وتوصيل الحقوق إلى الفقراء والمحتاجين.
كما أن الرسول عليه الصلاة والسلام ولى الصدائي الآتي من اليمن الولاية عندما طلبها على قومه لما رآه من كفاءته وصلاحه.
وهكذا نخلص إلى أن من الممكن أن يعين طالب الإدارة أو القيادة والساعي لها في المنصب الذي يطلبه إذا كان مخلصاً أميناً وقوياً وكفؤاُ ومتميزاً عن المنافسين له في تولي نفس المنصب.






بين القيادة والإدارة
يخلط الكثير بين مصطلحي القيادة والإدارة ويعتبرونهما وجهان لعملة واحدة. لكن المصطلحين مختلفان تماماً في الحقيقة. فالقائد يمكن أن يكون مديراً أيضاً ولكن ليس كل مدير يصلح قائداً. فما هو الفرق بين القيادة والإدارة؟
القيادة: تركز القيادة على العلاقات الإنسانية وتهتم بالمستقبل. ومن هنا تحرص على عدم الخوض إلا في المهم من الأمور. وتهتم القيادة بالرؤية والتوجهات الاستراتيجية وتمارس أسلوب القدوة والتدريب.
الإدارة: تركز الإدارة، على النقيض من القيادة، على الإنجاز والأداء في الوقت الحاضر. ومن هنا فهي تركز على المعايير وحل المشكلات وإتقان الأداء والاهتمام باللوائح والنظم واستعمال السلطة. كما تهتم بالنتائج الآنية مثل كم ربحنا، وكم بعنا، وما إلى ذلك؟
والحقيقة أن كلا الأمرين مهم. فالقيادة بدون إدارة تجعلنا نعيش في عالم التخطيط للمستقبل، مع إهمال الإنجاز الفوري الذي نحتاج إليه كي نصل لأهدافنا المستقبلية. والإدارة وحدها تجعلنا لا نرى سوى مشاكلنا اليومية التي تستغرقنا فلا يتاح لنا الوقت للتفكير والتخطيط للغد. إنها تجعلنا نبتعد عن الأهداف البعيدة والصورة الكلية وربطها بالقيم والمبادئ. وقد ننسى في فورة اهتمامنا الطاغي بالانتاج والإتقان والجودة أننا نتعامل مع بشر لهم أحاسيسهم وحقوقهم واحتياجاتهم.
نحن نعلم أن الإنسان يمكن أن يتعلم علم الإدارة. فهو يدرس في الجامعات والمعاهد وهناك العديد من المتخصصين الذين يقدمون الدورات المتميزة فيه. ولكن هل يمكن تعلم فن القيادة؟ حيّر هذا السؤال العالم، واختلف فيه الباحثون والدارسون، فمنهم من يرى أنها موهبة فطرية تولد مع الشخص. ومن هؤلاء "وارين بينيس" الذي يقول: إنك لا تستطيع تعلم القيادة، القيادة شخصية وحكمة وهما شيئان لا يمكنك تعليمهما. ومنهم من يرى أنها كأي مهارة أخرى يمكن أن تكتسب. فيقول "بيتر دركر": يجب أن تتعلم القيادة، وباستطاعتك أن تتعلمها.
إننا نعتقد أن القيادة تنقسم إلى جزأين، جزء يمكن تعلمه وإتقانه وجزء يجب أن يكون موجوداً بالفطرة في الشخص، وبدون هذين الجزأين لا يمكن أن تكتمل شخصية القائد ونجاحه كقائد.
أما الجزء الذي يمكن تعلمه فهو ما يتعلق بمهارات التواصل والتخاطب، والنظريات الاستراتيجية والأساليب القيادية المختلفة. وكلها أمور يمكن تعلمها في المعاهد والمراكز والجامعات في دورات تطول أو تقصر.
لكن الجزء الذي لا يعلم ولا يمكن اكتسابه بشكل مصطنع هو المتعلق بالمشاعر والعاطفة وسرعة البديهة والاهتمام بمن حولك. وهي صفات تصنع القائد وتحبب الناس فيه فيسهل عليهم اتباعه. يقول الله تعالى (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك).
وهكذا فإن من لديه هذه الصفات يستطيع أن يتعلم المهارات الأخرى عبر التدريب والتعليم والتوجيه وصقل المهارات.
وبصفة عامة فإن القيادة تتعلق بشخصية الإنسان ككل. وهي بروز الشخصية القيادية الحقيقية، وهذا أمر يحتاج إلى الكثير من الوقت والصبر، إذ أن الشخصية القيادية لا يمكن أن توجد وتدرب وتصقل وتكتسب الخبرة اللازمة للقيادة في يوم وليلة، بل هي عملية تأخذ سنوات من العمر.



استشراف المستقبل
ذكرنا في العدد الماضي أن من مهمات القيادة الرئيسية التركيز على الرؤية والتوجهات الاستراتيجية والاهتمام بالمستقبل. وقد اهتم الغرب كثيراً بعملية التخطيط واستشراف المستقبل وكان هذا أحد أسباب نجاحه في السيادة والتقدم على باقي الشعوب والأمم.
تشير الدراسات إلى أن الرؤية الجيدة للمستقبل يجب أن يتوفر فيها بعض الصفات نذكر فيما يلي أهمها:
1- توضيح صورة المستقبل المنشود: إن من أهم ما يقوم به القائد هو أن يضع الأهداف الذي يسعى لتحقيقها ويرسم لأتباعه صورة المستقبل الذي يريد الوصول بهم إليه. فهو يبلور الرؤية والأهداف السامية ويشحنهم بالرغبة في تحقيق هذه الأهداف والوصول إلى هذه الغايات. ولا فرق هنا بين أن تكون هذه الرؤية لفتح أسواق جديدة أمام الشركة والانتشار عبر الحدود أو لبناء مجتمع جديد تسود فيه العدالة والمساواة والحرية.
2- استشراف المستقبل: الرؤية المستقبلية الواضحة هي التي تحفز الإنسان على الاستمرار في السير نحو الهدف رغم الصعوبات. فهذا نوح عليه السلام أمضى ألف سنة إلا خمسين يدعو قومه، وحين رأى بحكمته ونفاذ بصيرته أن لا فائدة ترجى منهم دعا على قومه قائلاً (إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفارا). نوح (27). كانت الرؤية المستقبلية واضحة عند نوح عليه السلام لذا كان القرار بالدعاء عليهم سهلاً وحكيماً، واستجاب الله عز وجل لدعائه. والمثل المشابه والمعاكس هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم لملك الجبال الذي أراد أن يطبق الأخشبين على أهل الطائف: "بل أرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً". أخرجه مسلم. إن استشراف المستقبل يحتاج لنفاذ بصيرة وبعد نظر وتقدير كل الاحتمالات والاستعداد لأسوأها.
3- وضوح الهدف وتحفيزه للناس: إن من أبرز الأزمات التي يعاني منها الإنسان المعاصر عجزه عن تحديد الغاية النهائية لأنشطة البشر. فالغرب لا يدرك هذه الغاية لبعده عن الدين. والمسلمون ضاعوا في زحمة المشاغل اليومية والبعد عن الدين، فأصبحنا نعيش في غفلة عن دورنا في هذه الحياة. إن غاية وجودنا في هذا الكون هي (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون). الذاريات (56). لكن تطاول الأمد على الكثير منا، وتشعب الدنيا في القلوب أدى إلى نسيان الكثير منا لهذه الغاية. فلو راعى القائد الله في نفسه ورعيته ورسم من الأهداف ما يتوافق مع أوامر الله عز وجل لكان النجاح حليفه. وبالمثل لو وضع المدير والمسؤول هذه الغاية أمام عينه لراعى الله في أحكام البيع والشراء وحقوق العاملين، مما يوجد ولاءً وإخلاصاً لديهم ولدى المتعاملين معهم يقود المنظمة بالتالي إلى تحقيق أهدافها والنجاح والربح والازدهار.
4- التحلي بروح التفاؤل والصبر: على القائد أن يتفاءل بإمكانية تحقيق الأهداف التي يضعها ويبث روح التفاؤل هذه بين أتباعه. والتخطيط للمستقبل يتطلب الصبر وعدم التعجل في تحقيق الهدف، فالأهداف بعيدة المدى لن تتحقق بين ليلة وضحاها. ويحكى أن كسرى أنو شروان مر بفلاح عجوز يزرع شجرة فقال له: كيف تتعب نفسك في غرس شجرة لن تنال من ثمارها أي شيء. فأجاب الفلاح: لقد غرس لنا من قبلنا فأكلنا، ونغرس لمن بعدنا ليأكلوا. إن ما نعمله اليوم لرفعة الأمة والدين قد لا يؤتي ثماره في حياتنا، ولكن الأكيد هو أنه لن يضيع هباءً بل ستحصد ثماره الأجيال القادمة. إن المسلم الحق لا يكون إلا مستقبلياً.



النظرة إلى القائد
لكل قائد أتباع، ويشكل الأتباع المخلصون الوجه المكمل للقائد. إذ من دونهم لا يستطيع القائد تنفيذ مخططاته وتحقيق الأهداف المستقبلية. ويسبق وجود القائد وجود الأتباع في العادة، بل هو يصنعهم. فالقائد هو الذي يشكل الأتباع، وإن كان يراعي ظروفهم والقيم والمبادئ التي يحملونها ويرفعهم برفق إلى مستواه أو مستوى المهمة.
يميل الناس إلى ربط النجاح والفشل بشخص القائد، لأن ذلك أسهل من ربطهم بمجموعة معقدة من الظروف والأحداث. وعلى الذي يرغب في قيادة الناس أن يراعي هذه النظرة ويفهم انطباعاتهم ويتصرف واضعاً في حساباته توقعات الناس والأتباع. ومما يدل على وجوب ذلك قصة شكوى أهل الكوفة من سعد بن أبي الوقاص. إذ شكا أهل الكوفة سعداً لعمر بن الخطاب، رضي الله عنهما. فأرسل عمر إلى سعد فأتاه. ولم يكتف عمر بالاستماع إلى رد سعد، رغم قناعته الشخصية به. إنه أمام شكوى من الناس وما يلزم هو إقناع الناس. أرسل عمر لجنة لتقصي الحقائق. لم تذهب هذه اللجنة إلى مقابلة أعيان البلد وأثريائها بل وقفت تراقب وتتقصى الحقائق في المساجد والأسواق. من هنا نستنتج أن القائد الذي لا يراعي انطباعات الناس وطريقة تفكيرهم ستكون قدرته على إحداث التغييرات المطلوبة في المنظمة ضعيفة، إن لم يفقد قيادته أصلاً.
يكون لكل إنسان تصوره الخاص عن القيادة وشخصية القائد، بل يتخيل حتى شكل القائد وتصرفاته وطريقة حياته. وتشير الدراسات إلى أن الناس يعتمدون على هذه التصورات في تحديد مدى نجاح المنظمة أو تكوين انطباعهم الأولي حول مدى فرصة نجاح شخص ما في قيادتهم. ولذلك نجد أن الكثيرين يحكمون على أداء قائدهم بناءً على تصرفاته وشكله وكلامه وحركاته بدلاً من الحكم عليه بناءً على قدرته على التخطيط وتحقيقه للأهداف التي يرسمها لأتباعه. وفي هذا التصرف خطأ كبير، فقد يحب الناس قائداً لم يحقق لهم شيئاً لمجرد أنه جميل المنظر حلو اللسان. وقد ينفر الناس من قائد فذ حقق الكثير الكثير من الإنجازات المثبتة لمجرد أنه لم يكن طويلاً أو حسن المظهر.
لماذا يتصرف الناس بهذه الطريقة؟ أحد الأسباب هو الاستعجال في الحكم. فالإنسان بطبعه غير صبور، ونتائج المخططات والأهداف المستقبلية التي يضعها القادة لا تتجسد على أرض الواقع إلا بعد مضي وقت طويل. وبالتالي يلجأ الناس إلى الانطباعات لتكوين حكم سريع على القائد وفعاليته. فإذا اتفقت حقيقة القائد مع الصورة التي في أذهانهم يعطونه الثقة ويتبعونه راضين. ورغم ما قد نظن من خطأ هذه النظرة إلا أنها طبيعة بشرية لا نستطيع تغييرها. لذا فالإسلام يراعي مثل هذه النظرة، ولذلك كان النبي عليه الصلاة والسلام والخلفاء الراشدون من بعده يختارون السفراء من بين الصحابة أصحاب الشكل الجميل والمظهر الحسن. ومن ذلك إرسال النبي صلى الله عليه وسلم دحية الكلبي إلى هرقل.
وفي النهاية نقول إن التاريخ أثبت أن أشخاصاً ليسوا بهذه المواصفات كانوا من القادة الأفذاذ كأبي بكر وعمر بي الخطاب ونابليون وغيرهم.







دور القائد في النجاح
تحدثنا في العدد الماضي عن نظرة الناس إلى القائد وكيف أن الكثيرين يحكمون على أداء القائد بناءً على تصرفاته وشكله بدلاً من الحكم عليه بناءً على قدرته على التخطيط وتحقيقه للأهداف التي يرسمها لأتباعه. وقلنا إن الناس قد تحب قائداً لم يحقق لهم شيئاً لمجرد أنه جميل المنظر حلو اللسان. وقد ينفر الناس من قائد فذ حقق الكثير من الإنجازات لمجرد أنه لم يكن طويلاً أو حسن المظهر.
ولكن ما هو الدور الحقيقي الذي يلعبه القائد في النجاح أو الفشل؟ وهل يتحمل القائد وحده مسؤولية قراراته أم أن للظروف المحيطة به دور قد يعجز هو عن التحكم به؟
لقد طبع الناس على محاولة ربط الأحداث حولهم بأسباب محددة. حيث أن ذلك يساعدهم في تفسير هذه الأحداث واستقراء المستقبل كذلك. وفي هذا تحميل مسؤولية للقائد أكثر مما يحتمل. فالقائد عنصر من عناصر النجاح أو الفشل بلا شك، وهو مسؤول عن اتخاذ القرار وتحمل مسؤولية وعواقب قراراته، لكنه يبقى مجرد عنصر من مجموعة عناصر. فرب قائد اتخذ قراراً سليماً ولكن الأتباع نفذوه بشكل خاطئ ففشل الأمر. ومن ذلك تخطيط الرسول عليه الصلاة والسلام لغزوة أحد وأمره للرماة بأن لا يتزحزحوا عن موقعهم مهما حصل. فهنا اتخذ الرسول القائد صلى الله عليه وسلم قراراً سليماً، ولكن مخالفة الأتباع (الرماة) للأوامر وعدم انضباطهم كان سبباً في هزيمة المسلمين.
ومن الطبيعة البشرية كذلك تبسيط الأمور المعقدة كمحاولة ربط النجاح والفشل بالقائد فقط بدلاً من النظر إلى مجموعة العوامل المحيطة به والتي تؤدي بمجموعها إلى النجاح أو الفشل. وبالتالي فإننا نعتبر القائد ناجحاً عندما تنجح المنظمة التي يقودها حتى لو كان النجاح سببه ظروف خارجية أو خطوات اتخذها من سبقه وجاء الآن وقت إثمارها، وكذلك الحال بالنسبة للومه على الفشل. ويغفل الناس عن دور وجهد العاملين مع هذا القائد وخبراتهم وربما تضحياتهم في سبيل تحقيق النجاح والوصول للهدف.
وقد تصيب هذه النظرة بعض القادة بالغرور، وهو أمر يساهم الأتباع في إيجاده عندما ينسبون كل نجاح له، وينسبون الفشل لغيره. والإسلام على عكس ذلك يأمر القائد والناس عامة بالتواضع، ويذكرنا دوماً بأهمية كل فرد في الجماعة. وفي قصة حصار مسلمة بن عبد الملك للحصن موعظة لنا جميعاً. إذ حاصر مسلمة حصناً فندب الناس إلى نقب ?أي فتحة في الجدار- منه. فما دخله أحد، فجاء رجل من وسط الجيش فدخل ففتحه الله عليهم. فنادى مسلمة: أين صاحب النقب؟ فما جاء أحد. فنادى: إني أمرت الإذن بإدخاله بأي ساعة يأتي، فعزمت عليه ألا جاء. فجاء رجل فقال: استأذن لي على الأمير. فقال له: أنت صاحب النقب؟ قال: أنا أخبركم عنه. فأتى مسلمة فأذن له، فقال له: إن صاحب النقب يأخذ عليكم ثلاثاً:
ألا تسودوا اسمه في صحيفة إلى الخليفة.
ولا تأمروا له بشيء.
ولا تسألوه ممن هو؟ قال مسلمة: فذلك له. قال: أنا هو.
فكان مسلمة لا يصلي بعدها صلاة إلا قال: اللهم اجعلني مع صاحب النقب.
وهكذا فإن نسبة النجاح إلى أصحابه لا يعيب القائد بل يرفع من مكانته لدى أتباعه والعاملين معه ويشجعهم على التفاني في تنفيذ خططه والإبداع في تحقيق الأهداف، وهذه هي الثقافة التي يجب أن يسعى كل قائد من أجل زرعها في منظمته وبين أعضائها.

هل يخرج الإسلام قادة أم أتباعاً؟
يكثر الحديث اليوم حول دور الإسلام في صقل الشخصيات. وفي عصر التردي والوهن يصبح مثل هذا الحديث من قبل المغرضين مدخلاً للنيل من هذا الدين العظيم. فهل يخرج الإسلام قادة أم أنه يخرج أتباعاً فقط؟
الذي يظهر لنا هو أن الإسلام منهج مبني على العقيدة والقيم، فهو يوجه الإنسان إلى حقيقة الحياة والعقيدة السليمة والسلوك القويم. أما القيادة فقد سبق أن ذكرنا أنها قدرة شخصية توجد لدى الإنسان بغض النظر عن دينه. وسنوضح فيما يلي ما نقصده بذلك.
يقول النبي عليه الصلاة والسلام: إنما الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة. رواه البخاري. والراحلة هي الناقة القوية سريعة السير، نادرة الوجود في الإبل. وكذلك العنصر القيادي في الناس، لا تجده إلا بحدود ضئيلة. وبالنظر العميق إلى السيرة البنوية الشريفة نجد أن عدد الصحابة رضوان الله عليهم الذين بقي لهم ذكر في التاريخ، هو حوالي ألفان وخمسمائة فقط، بينما زاد عدد الذين حضروا حجة الوداع عن مائة ألف شخص. كما نجد من بين الذين ارتدوا بعد وفاة الرسول من كان قائداً قبل إسلامه وأثناء ردته وبعد عودته للإسلام مثل عمرو بن معدي كرب وطليحة الأسدي وغيرهم.
وبالمقابل نجد أن بعض أتقى الصحابة كأبي ذر رضي الله عنه لا ينطبق عليه تعريف القيادة ولم يتول الإمارة أبداً. ورغم أن أبا ذر كانت لديه القدرة على الدعوة وهداية الناس إلا أن ذلك لم يمكنه من القيادة. ولعل هذا يوضح لنا الفرق بين القدرة الفعالة على الدعوة (الداعية الناجح) وبين القدرة على القيادة (القائد الناجح). إن هناك ولا شك من يحسن الدعوة ولا يحسن القيادة وهناك من يحسن القيادة ولا يحسن الدعوة. وكلاهما تحتاجه الأمة.

لقد أخرج النبي عليه الصلاة والسلام قادة وجنوداً، كل حسب ما حباه الله به من قدرات وإمكانيات يسخرها في سبيل الله. ويمكننا تقسيم المسلمين الموجودين في عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلى ثلاثة أصناف هي:
1. الذين توفرت لديهم القدرات القيادية قبل إسلامهم، واستمرت لديهم بعد الإسلام وساهم الإسلام بصقلها وتوجيهها وتهذيبها وتنميتها مثل عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وسعد بن أبي وقاص وعكرمة بن أبي جهل وغيرهم.
2. الذين لم تتوفر لديهم هذه القدرات القيادية. وهؤلاء وجههم الرسول عليه الصلاة والسلام إلى ما يحسنون عمله مثل الدعوة أو العلم أو المجالات الأخرى التي أبدعوا فيها مثل أبي ذر وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما.
3. الذين ولدوا ونشأوا في الإسلام. ومنهم من نشأ في المدينة المنورة وتعامل مع النبي صلى الله عليه وسلم بشكل مباشر فوجهه الرسول عليه الصلاة والسلام توجيهاً قيادياً فأصبحوا قادة في الكبر. ومنهم الحسن والحسين وعبد الله بن الزبير. في حين برز ابن العباس كعالم وداعية.

لقد صنع النبي صلى الله عليه وسلم قادة من أولئك الذين كانت لديهم القدرات القيادية أصلاً. أما الذي لم يحبوه الله بهذه القدرات فلم يتغير ولكن تم توجيه نشاطه إلى ما هو متميز في عمله وإنجازه. وكان اهتمام الرسول ببعض الأطفال وتوجيهه لهم عاملاً هاماً في تنمية المواهب القيادية لديهم بحيث أصبح معظمهم قادة بارزين يحظون باحترام الأتباع.

أهمية الأتباع ونوعيتهم
تحدثنا في الأسابيع الماضية عن القادة وشروط القيادة الناجحة وصفات القائد. وسنتحدث اليوم عن الوجه الآخر للعملة، عن الأتباع. وقد يقول قائل إن القائد هو الذي يشكل الأتباع ويجمعهم، وهذا صحيح. ولكن القائد يؤثر بعد ذلك في أتباعه سلباً أو إيجاباً حسب تعامله معهم ووفقاً لما يرسيه بينهم من قواعد للتعامل.
إن أهمية الأتباع ونوعيتهم وصفاتهم من الأمور التي يغفل عنها الكثير من الناس والقيادات، وذلك من أسباب ضعف القيادات لدينا في العصر الحالي. فما هي الصفات التي يسهم تواجدها في الأتباع من تعزيز قدرة القائد وتساهم في إنجاح مقاصده؟
لا يمكن لقائد أن يتميز من دون أن يكون لديه أتباع مميزين، وذلك لأن الأتباع هم المسؤولون عن تنفيذ ما يضعه القائد من خطط للوصول للهدف. فإذا كان الأتباع عاجزون عن تنفيذ الخطة التي أبدع القائد في وضعها تكون النتيجة فشلاً ذريعاً للقائد وللهدف. ولنا في قصة غزوة أحد عبرة. فالنبي عليه الصلاة والسلام وضع خطة محكمة انتصر المسلمون بفعلها في الجزء الأول من المعركة لأنهم اتبعوها وطبقوها. أما عندما خالف جزء من المسلمين هذه الخطة فكانت النتيجة هزيمة مرة وقاسية.
وتعتمد المؤسسات في أغلب الأحيان نظاماً مركزياً لا يهتم بالأتباع والموظفين ذوي الكفاءات العالية. ويلجأ بعض الأشخاص في المراكز العليا إلى توظيف من هم أقل منهم كفاءة وقدرة خشية أن يأخذ من هو أفضل منهم مكانهم، متناسين أن مهمة المدير أو المسؤول هي البحث عن أفضل الكفاءات والخبرات وضمها لفريق العمل كي تحقق المؤسسة أفضل النتائج. كما أن فريق العمل القوي يستطيع أن يرتقي بمديره إلى مراكز أعلى في المؤسسة بسبب إنجازات الفريق وإدارته.

الشروط التي ينبغي توفرها في الأتباع:
1. على الأتباع أن يتفكروا في منهج القائد وتوجيهاته وأوامره ويحللوها ليتأكدوا من توافقها مع القيم والمبادئ الصحيحة. فلا يكونوا إمعات يتبعون القائد دون تفكير ويطيعونه طاعة عمياء. ويدل على ذلك موقف عمر بن الخطاب وسؤاله للنبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية: ألست نبي الله حقاً؟ قال الرسول: بلى. قال عمر: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى. فقال عمر: علام نعطي الدنية في ديننا إذاً ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبين أعدائنا؟ فقال عليه الصلاة والسلام: إني رسول الله وهو ناصري ولست أعصيه. ثم علم أنه الحق. (زاد المعاد).
2. على الأتباع تصحيح مسار القائد إن انحرف عن الرؤية أو القيم أو المبادئ التي أتبعوه من أجلها. وبهذه الطريقة نتفادى ما نراه اليوم من خروج القادة بعد فترة من إطار المبادئ والأهداف التي على أساسها اتبعهم الناس. فإما أن يصحح القائد مساره أو يفقد أتباعه أو يختارون غيره ليكمل المسيرة. وذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول بعد أن بويع بالخلافة: إن أحسنت فأعينونني، وإن أخطأت فقوموني. فقام له رجل وقال: سنقومك بسيوفنا هذه يا عمر. فقال عمر: الحمد لله الذي جعل في أمة عمر من يقوم اعوجاجه بالسيف. فهنا نرى تصميم الأتباع على تصحيح المسار إن انحرف، ونرى تقبل القائد لذلك وسعادته بمثل هؤلاء الأتباع.
3. على الأتباع امتلاك روح المبادرة واتخاذ الإجراءات الصحيحة وعدم انتظار تلقي الأوامر فقط. ويتم ذلك انطلاقاً من فهمهم للمنهج والخطة والرؤية والقيم التي يسيرون عليها مع قائدهم.


مستويات القيادة الوسطى
بعد أن تحدثنا عن القادة والأتباع أصبح لزاماً أن نتحدث عن القيادة الوسطى التي غالباً ما تهمل أو يتم تجاهلها من قبل المفكرين والدارسين. إن القيادة مستويات ودرجات. ففي العمل السياسي الإسلامي الأول هناك الخليفة ثم الوالي ويليه العمال وهكذا. كما يوجد في الشركات مستويات مختلفة من الإدارة، بدءاً من رئيس مجلس الإدارة ومروراً بالمدير العام وانتهاءً بمديري الأقسام والدوائر.
ويعتبر هؤلاء جميعهم قادة وإن تفاوتت درجاتهم. فكل منهم قائد بالنسبة لمن تحته وتابع لمن هو أعلى منه. ودور كل من هؤلاء أن يقود من هم تحت سلطته نحو الهدف المشترك للمنظمة.
ويجب أن يختلف تعامل القادة مع أتباعهم من الدرجات القيادية الوسطى عن تعاملهم مع باقي الأتباع أو الجنود. لأن هؤلاء بطبيعتهم قادة لا جنود وهم بحاجة لمعاملة خاصة تشعرهم بمكانتهم وتحفزهم على قيادة أتباعهم وتعبئتهم باتجاه تحقيق الأهداف المنشودة.
ومن أبرز خصوصيات التعامل مع قادة المراتب الوسطى ما يلي:
أولاً: توجيههم عبر الإقناع والحوار وإعطائهم الفرصة الكافية للمناقشة وإبداء الرأي وحتى حق الاعتراض والتعديل على الخطط والأهداف. فإذا اقتنعوا بالأهداف والخطط وتبنوها أصبح من السهل ضمان حسن التنفيذ وإقناع كل منهم لمن تحته من الموظفين والعاملين.

ثانياً: إعطائهم مكانة معنوية خاصة لا تمنح لغيرهم كمناصب معينة أو المشاركة في دائرة خاصة باتخاذ القرار، كي يكون لهم مكانتهم وهيبتهم فيتبعهم من هم أدنى منهم مرتبة. وهذا من ناحية يؤدي إلى تحقيق مبدأ الشورى كونهم يمثلون أهل الحل والعقد في المنظمة، ومن ناحية أخرى يزيد من ولاءهم وإخلاصهم وحماسهم لتنفيذ قرارات وخطط قيادة المؤسسة والدفاع عن صحة هذه الخطط. وقد فعل عمر بن الخطاب هذا عند مقتله عندما حدد مجموعة الشورى في ستة أشخاص تحملوا مسؤولية وأمانة اختيار خليفة وقائد المسلمين.
ثالثاً: منحهم حرية كبيرة في التصرف وإعطائهم صلاحيات واسعة لأداء عملهم وتنفيذ ما وضع من خطط وبرامج تحقق الأهداف والتطلعات التي كانوا جزءاً من عملية وضعها وتقريرها. ويترافق هذا التفويض الواسع مع قيام القائد الأعلى بالتوجيه والإرشاد والمتابعة ضماناً لحسن الأداء وعدم الانحراف عن المسار الذي تم تحديده.
رابعاً: من المفيد أن يخصهم القائد ببعض القضايا والأسرار، أو أن يتعامل معهم بشكل شخصي يرفع الكلفة بينه وبينهم مع المحافظة على هيبة القائد ومكانته. ومن أمثلة ذلك تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم الشخصي والمباشر مع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
خامساً: التجاوز عن صغائر الأخطاء التي لا تقارن بمزاياهم وخدماتهم وعطائهم. ومن ذلك ما حدث من عمر بن الخطاب في قضية القبطي الذي ضربه ابن عمرو بن العاص حيث انتصر عمر للقبطي ولكن دون عزل عمرو بن العاص عن منصبه. أي أن التجاوز عن الأخطاء الصغيرة لا يكون سبباً للفساد ولا ينفي ضرورة العدل بين الناس داخل وخارج المنظمة أو بين الأتباع وغيرهم ولكن دون الإفراط في العقاب، إذ يقدر القائد لكل أمر قدره.


كيف نحفز الأتباع؟
من الضروري أن يتقن القائد عملية تحفيز أتباعه على تنفيذ الخطط وأداء المهام الموكلة إليهم. فعلى قدر نجاح القائد في تحفيز الآخرين يكسب احترامهم وثقتهم ومحبتهم وولاءهم وإنتاجهم.
لكن هذا لا ينفي وجود تفاوت في طبيعة الأفراد من حيث استجابتهم للعوامل التي تؤثر على حافزيتهم أو دافعيتهم للعمل. إذ يختلف الأمر من فرد لأخر ومن مؤسسة لأخرى. فبعض الموظفين يمكن حفزهم عن طريق الألقاب المهنية لأن فينا تحفيز دائم. وبعضهم عن طريق إلهاب الحماس بالرؤيا المستقبلية، فالقيادة في النهاية هي عملية تحريك الناس نحو الهدف. والقائد الفعال يحسن عملية التحريك باستعمال المفتاح المناسب للأتباع. ولذلك نجد النبي عليه الصلاة والسلام يوجه كل شخص من الصحابة رضي الله عنهم إلى ما يناسبه من مهارات وقدرات. وذلك من خلال معرفة المفتاح المناسب له، فيقول صلى الله عليه وسلم: أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأشدهم حياءً عثمان، وأقضاهم علي، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأقرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبي بن كعب، ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح. رواه الترمذي.
وقد استخدم النبي صلى الله عليه وسلم مع كل شخص ما يناسبه من عوامل التحفيز. حتى أنه عليه الصلاة والسلام استعمل الحوافز المادية مع بعضهم كما حصل في توزيع غنائم حنين.
 واستعمل الحوافز المعنوية كما حصل مع جعفر بن أبي طالب عندما قال: ما أدري بأيهما أنا أفرح بفتح خيبر أم بقدوم جعفر. أخرجه الحاكم. كما استخدم عليه الصلاة والسلام الفخر والشهرة مع أبي سفيان في فتح مكة، فقال: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن. البخاري.

وسنعرض فيما يلي لأهم النظريات التي حاولت أن تفسر دوافع الإنسان إلى العمل والإنتاج:
أولاً: نظرية الاحتياجات الإنسانية لماسلو:
تقول هذه النظرية أن الإنسان يتحرك لإشباع خمس حاجات رئيسية لديه هي: تحقيق الذات، التقدير، الاحتياجات الاجتماعية، الأمن والسلامة، والاحتياجات الفيزيولوجية. ويتم إشباع هذه الحاجات على مراحل بحيث يندفع الفرد لإشباع إحداها فإذا فرغ منها وأشبعها انصرف إلى الثانية وهكذا.
وقد وضع ماسلو هذه الاحتياجات في تسلسل هرمي. ويمكن لهرم ماسلو أن يكون أداة مفيدة للمشرفين والقادة في تحليل مصادر الدوافع ومشكلات التحفيز على أن يأخذوا بعين الاعتبار الفروق الفردية بين الناس. وأن يلاحظوا أن الحلول المقترحة لإشباع حاجات معينة قد تختلف بين فرد وأخر.
ثانياً نظرية التوازن لكوفي:
لخصت نظرية التوازن في أربع احتياجات هي الروح والعقل والجسد والعاطفة. ويؤكد كوفي على ضرورة إحداث التوازن في تلبية تلك الاحتياجات تحت شعار أن أعيش وأحب وأتعلم وأترك ورائي أثراً طيباً.
والمفتاح الأساسي لإشباع هذه الحاجات هو التوازن والتفاعل وإعطاء كل ذي حق حقه. كما يذكر كوفي أن لدى الإنسان قدرات أربع هي: إدراك الذات "قوة الشخصية"، الضمير الحي "قوة الإيمان"، الإدارة المستقلة "قوة الاستجابة"، الخيال المبدع "قوة العقل" وأن التوازن مطلوب لها أيضاً.

خماسية التحفيز
تكلمنا في المقال الماضي عن كيفية تحفيز الأتباع والمرؤوسين، وعرضنا لنظريتين من نظريات التحفيز هما نظرية الاحتياجات الإنسانية ونظرية التوازن. ونتابع اليوم حديثنا عن النظرية الثالثة والأهم، وهي خماسية التحفيز. والعوامل الخمسة هي:
أولا: الاستحواذ على القلوب. ويتم ذلك عبر:
1. بلورة رؤية مفجرة للطاقات وصورة مشرقة للمستقبل تكون باعثاً ومحركاً يدفع الإنسان للنهوض مبكراً وترك دفء الفراش والإسراع للعمل.
2. تحقيق الاستقرار العائلي. عندما يلمس الموظف اهتمام مؤسسته باستقراره العائلي من خلال الرعاية والاطمئنان اللازمين، فإن ذلك يشيع البهجة في القلب والرضى مما يجعل الإنسان قادراً على العطاء والإنتاج. ومن أمثلة ذلك سؤال عمر بن الخطاب لابنته حفصة: أي بنية كم تصبر المرأة عن زوجها؟ قالت: شهراً واثنين وثلاثة، وفي الرابع ينفذ الصبر. فجعل ذلك مدة البعث في الجهاد حتى لا يتغيب الرجل أكثر من ذلك عن زوجته.
ثانياً: التلاحم والاندماج بين الإدارة والعاملين. ويتم ذلك عبر:
1. الإصغاء الفعال للآراء والمقترحات المقدمة من الموظفين. كما أن المؤسسات الكبرى تنفق ملايين الدولارات على استطلاعات الرأي كي تصل إلى فهم أعمق لسلوك الزبائن.

2. التواصل المتبادل مع العاملين، بحيث يتيح التواصل المفتوح بين الإدارات تبادل الخبرات والمعلومات بشكل رسمي أو غير رسمي. وقد طبق الرسول عليه الصلاة والسلام هذا في مواقف عدة منها استجابته لمشورة سلمان الفارسي في حفر الخندق.
ثالثاً: إشعار العاملين بملكيتهم للمشروع وشراكتهم فيه. ولذلك أثر كبير على نفس العامل وأدائه. ويتم ذلك عبر:
1. إسقاط الحواجز المعنوية بالتقليل من المستويات الإدارية المتعددة في المنظمة. إن إقفال المسؤولين للأبواب وابتعادهم عن العاملين والأتباع يشعر الموظف بأنه يعمل لحساب الغير، وهو شعور محبط. وقد كان شرط عمر بن الخطاب في التولية "أريد رجلاً إذا كان أميرهم كأنه رجل منهم، وإذا لم يكن أميرهم كان أميرهم".
. الشفافية أو نشر الأسرار. إن إعطاء العامل أسرار المنظمة وإطلاعه على الوضع المادي للمنظمة يشعره بمدى ثقة الإدارة به ويزيد من إحساسه بالمسؤولية تجاهها. مع وجود حالات قد تتطلب الكتمان أو محدودية الإطلاع. فقد كتم الرسول صلى الله عليه وسلم نيته فتح مكة في حين أعلن نيته الهجوم على خيبر وقام بتوزيع الغنائم بشكل علني في حنين.
3. المشاركة في السراء والضراء. إذ لا ينفع أن تكون المشاركة في اتخاذ القرارات ورسم الخطط فقط، وإنما يجب أن يكون الموظف شريكاً في النتائج المادية التي يتم تحقيقها نتيجة لذلك. مما يشعره بالالتزام والشراكة في المنظمة.
وسوف نستكمل في الأسبوع القادم نقاط نظرية خماسية التحفيز بإذن الله.


خماسية التحفيز 2
تكلمنا في المقال الماضي عن ثلاثة عوامل في نظرية خماسية التحفيز. فقد استعرضنا المبدأ الأول وهو الاستحواذ على القلوب إذ أن أعلى مستويات التأثير تأتي من القلب المتحمس للعمل. وكان المبدأ الثاني هو التلاحم والاندماج بين الإدارة والعاملين، وقلنا أن الشعور بالعزلة والاغتراب في العمل يحطم المعنويات وقد يؤدي للإحباط. ثم عرضنا للمبدأ الثالث وهو إشعار العاملين بملكيتهم للمشروع وشراكتهم فيه. وما لذلك من أثر كبير على نفس العامل وأدائه. ونستكمل اليوم نقاط نظرية خماسية التحفيز.
رابعاً: تعزيز التعليم والتدريب، فنحن نحيا في عالم سريع التغيير تتضاعف فيه المعارف والمعلومات وعلينا أن نواكبه حتى لا نتخلف عنه. ويتم ذلك عبر:
1. توفير الأمن الوظيفي، لا الوظيفة الآمنة. فالمؤسسة التي لا تمنح الموظف وظيفة دائمة يشعر أفرادها بالضيق وعدم الاطمئنان، أما المؤسسة التي تعطي الفرصة للموظف لتطوير نفسه وتحسين أدائه فتعطيه الثقة بالنفس وبقدرته على الالتحاق بأي مؤسسة أخرى في حال تركه العمل معها. وانعكاس ذلك على جو العمل والانتاجية سيكون إيجابياً بدون شك.
2. تشجيع التعليم المستمر. وذلك عبر توفير برامج تدريبية منهجية متلاحقة وتوفير منح دراسية للراغبين، إذ أنه "لا يمكن تطوير المؤسسة دون تطوير العاملين فيها". وهذا ما حث عليه المصطفى عليه الصلاة والسلام بقوله: ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة.

خامساً: التمكين وتحرير الفعل. أي منح الموظفين الحرية الحقيقية في تصرفاتهم وأفعالهم والسماح لهم باتخاذ القرارات المناسبة في ضوء سياسات الشركة. وذلك عبر:
1. حرية المحاولة والخطأ. عندما تقدر الإدارة محاولات الموظف في التجريب والإبداع سعياً لتحقيق أهداف المؤسسة يتحول الالتزام إلى تفاني إخلاص شديد. كما أن الناس بشعر بإنسانيتها من جراء خطأهم وصوابهم.
2. تصميم برنامج خاص للتمكين والتحرير. وقد يشمل مثل هذا البرنامج الإعلان شهرياً عن إجراءين أو تصرفين لم يعد من المهم الحصول على توقيع أو موافقة الإدارة عليهما قبل القيام بهما. كما يمكن أن يتضمن البرنامج وضع تحديات أمام العاملين تلهب مشاعرهم وحماسهم بأفكار جديدة يمكن أن تحقق نتائج مذهلة.
ولا يفوتنا أن نلفت النظر إلى أن شخصية القائد وتصرفاته تشكل عامل تحفيز وإلهام لأتباعه إن أحسن استغلالها. ولعل مما يتميز به القائد المسلم عن غيره من القادة ما يلي:
? النية الصالحة الصافية التي تصفي العمل من شوائب الدنيا وأهوائها، فتجعل كل خطوة وكلمة لله سبحانه وتعالى، فهو بالله ولله ومع الله.
? الربط بين العمل الدنيوي والهدف الأخروي، مع الارتفاع والسمو لما عند الله. فهو يقصد وجه الله في كل أعماله.
? الالتزام بقيم الإسلام العظيمة وقواعد الحلال والحرام في المعاملات التجارية ومع من يرأسهم وأمام من هم أعلى منه. فهو يخشى الله في كل أعماله ويلتزم بشرعه ما أمكن.
? الاقتداء بالنموذج القيادي الأعلى محمد عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام ومن سار على نهجهم من التابعين.
















نظريات القيادة
سأتحدث في هذه المقالة والمقالات التالية عن بعض النظريات القيادية المميزة وعن أهم مزاياها وعناصرها. ونبدأ اليوم بنظرية القيادة التحويلية.
إن للقائد في هذه النظرية أربعة مهام رئيسية نلخصها كما يلي:
أولاً: تحديد الرؤية أو صورة المستقبل المنشود. فالقائد يوضح للأتباع الهدف النهائي الذي يسعون لتحقيقه، ويضعه لهم في صورة جميلة للمستقبل المنشود مما يبث فيهم روح التفاؤل ويجعلهم يصمدون أمام المصاعب. وليس بالضرورة أن يشكل القائد هذه الرؤية لوحده بل قد يشاركه الأتباع في ذلك. وقد تتشكل الرؤية لهم من المنهج الذي يحملونه أو ورثوه ممن سبقهم.
وتشير الدراسات إلى أن تشكيل الرؤية هي أهم عناصر القيادة التحويلية. ونجد أن الرسول عليه الصلاة والسلام استخدم أسلوب القيادة التحويلية، إذ كان صلى الله عليه وسلم دائم التذكير بالآخرة وهي الرؤية النهائية للمسلمين. وها هو الرسول القائد عليه الصلاة والسلام يحث المسلمين على الجهاد بقوله: قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض. أخرجه مسلم.
ثانياً: إيصال الرؤية للأتباع. ما قيمة الرؤية مهما كانت رائعة ومرغوبة إذا لم تصل للأتباع بشكل مفهوم وواضح كي يؤمنوا بها؟ إن القائد الفعال هو القادر على إيصال الرؤية للأتباع بطريقة عاطفية مقنعة وواضحة تجعلهم يؤمنون بها ويتحمسون لها ويندفعون للعمل على تحقيقها والتضحية من أجلها.

لذا نجد القادة يستعملون من أمكنهم من فصيح القول (وفي عصرنا هذا وسائل الإعلام والدعاية) من أجل إيضاح الصورة المستقبلية والرؤية المنشودة. وهذا عبد الله بن رواحة في معركة مؤتة يذكر المسلمين بالهدف من قتال العدو فيقول: يا قوم: والله إن الذي تكرهون للذي خرجتم له تطلبون الشهادة. وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، إنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين، إما ظهور أو شهادة. الطبرائي.
ثالثاً: تطبيق الرؤية. فالقائد الذي يسعى للحصول على احترام الأتباع وتفاعلهم معه لا يكتفي بشرح الرؤية بل يعيشها ويطبقها. إذ لم يعد مقبولاً أن يعيش القائد في برج عاجي ويحدث أتباعه عن المستقبل والآمال والأحلام. إن المفروض من القائد أن يعيش بين الأتباع ويتأكد من تطابق كل الأعمال مع هذه الرؤية والقيم والمبادئ.
رابعاً: رفع التزام الأتباع تجاه الرؤية. بعد أن يحدد القائد الرؤية ويوصلها لأتباعه ويطبقها على نفسه تصبح مهمته زيادة التزام أتباعه بها. ويتم ذلك عبر التشجيع والتذكير واشراك الأتباع في تشكيل الرؤية واتخاذ القرار، وعبر كونه القدوة الصالحة التي يكون لها دور كبير في تحفيز الأتباع على الالتزام بالأهداف والرؤى المنظمية.
وتكون القيادة التحويلية أكثر فعالية عند:
? تأسيس المنظمات.
? فترات الانتقال والتغيير والتحول.
? المصائب والكوارث والأزمات.



القيادة الموقفية
تحدثت في المقالة السابقة عن نظرية القيادة التحويلية وذكرت أن للقائد في هذه النظرية أربعة مهام رئيسية لخصتها كما يلي:
تحديد الرؤية أو صورة المستقبل المنشود وإيصال الرؤية للأتباع وتطبيق الرؤية ورفع التزام الأتباع تجاه الرؤية. وقلنا أن القيادة التحويلية تكون أكثر فعالية عند تأسيس المنظمات وفي فترات الانتقال والتغيير والتحول وعند المصائب والكوارث والأزمات.
ونتحدث اليوم في سياق عرض النظريات القيادية عن القيادة الموقفية. وهي نظرية تؤكد أن القائد الذي يصلح لقيادة مرحلة ما حسب ظرف ما، قد لا يصلح لظرف أو مرحلة أخرى. كما تشدد على أن القائد يجب أن يقود الناس حسب إمكانياتهم وشخصياتهم.
فالصديق على سبيل المثال كان أقدر على القيادة من عمر بن الخطاب في موقف الردة حيث قال له عمر: الزم بيتك ومسجدك فإنه لا طاقة لك بقتال العرب. فقال له أبو بكر عبارته المشهورة: إيه يا عمر، أجبار في الجاهلية خوار في الإسلام. والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه.
كما أن القائد الفعال وفقاً لهذه النظرية يستطيع أن يشكل نفسه حسب ما لدى من أمامه من طاقات وقدرات يوجهها نحو الهدف. وهناك دوران رئيسيان للقائد هما توجيه الأتباع وإعطائهم التعليمات، وتشجيع الأتباع وتحفيزهم لأداء الأعمال بأنفسهم ورفع ثقتهم بأنفسهم وإعطاءهم الصلاحيات ومشاركتهم في اتخاذ القرار.
وهناك أربعة أنماط من الأتباع تتحدد حسب درجة الكفاءة والحماس، وباختلاف هذه الأنماط يكيف القائد درجة التوجيه والتشجيع كما يلي:

1. إذا كان التابع متحمساً لكنه قليل الكفاءة فينبغي للقائد زيادة جرعة التوجيه وتخفيف التشجيع.
2. وإذا كان التابع قليل الحماس وقليل الكفاءة فعلى القائد زيادة جرعتي التوجيه والتشجيع.
3. أما إذا كان صاحب كفاءة ولكنه قليل الحماس فهو بحاجة للتشجيع أكثر من التوجيه.
4. فإذا كان صاحب كفاءة ومتحمس وملتزم بشكل كبير فهو بحاجة للتفويض أي القليل من التشجيع والتوجيه مع إعطاءه حرية التصرف.
ونحن نعتبر هذه النظرية من أفضل النظريات، وقد ثبت نجاحها بشكل كبير في أرض الواقع. وفي سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام الكثير مما يثبت صحة النظرية وتطبيقاتها الواقعية.
ومن أكبر الأخطاء التي يمكن للقائد أن يرتكبها أن يحاول قيادة الناس جميعاً بنفس الأسلوب، وأن لا يدرس الأفراد ويقيمهم ليحدد ما يناسبهم من الأنماط. كما أن الخطأ الآخر هو سوء التقييم فيتعامل الوالدان والمدرس مع الشاب في عمر البلوغ مثلاً بصيغة التشجيع مع نسيان التوجيه أو أن يتعامل المدير مع الموظف ذو الكفاءة والخبرة بأسلوب التوجيه بدل التفويض مما يتسبب في تسريب الطاقات وفقدان الكفاءات وهجرة العقول.





نظرية السلوك القيادي
تحدثت في المقالة السابقة عن نظرية القيادة الموقفية وهي نظرية تؤكد أن القائد الذي يصلح لقيادة مرحلة ما حسب ظرف ما، قد لا يصلح لظرف أو مرحلة أخرى. كما تشدد على أن القائد يجب أن يقود الناس حسب إمكانياتهم وشخصياتهم. نتيجة للأبحاث التي قامت بها جامعتا أوهايو متشغن تم التوصل إلى مجموعتين من السلوك القيادي من بين أكثر من 1800 سلوك قيادي.
السلوك الأول: الاهتمام بالناس.
وشملت المجموعة إظهار الثقة المتبادلة والاحترام للأتباع، وإبداء اهتمام حقيقي باحتياجاتهم والرغبة في الاعتناء بشؤونهم. والاستماع لاقتراحات الموظفين وتقديم المساعدة الشخصية لهم ومساندة اهتماماتهم وطموحاتهم، والاهتمام بوضعهم الأسري ومعاملتهم كنظراء لهم.
السلوك الثاني: الاهتمام بالعمل.
وفيه يركز القادة على الإنجاز وإتقان العمل. ويحدد القادة العمليين مهام محددة للموظفين ويوضحوا الواجبات والإجراءات الوظيفية ويتأكدوا من اتباعهم لقوانين الشركة ويدفعونهم للوصول إلى أعلى مستويات الأداء والتنفيذ، ويكونوا حازمين في تطبيق الأوامر.
بعد تحديد هاتان المجموعتان من سلوكيات القادة وجد الباحثون ارتباطاً وثيقاً بين السلوك الأول (القيادة الإنسانية) ووجود درجة عالية من الرضا الوظيفي أكبر ونسب غياب وتذمر واستقالة أقل وارتفاع في الالتزام بالمجموعة. فيما كان السلوك الثاني (القيادة العملية) مرتبطاً بأداء وظيفي أعلى منه عند موظفي القادة الإنسانيين. ومن ناحية أخرى ربط الباحثون السلوك الثاني برضا وظيفي أقل ونسب غياب واستقالة أكبر بين الموظفين. وإن كان هذا الأسلوب يزيد من الإنتاجية ووحدة الفريق وانسجامه.
الأسلوب المفضل
ظن باحثو القيادة السلوكية في البداية أن القيادة الإنسانية والعملية متناقضتان مع بعضهما البعض. وبعبارة أخرى ظنوا أن القائد العملي القوي هو بالضرورة قائد إنساني ضعيف. لكن الباحثين توصلوا فيما بعد إلى أن هذين السلوكين مستقلان عن بعضهما البعض. فبعض الناس أقوياء أو ضعفاء في الأسلوبين، وآخرين أقوياء في أحدهما وضعفاء في الآخر والأغلبية يكونون ما بين ذلك.
ومع تعديل الافتراض ليصبح أن بإمكان القادة أن يكونوا إنسانيين وعمليين في آن واحد افترض علماء القيادة السلوكية أن أكثر القادة فاعلية يمتلكون مستويات عالية من أسلوبي القيادة. وأصبح هذا يعرف بفرضية "هاي-هاي" القيادية. واعتقدوا بأن القادة الفاعلين يجب أن يمتلكوا أسلوب قيادة إنساني قوي وأسلوب قيادة عملي قوي.

وسنكمل مناقشة نظرية السلوك القيادي في الحلقة القادمة بإذن الله.






نظرية السلوك القيادي 2
نتابع في هذه المقالة كلامنا عن نظرية القيادة السلوكية ونناقش النظرية المفضلة في السلوك القيادي. تعتبر نظرية DISC النظرية المفضلة في السلوك القيادي وهي كالتالي:
القائد المسيطر: وهو مؤثر على المدى القصير ومن صفاته السرعة والاهتمام بالعمل قبل أي شيء. أما سلوكه فيتصف بما يلي:
إصدار الأوامر بطريقة مباشرة.
حب البروز.
التمثيل على الناس.
الاهتمام بالعمل أكثر من البشر.
ليس له مكتب.
السرعة وغزارة الإنتاج.
القائد المؤثر: ويكون مؤثراً على المدى البعيد ويتصف بالسرعة والاهتمام بالناس ويكون في الغالب محبوباً بين أتباعه. ويتصف سلوكه بالتالي:
يكره الروتين.
? ليس له مكتب.
? يتمتع بعلاقات واسعة.

له قدرة كبيرة على تحريك وتحفيز الناس.
يصدر الأوامر بطرق غير مباشرة.
 القائد المستقر: يتصف بالدقة والحرص، وهو يأخذ الأمور بالتدرج ويحرص على الإنجاز. ومن صفاته:
لا يحب التغيير أو التطوير.
يتعامل مع العمل ببطء (يأخذ وقته).
دقيق جداً.
غير اجتماعي ولا يتمتع بعلاقات اجتماعية واسعة.
القائد المحافظ: ويتصف سلوكه بالدقة والحرص وأخذ الأمور بشكل متدرج، لكنه يختلف عن القائد المستقر بحرصه على العلاقات وليس على الإنجاز. أما سلوكه فيتميز بما يلي:
لديه شخصية مميزة.
ينظر للأمور بموضوعية شديدة.
دقيق في عمله.
يتمتع بعلاقات جيدة.
لا يميل إلى التغيير، ويحرص على التدرج الشديد.


وتقول نظرية
DISC أن القائد الفعال يحسب الأمور ضمن ثلاث عوامل هي الوقت والجودة والتكلفة. وهو يسعى لتشكيل فريقاً منوعاً من خلال هذه النظرية كالتالي:
? القيادات العليا تستخدم (المسيطر والمؤثر).
? القيادات السفلى تستخدم (المستقر والمحافظ).
وسنكمل مناقشة نظرية السلوك القيادي في الحلقة القادمة بإذن الله.












سباعية القيادة
تبلورت في الأونة الأخيرة نظرية جديدة في عالم الإدارة تلخص القيادة في مجموعة قليلة من الصفات المشتركة بين كل القادة المؤثرين والفاعلين، بغض النظر عن الموقف أو الظرف. وطبقاً لهذه النظرية فما علينا سوى البحث عن هذه الصفات إذا أردنا أن نختار شخصاً ما للقيادة، أو أن ندرب الشخص على هذه الصفات كي يصبح قائداً. وهذه الصفات هي: التحفيز: الرغبة الداخلية لدى القائد لاستعمال نفوذه ومكانته لتحريك الناس للوصول الأهداف. الدافع الذاتي: المحرك الداخلي الذي يدفع القائد نحو الهدف. المصداقية: وهي الصدق وتطابق القول مع الفعل مما يولد الثقة لدى الأتباع. الثقة بالنفس: إيمان القائد بمهاراته وقدراته للوصول للأهداف، والتصرف بطريقة تجعل الأتباع يقتنعون بذلك. الذكاء: أي القدرة المتميزة للتعامل مع حجم كبير من المعلومات وتحليلها للوصول إلى حلول بديلة واستغلال الفرص غير الواضحة. علماً بأنه ليس مطلوباً من القائد أن يكون عبقرياً، ولكن من المتوقع أن يكون أعلى من المتوسط في ذكائه. المعرفة بالموضوع: أي أن يكون لدى القائد تمكن من الموضوع الذي يديره، ومن المناخ والبيئة التي يعمل بها بحيث يدرك ما هي القرارات المناسبة أو غير المناسبة في ظرف ما. الرقابة الذاتية: يكون لدى القائد الفعال رقابة ذاتية تمكنه من استشعار أي تغيرات حوله مهما كانت دقيقة، وتعديل تصرفاته لتناسب الظروف والأوضاع التي يعمل فيها. ورغم انتشار هذه النظرية في الوقت الحالي إلا أن لنا عليها بعض الملاحظات التي لا تنفي أهميتها. ومن ذلك أن وجود هذه الصفات في شخص ما أمر مفيد وستعطي الإنسان فرصة أكبر للنجاح في القيادة لكن اشتراطها هي فقط وضرورة توافرها جميعها كشرط لازم للقيادة أمر غير مقبول. فقد تتواجد في شخص ما ولا يصبح قائداً، وقد لا تتوافر بعضها في الشخص ولكنه يصبح قائداً. ونضرب مثلاً على ذلك أبو ذر الغفاري الذي كانت لديه:
 1. الرغبة الذاتية: فقد طلب من النبي عليه الصلاة والسلام أن يوليه قاصداً بذلك خدمة المسلمين. 2. التحفيز: ولا شك أنه كان محركاً ومحفزاً للناس وناصحاً لهم. 3. المصداقية: وقد تمتع بها. ويكفيه حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر. ابن ماجه. 4. ثقته بنفسه: ولو لم تكن كبيرة لما طلب الإمارة، ولما واجه الخلفاء والولاة بالحق وحث الناس على معارضتهم. 5. الذكاء: ويتبين ذلك في كثير من مواقفه المروية مع النبي صلى الله عليه وسلم. 6. معرفته بالموضوع: معرفته بأحوال المسلمين وتمكنه من الإسلام جعلته في مصاف العلماء. 7. الرقابة الذاتية: كان حساساً لأي انحراف لدى المسلمين، وواجه الخلفاء بذلك فأجبروه في النهاية على أن يعيش منفياً ويموت وحيداً. ورغم توافر كل الصفات المطلوبة للقيادة وفقاً للنظرية فقد رأى الرسول عليه الصلاة والسلام أنه لا يصلح للقيادة وقال له: يا أبا ذر إنك رجل ضعيف. أخرجه مسلم. والضعف المقصود ليس الضعف الجسدي، ولكنه الضعف في القدرة على تحمل مسؤولية الأمة وحسن التدبير لها، حيث كان اهتمامه بالآخرة أكبر من اهتمامه بوضع المسلمين في الدنيا. ونتابع مناقشة الأمر في العدد القادم إن شاء الله. الدكتور طارق محمد السويدان 







الرؤية وأهميتها
نعرف جميعاً ويعرف المتابع لهذه السلسلة من المقالات أن القائد الفعال هو القائد الذي تحركه أهداف بعيدة المدى، ويكون لديه طموحات عالية مقارنة بمن معه وحوله. هذه الأهداف بعيدة المدى تمثل الرؤية التي يسعى للوصول إليها، ويكون لها دور كبير في تحفيزه داخلياً للاستمرار في سيره نحو تحقيق أهدافه ورؤيته المنشودة لمستقبل أفضل.
وكمثال على أهمية الرؤية نورد قصة عالم النفس النمساوي فيكتور فرانكل. كان فرانكل معتقلاً في أحد معسكرات النازية أثناء الحرب العالمية الثانية، وقد اكتشف أثناء فترة الاعتقال أن بداخله طاقة ترفعه فوق ظروف القهر والسجن. وكان، إضافة إلى كونه معتقلاً، يقوم بمراقبة ما يدور داخل هذا المعسكر. وأخذ هذا العالم يسأل نفسه السؤال الهام: ما الذي جعل بعض الناس يصمدون أثناء هذه التجربة المريرة وينجون بينما مات الأغلبية؟ وبحثاً عن الإجابة بدأ فرانكل يدرس المعتقلين المتواجدين معه في ضوء عدة عوامل شخصية منها الصحة والحيوية وهيكل الأسرة والذكاء وأساليب البقاء. وقد خلص العالم النمساوي إلى أن كل هذه العوامل لم تكن هي السبب الرئيسي، بل كان السبب الرئيسي الذي اكتشفه داخل الناجين من هذه المأساة هو وجود الإحساس بالرؤية المستقبلية.
إذ سيطر على كل من نجح في البقاء يقيناً بأن له مهمة في الحياة يجب استكمالها، وأن لهم مهام حيوية ما زالوا في حاجة إلى الانتهاء منها.
وقد ذكر أسرى الجيش الأمريكي في فيتنام نفس الشيء، لقد كان الرؤية المستقبلية القوية التي يملكها هؤلاء الأسرى هي القوة الدافعة التي منحتهم القدرة والرغبة في الصمود والبقاء.
كما أن البحوث أثبتت أن الأطفال الذين لديهم رؤية واضحة لمستقبلهم يكونون أكثر نجاحاً من الناحية الدراسية. كما أنهم أقدر من سواهم على مواجهة تحديات الرؤية.
وينطبق هذا على المنظمات والشركات أيضاً. فالمنظمات التي لديها شعور وإيمان برسالتها وأهدافها تتفوق على غيرها ممن لا يملك مثل هذه الرؤية. وفي هذا المجال يقول عالم الاجتماع الألماني فريد بولاك إن العامل الأول في تحقيق النجاح في كل الحضارات كانت تلك الرؤية الجماعية للشعوب، وللمستقبل الذي ينتظرها.
طلب مرة من توم بيتر مؤلف كتاب "بحثاً عن الامتياز" أن يعطي نصيحة جوهرية واحدة تفي بجميع الأغراض التي تساعد المنظمات في تحقيق الامتياز أجاب: عليك بتحديد منظومة القيم. قرر ما تمثله الشركة التي تعمل بها. ضع نفسك عشرين عاماً في المستقبل، ما الأشياء التي ستنظر إليها خلفك وأنت راضٍ تماماً.
إن القائد يترك التفاصيل لأصحابه الذين يثق بهم ويكتفي بتوجيههم نحو الأهداف العامة والرؤية المستقبلية التي يسعى لتحقيقها لهم.








الرؤية المرشدة
يحاول أصحاب الشركات والمنظمات عندما يضعون أو يفكرون في وضع رؤية مرشدة أن يركزوا على منظمتهم أو شركتهم التي يقودونها. وهم يعملون الفكر في أهداف المنظمة ومنتجاتها ويبحثون في وضع السوق والمنافسين سعياً وراء إيجاد رؤية مرشدة للمنظمة. وكل ذلك أمور طيبة يجب القيام بها عند وضع الرؤية المرشدة، ولكن الخطوة الأهم والتي يجب أن تسبق كل هذا هي وضع رؤية مرشدة لحياتك أنت.
فقبل أن تفكر في وضع رؤية مرشدة لمنظمتك عليك أن تملك رؤية مرشدة واضحة لحياتك، وفهم أفضل لقيمك واحتياجاتك وتوقعاتك وآمالك وأحلامك. والوصول إلى رؤية مرشدة تتمثل كل هذه الاحتياجات والتوقعات والأحلام يحتاج إلى أن يكون المرء صادقاً مع نفسه، أميناً جداً في فهمه لنفسه ولما يريد أن يكون. إذ أن المعرفة الحقيقية للنفس هي مفتاح تحديد الهدف والاتجاه في الحياة، وهي المنظار الذي يتم من خلاله تحديد رؤية الإنسان ومساره. كما أن من لا يعرف نفسه لا يستطيع أن يدعي أنه يعرف الآخرين. فكيف تحدد رؤية مرشدة لغيرك ?بشراً ومنظمات- وأنت عاجز عن تحديدها لنفسك؟ إننا يجب أن نكون حذرين فلا نقع في الفخ الذي أوقع الشاعر المشهور الطرماح بين حكيم الطائي نفسه فيه عندما قعد للناس وقال: اسألوني عن الغريب، وقد أحكمته كله ?أي غريب اللغة- وكان في ذلك صادقاً. فقال له رجل: ما معنى الطرماح؟ فلم يعرفه. فقد عرف الطرماح كل غريب، لكنه نسي القريب وانصرف عنه، بل وأقرب شيء إليه وهو اسمه.

وإليك بعض الخطوات المقترحة للوصول إلى رؤية مرشدة لنفسك ومنظمتك:
أولاً: البيئة الهادئة. ابحث عن بيئة هادئة ومنعزلة وابتعد عن أي نشاط يومي لتتمكن من التأمل الجاد. ويمكنك أن تذهب مثلاً إلى مكان عبادة أو إلى شاطئ البحر أو للمنتزه، حيث تكون محاطاً بصوت العصافير والأمواج والنباتات وغيرها من الأصوات الهادئة المريحة.
ثانياً: التأمل في المراحل الأولى لحياتك. تأمل في طفولتك المبكرة، وانظر كيف تشكلت حياتك. ابحث عن السلوكيات المتكررة والدوافع والقيم التي لديك والناتجة عن الطريقة التي تربيت بها.
ثالثاً: التأمل في سير أنشطتك. فكر في طريقة سير حياتك وأهم نشاطاتك ووظائفك بترتيب زمني، وأدرج المهارات والمواهب التي اكتسبتها خلال انتقالك في الحياة. صنف هذه المهارات حسب نوعها وتأمل:
ما هي المهارات والمواهب التي استمتعت باستعمالها؟
في أي المجالات تفوقت؟ وما الذي كان سهلاً عليك؟
رابعاً: سماع الضمير الداخلي. فكر في لحظات حياتك التي قمت فيها باتخاذ قرارات لم تبدو منطقية أو ملائمة في ذلك الوقت، مع أنك شعرت بصحتها. ماذا تخبرك هذه الفترات من الحدس والحس الداخلي والإدراك عن اهتماماتك الحقيقية؟
خامساً: الأثر المتروك. إسأل نفسك ما الذي سأفعله حتى لو لم أكن أحصل على مقابل؟ ما الذي أحلم بعمله؟ وما هي رغباتي؟ ما الذي سأفعله إن بقي لي ستة أشهر فقط على قيد الحياة؟ أو لو كنت سأعيش بصحة جيدة مدة مائة عام.
ستساعدك هذه الخطوات المقترحة إن شاء الله على تحديد رؤية مرشدة لنفسك تكون منطلقاً لك في تحديد رؤية مرشدة لعملك ومنظمتك.
توازن الطاقات الأربع
للإنسان طاقات واحتياجات متعددة، وسواء اعترفنا بها أم تجاهلناها فإن بداخلنا ما يؤكد أن هذه الاحتياجات موجودة. وأنها قد رافقت الإنسان منذ خلقه. فكأنها منقوشة بداخلنا ومكتوبة في فلسفة الحياة عبر الأزمان كأماكن مهمة لإشباع حاجات ورغبات الإنسان وتجديد طاقته. وللإنسان أربع طاقات هي العقل، والروح، والعاطفة، والجسد. وتشحن هذه الطاقات عبر تحقيق التوازن في كل جانب.
وهذه بعض النقاط التي تساعد على شحن وتجديد الطاقات المختلفة نوردها بشكل مختصر، على أن نشرح بعضها بإسهاب أكثر في المقال القادم.
أولاً: العقل: أثري عقلك عن طريق الخطوات التالية:
اقرأ أهدافك صباحاً ومساءً.
ثم عقلك بالقراءة والاطلاع.
واصل التعليم واستكمل دراستك.
تعلم مهارات إبداعية جديدة.
ثانياً: الجسد: هو البدن الذي نحيا من خلاله، والمحافظة عليه تنبع من:
اتباع نظام غذائي سليم.

القيام بالتمارين الرياضية والمحافظة عليها.
الاهتمام بساعات محددة للنوم والراحة (لبدنك عليك حق).
المحافظة على الرياضة النفسية مثل الإيمان وتقبل الهزيمة.
ثالثاً: العاطفة: وهي المشاعر الصادقة التي تشعرك بأهمية الآخرين. ويمكن تنميتها بالآتي:
المحافظة المستمرة على بنك العواطف والمداومة على شحنه.
تقوية العلاقة بكل فرد من أفراد أسرتك.
التسامح والبذل في العطاء.
رابعاً: الروح: وهي الشريان الحيوي الذي يمد الجسم بالمبادئ والقيم والأخلاق اللازمة لاستمرار الحياة. وهي مصدر الإيمان ومنبعه، ويمكن المحافظة على الروح وتغذيتها من خلال:
الاستغراق في العبادات الممدة للقوة.
المحافظة على أوقات خاصة لجلسات التأمل والتفكر.
المحافظة على الأوراد والأذكار.
المحاسبة المستمرة للنفس.
هذه باختصار شديد الطاقات الأربع وطرق المحافظة عليها وتجديدها. وعلينا أن نقوم بذلك بالقسط فلا نركز على جانب وننسى جانب أخر لأن الاعتدال والتوازن هم مفتاح النجاح في شحن الطاقات والهمم التي نحن أحوج ما نكون إليها اليوم. وسنسلط الضوء في المقال القادم ?إن شاء الله- على أمور مهمة في قضية التوازن هذه.
تحقيق التوازن - الجزء الثاني
تحدثنا في العدد الماضي عن الطاقات الأربع وطرق المحافظة عليها وتجديدها. وذكرت أن علينا أن نقوم بذلك بالقسط فلا نركز على جانب وننسى جانباً أخر لأن الاعتدال والتوازن هما مفتاح النجاح في شحن الطاقات والهمم التي نحن أحوج ما نكون إليها اليوم.
وسوف نركز حديثنا اليوم على أمور هامة تجدد للإنسان حياته وتحافظ على استمرار طاقته وتوازنه وهي:
1. الاهتمام بالعقل: تصدأ العقول إذا لم تجد من يرعاها وينميها. لذا وجب علينا الاهتمام بعقولنا والعمل على تنشيطها وتفعيلها بشكل مستمر. وقد وجدت الدراسات أن ما يتم استخدامه من إمكانات العقل البشري لا يزيد عن 1% من إمكانياته الحقيقية.
يبدأ تشكيل عقل الإنسان منذ سن مبكرة وذلك ضمن قوالب من المشاعر والسلوكيات الأبوية التي تحافظ على العصبية والتقاليد بأسلوب قسري ملزم. وحين يكبر الطفل ويذهب للمدرسة يتابع المعلم معه نفس الأسلوب كابتاً حريته في الحركة والكلام والتفكير والاختيار. وتتم من خلال العملية التدريسية تدريبه على التلقي دون تفكير أو مساءلة. وهكذا يصبح المعلم هو الآمر الناهي، فيعد النظام التعليمي في وطننا شباباً يرى كل مسؤول عنه في المستقبل معصوماً من الخطأ لا ينطق عن الهوى، فلا يشارك في النقاش وإنما يكتفي بالتلقي والتنفيذ.
2. القراءة الدائمة: كانت أول ما أنزل من القرآن الكريم هو قوله تعالى "اقرأ باسم ربك الذي خلق". وعلى مر العصور تلاشت دول وبادت حضارات وزال ملوك، لكن ما بقي للإنسانية هو ما خلد في الكتب، "إن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما ورثوا العلم. فمن أخذه أخذ بحظ وفير". أبو داوود والترمذي وابن ماجه.

تمثل القراءة حلقة وصل بين زمننا وزمن من قبلنا. ينقلون لنا عبرها أحوال زمنهم وعلومهم وحضارتهم كي نطلع عليها ونستفيد منها ونطورها. كما أن الكتابة وسيلتنا لإيصال ما لدينا لمن بعدنا من الأجيال. ويفضل أن يخصص الشخص 70% من قراءته للمجال المحبب الذي يريد أن يصبح قائداً بارعاً إماماً فيه. في حين يخصص الباقي للقراءة العامة التي تفتح مداركه على مجالات أخرى.
3. ترتيب الأولويات: يؤدي الجهل بالأولويات إلى وقوع القائد في الأخطاء والمصاعب. ويعرض جهده إلى الهدر والضياع. وهنا على المرء أن يتوقف ليفكر بعمق وجدية في أهدافه وأولوياته في الحياة. إن منهج ترتيب الأولويات يساهم في إعطاء المزيد من السيطرة على الحياة. وهذه السيطرة تمنحنا التوازن والإنجاز اللذين نبحث عنهما. ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ليس العاقل الذي يعلم الخير من الشر، وإنما العاقل الذي يعلم خير الخيرين، وشر الشرين.
ويتحدث ابن القيم عن ترتيب الأولويات عند الإمام ابن تيمية فيقول: سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر، فأنكر عليهم من كان معي. فقلت له: إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكره وعن الصلاة، وهؤلاء تصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية وأخذ الأموال منهم. فدعهم.

إن التوازن عمل متناسق هادئ ومطمئن، وقد دفعت البشرية ثمناً باهظاً نتيجة فقدانه. وستدفع ثمناً أغلى في مستقبل أيامها إن لم تحققه.



التعامل مع البشر
يرتبط جزء مهم من عمل الإداري أو القائد بالتعامل مع الناس من حوله، التعامل مع الأنداد ومع الرؤساء ومع الأتباع وغيرهم. لكن الكثيرين لا يولون هذا الأمر الاهتمام الذي يستحقه. إن القيادة هي فن إدارة الناس وتوجيههم نحو الهدف. وإدارة الناس مرتبطة بالتعامل معهم بأسلوب يقنعهم بالتعاون معك والسير خلفك نحو هدف واحد. ويقول بيلفر شتاين في هذا المجال "يظن كثير من رجال الإدارة أن العلاقات الإنسانية فصل في كتاب تنظيم العمل، وهم مخطئون في هذا، فالعلاقات الإنسانية هي كل الكتاب".
يتطلب التعامل مع الناس مهارات مختلفة ومتعددة لا يستطيع المرء بدونها أن يطور نفسه أو يجمع الناس من حوله. وقد وجدت الأبحاث العلمية الحديثة أن نجاح الإنسان في القيادة مرهون بقدرته على إتقان مهارات التعامل، وأن 85% من النجاح في القيادة يعزى إلى مهارات التعامل، وإن لم يكن من الضروري استعمالها جميعاً، فهي تستخدم حسب الموقف والشخص المقابل.
ومهارات التعامل مع الناس أربعة هي الفهم والاتصال، والتأثير، والتحفيز، وبناء العلاقات. وسوف نستعرض هذه المهارات في سلسلة من الحلقات. ونبدأ اليوم بالمهارة الأولى، مهارة الفهم والاتصال.
لتحقيق الفهم والاتصال علينا أولاً أن نستمع لما يقوله الناس. ونقصد هنا الاستماع والإصغاء الحقيقي الذي يصاحبه التفكير والتدبير فيما يقوله المتحدث. فعدم الاستماع قد يكلف الإنسان كثيراً بل وقد يودي بحياته. فأحد أسباب تحطم المكوك الفضائي تشالنجر كان عدم القدرة على الاستماع. وقد ورد في الأثر نصيحة عبد الله لأبيه طاهر بن الحسين "أكثر من الإذن للناس عليك، وأبرز لهم وجهك، وسكن لهم حواسك".

وعليك ثانياً أن تحس بمشاعر الناس وما يعتمل في قلوبهم. إن القائد في حاجة دائمة إلى تحديد المسافة النفسية الفاصلة بينه وبين الناس، وذلك بتحديد المشكلات التي يعاني منها الشخص والمحاولة الجادة لإيجاد الحل المناسب. ونجد خير مثال على ذلك في الموقف التالي: كان صحابي يحضر حلقة الرسول عليه الصلاة والسلام مع ابن له، وكان الرجل يحبه حباً شديداً، فمات الولد. وامتنع الرجل أن يحضر الحلقة حزناً على ابنه. ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فسأل عنه وعزاه ثم قال له: يا فلان أيما كان أحب إليك؟ أن تمتع به عمرك، أو لا تأتي غداً إلى باب من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك إليه يفتحه لك؟ قال: يا نبي الله بل يسبقني إلى باب الجنة فيفتحها لي لهو أحب إلي. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: فذاك لك. رواه النسائي.
كما أن على القائد ثالثاً أن يفهم النفسية الإنسانية. فالقائد الفعال هو الذي يملك القدرة على توقع ما يدور في النفوس، ومن ثم التعامل مع كل شخص حسب ما يناسبه. فهذا النبي عليه الصلاة والسلام يسمع بكاء الطفل فيقصر في الصلاة احتراماً لمشاعر الأم وباقي المصلين.








التأثير في البشر
تحدثنا في العدد الماضي عن التعامل مع الناس وبينا أهميته القصوى في عملية الإدارة والقيادة. وقلنا أيضاً أن إجادة التعامل هذه تحتاج إلى مهارات مختلفة، وشرحنا أولى هذه المهارات وهي مهارة الفهم والاتصال. وسنتحدث اليوم بإذن الله عن المهارة الثانية وهي مهارة التأثير التي تتحقق عبر التالي:
التحريك العاطفي: إذا سلمنا بأن القيادة هي فن إدارة الناس وتوجيههم نحو الهدف. يصبح من المهم التأثير في الناس لتحريكهم نحو الهدف المراد تحقيقه. وتعتبر العاطفة هي صمام أمان العلاقات مع الآخرين، ويستلزم تحريكها معرفة القائد بالطبيعة الإنسانية وفهم الحاجات والاحتياجات. ومن المهم تحريك العاطفة وقت الأزمات بالذات.
الاهتمام بالإنسان: الاهتمام بالكائن البشري من أكثر الأمور تأثيراً في القلوب، ونحن نريد مجتمعاً يحمل كل معاني الإنسانية فيه، مجتمعاً يحترم الإنسان ويحترم إنسانيته. وهذا النبي عليه الصلاة والسلام يهتم حتى بالطفل في أحشاء أمه عندما جاءت الغامدية إليه تطلب إقامة الحد عليها، فأعرض عنها صلى الله عليه وسلم حتى قالت له: والله إني لحبلى من الزنا. فقال لها: أما الآن لا، فاذهبي حتى تلدي. فجاءت بالطفل عندما ولدت فقال لها صلى الله عليه وسلم: اذهبي حتى تفطميه. فجاءت به وفي يده كسرة خبز. أخرجه مسلم. وهذا عمر بن عبد العزيز يبين للناس أهمية وضرورة الاهتمام بالفقراء والعمال وعامة الناس عندما طلب منه أن يدفع بعض المال لكسوة الكعبة الشريفة فقال: إني أرى أن أجعل هذا المال في أكباد جائعة فإنها أولى من الكعبة. إلى هذا الحد كرم الإسلام الإنسان.

الإقناع: هو أن تحث الآخرين على فهم وجهة نظرك وتقبلها. ومن ثمة تأييدك فيما تحاول نقله إليهم من معلومات. وقد تنقل إليهم حقائق أو وقائع، وقد تبين لهم نتائج وتأكيدات حقيقية عن طريق إعطائهم أدلة مادية وحجج وبراهين دون أن تتعامل معهم بفوقية واستعلاء.
الوفاء: كلمة الوفاء التي نسيتها الكثير من المؤسسات اليوم سواء منها المهنية أو الخيرية، فإنك تجد العاملين في مؤسسة ما وقد أفنوا زهرة شبابهم في رفع شأن مؤسستهم ونجاحها، تجد المؤسسة تمارس عليهم الضغوط المتوالية لتقديم استقالتهم في نهاية المطاف، وإذا كرمتهم المؤسسة بعد الاستقالة فلا تتجاوز شهادة تكريم رخيصة!! وقد أكرم النبي عليه الصلاة والسلام عجوزاً وقال: إنها كانت تغشانا في أيام خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان. رواه الحاكم. ونحن على قناعة تامة بأن المشاكل الإدارية التي نعاني منها اليوم بحاجة إلى بعض الوفاء والمعاني الإنسانية. ومعاني الوفاء لا تحتاج إلى تمثيل، فهي خلق أصيل يدل على نفس عالية وسمو في الأخلاق تظهر وقت الشدائد. وقال الشافعي: الحر من راعى وداد لحظة، أو انتمى لمن أفاده لفظه.
سحر الألفة: كثيراً ما تمر على الإنسان أزمات نفسية، فيحتاج لمن يفضي له آلامه وأناته، فيشعر من ذلك بالارتياح الممزوج بسحر الألفة. وهذا الخليفة المأمون ينشده نديمه مخارق قول أبي العتاهية:
وإني لمحتاج إلى ظل صاحب يروق ويصفو إن كدرت عليه
فقال مخارق: فقال لي أعد، فأعدت سبع مرات. فقال لي: يا مخارق خذ مني الخلافة وأعطني هذا الصاحب.



تحفيز الإنسان
تحدثنا في العدد الماضي عن مهارة التأثير في البشر وبينا أهميتها القصوى في عملية الإدارة والقيادة. وقد ذكرت أن التأثير يتحقق بعوامل أهمها التحريك العاطفي والاهتمام بالإنسان وسحر الألفة والوفاء والإقناع. وسنتحدث اليوم بإذن الله عن المهارة الثالثة وهي مهارة التحفيز التي تتحقق عبر التالي:
بث الطاقة الإيجابية والتفاؤل في لحظات الضعف.
فالقائد مطالب بأن يدفع الناس نحو الأمل والتفاؤل حتى في أشد اللحظات صعوبة، كأوقات الهزيمة والألم وفي المحن والشدائد. ولا يمكن أن يتم ذلك دون وضوح الرؤية لدى القائد والأتباع. فهذا موسى عليه السلام يرى البحر أمامه والعدو خلفه، لكنه انطلاقاً من رؤيته الواضحة بنصرة الله للمؤمنين والرسل بث روح الأمل في قومه بقوله: (كلا إن معي ربي سيهدين)، سورة الشعراء. والنبي عليه الصلاة والسلام في غزوة الخندق يرى المسلمين محاصرين وجائعين وضعفاء واليهود من خلفهم يتآمرون عليهم، لكنه لا ينسى إيقاد روح الأمل والتفاؤل والأمل ورفع المعنويات لدى أصحابه برؤية مستقبلية عن انتصار الإسلام والمسلمين.
إشعار الأتباع بالأمن
شعور الإنسان بأنه يعمل مع قائد يحبه ويعلمه ويرشده يجعل الأفراد يطمئنون إلى هذا القائد. وهذا رجل يأتي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ترتعد فرائصه من مهابته عليه الصلاة والسلام، فرد عليه مطمئناً: "هون عليك فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد". أخرجه ابن ماجه. مثل هذه الكلمات تشعر الناس بالإنجذاب والاطمئنان. ولقد كان جنود نابليون يثقون بأنه لا يقودهم إلا إلى الانتصارات فيقولون: إن بإمكانه أن يأخذنا معه إلى نهاية العالم.
إعطاء الأتباع الصلاحيات
يحب الموظفين ويقدرون إعطاءهم حرية أداء أعمالهم بالطريقة التي يرونها مناسبة. فعندما تحدد لموظفيك ما تريد منهم تحقيقه وتوفر لهم التدريب اللازم ثم تمنحهم الحرية والصلاحيات للقيام بهذا العمل فإنك تزيد من قدرتهم على أداء أعمالهم على النحو المطلوب. كما أنهم بهذه الطريقة سيبدعون في أعمالهم وينفذونها بطاقة وحماس وبروح مبادرة عالية. وهذا ما حدث مع معاذ بن جبل عندما أرسله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن.
التشجيع
تشجيع الموظفين والأتباع على العمل والإنتاج وتحقيق الأهداف يتحقق بطرق عدة، مادية ومعنوية. ومن ذلك المدح والترقية والمكافآت والتكريم وإشهار إنجاز الموظف بين الآخرين، وغير ذلك الكثير مما لا يتسع المجال هنا لذكره.







بناء العلاقات
تناولنا في العدد الماضي مهارة التحفيز. وسنتحدث اليوم بإذن الله عن المهارة الرابعة وهي مهارة بناء العلاقات الإنسانية التي تتحقق عبر التالي:
الابتسامة الساحرة
الابتسامة لا تكلف شيء ويبقى مداها طول العمر. الابتسامة التي تدل على قلب مفعم بالحب والود تجاه الآخر، وتشكل مركز جذب للقلوب. عن جرير بن عبد الله قال: ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي. أخرجه البخاري. كما أن تبسمك في وجه أخيك صدقة.
الاعتراف بالخطأ ومعرفة القصور
صورة مميزة في بناء العلاقات، تدل على نبل القائد وتواضعه، واعتقاده بأن العمل مهما بلغ من نجاح وامتياز وفعالية وتفوق فإنه ليس كاملاً أو مثالياًً. كما أن ذلك يبعدنا عن العناد والتمسك بالرأي ?حقاً وباطلاً- وعدم الاستماع للنصح وآراء الآخرين. وهذا عمر بن الخطاب، الرجل الذي وصفه النبي عليه الصلاة والسلام بوعاء للعلم، وهو على المنبر يتكلم في مسألة صدقات النساء تعترضه امرأة وتصحح له معلومة. فقال رضي الله عنه دون خجل: اللهم اغفر لي، كل الناس أفقه منك يا عمر. أخطأ أمير المؤمنين وأصابت امرأة. ولم يقلل اعترافه بالخطأ أمام الملء من مكانته ومن نظرة أتباعه إليه، بل زاد الاعتراف بالخطأ من مكانته ومن ثقة الناس به.


السيطرة على النفس والسلوك
لا شك أن الهدوء والسيطرة على النفس لهما فوائد كثيرة على من يلتزم بهما. كما أنهما من صفات القائد الناجح. يحقق الهدوء والسيطرة على السلوك جواً من الطمأنينة ودفع الخوف خاصة عند الأزمات والأخطار. وقد كان الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام يغضب فيبدو ذلك على وجهه، لكنه لا يظهر غضبه على فعله. وكلنا يعلم فضل كظم الغيظ والحلم عن الغضب. كما أن السيطرة على الانفعالات والحفاظ على الهدوء يمكن الإنسان من التفكير بشكل سليم واتخاذ القرار المناسب بعيداً عن ردود الفعل والعواطف الثائرة.
بنك العواطف
الحساب المصرفي في بنك العواطف يضمن لك علاقة طويلة المدى. فكر في علاقاتك بهذا الأسلوب، فكل كلمة قاسية هي سحب من الرصيد. وكل خطأ ترتكبه تجاه شخص لك معه علاقة هو سحب من الرصيد. كما أن الكلمة الطيبة هي إضافة للرصيد، وكلما زاد رصيدك كلما أمكنك الاعتماد على الشخص أكثر. إن هناك معانٍ ترفع من الرصيد ومعانٍ تسحب منه، فانتبه لما يصدر منك من أفعال وأقوال واحرص على ألا تؤذي مشاعر من حولك.





التحكم كصفة قيادية
من صفات القائد الفعال القدرة على التحكم. أي القدرة على التحكم بالنفس وفي الأتباع. لكن لهذا التحكم قواعد وأصول، أما إذا أتى التحكم بصورة مفاجئة وعنيفة فإنه يفقد الكثير من فعاليته.
 ويجب أن يكون القائد قوي الشخصية كي يحافظ على التفكير الواضح والمنطقي رغم المتاعب والضغوط، ويبحث عن الحقيقة ويتمسك بها بكل إصرار مهما كلفه الأمر، ويثبت في المآزق بكل صبر حتى لو تراجع الجميع من حوله وانسحبوا. وقد تظن عزيزي القارئ أن هذه الصفة سلبية وتميل إلى الديكتاتورية، وهذا ليس صحيحاً إذا التزم القائد بالقواعد الأربعة للتحكم. وهذه القواعد هي الحضور والمعرفة، الإدارة، التوجيه، النفوذ.
وسنبدأ اليوم بالقاعدة الأولى للتحكم، الحضور والمعرفة.
1. الحضور المستمر، ومتابعة التفاصيل، وشمولية المعلومات. تواجد القائد المستمر والمتابعة والتدقيق من قبله ومعرفته بالتفاصيل يشعر الآخرين بقدرة القائد على التحكم العادل. وكذلك القراءة السريعة للأحداث والتفاعل معها بشكل إيجابي. ولذلك كان عمر بن الخطاب يقول: أرأيتم إذا استعملت عليكم خير من أعلم، ثم أمرته بالعدل، أكنت قضيت ما علي؟ قالوا نعم. قال: لا، حتى أنظر في عمله أعمل بما أمرته أم لا. وفي هذا متابعة للتفاصيل وتدقيق في عمل القائد التابع. ومن مظاهر الحضور والمعرفة اختبار الأتباع. وهذا ما فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما أرسل إلى أبي عبيدة أربعة آلاف وأربعمائة درهم وقال لرسوله: أنظر ما يصنع. فقسمها أبو عبيدة بين الناس. فلما أخبر عمر بما صنع قال: الحمد لله الذي جعل في الإسلام من يصنع هذا.

2. المعرفة بالموضوع والفهم العميق. أوجز المفكران الغربيان بيكون وهوبز قبل أكثر من قرنين المقال في قدرة القائد على التحكم فقالا: إن المعرفة تعني القوة. وهذا أبو بكر الصديق يقول لعمر بن الخطاب عندما تضايق من تصرفات عمرو بن العاص في معركة ذات السلاسل: إنه لم يستعمله رسول الله عليه الصلاة والسلام عليك إلا لمعرفته بالحرب.
وحتى في الرسائل التي كان عمر بن الخطاب يبعثها إلى الجيوش أثبت رضي الله عنه معرفته وقوته وفهمه العميق لمجريات الأمور. فقبل معركة القادسية أوصى عتبة بن غزوان في سيره إلى العراق بقوله: يا عتبة، إن إخوانك من المسلمين قد غلبوا على الحيرة وما يليها. وعبرت خيولهم الفرات حتى وطئت بابل، مدينة هاروت وماروت ومنازل الجبارين. وإن خيلهم اليوم لتغير حتى تشارف المدائن، وقد بعثتك في هذا الجيش فاقصد أهل الأهواز فاشغل أهل تلك الناحية أن يمدوا أصحابهم بناحية السواد على إخوانكم الذين هناك، وقاتلهم مما يلي الأبلة. ولو لم يكن ابن الخطاب على معرفة ودراية وفهم عميق بتفاصيل الحرب والمنطقة لما استطاع أن يوجه قواته بالشكل الصحيح.







من قواعد التحكم: الإدارة
قلنا في المقال السابق إن من صفات القائد الفعال القدرة على التحكم. وذكرنا أن للتحكم قواعد وأصول. وناقشنا القاعدة الأولى للتحكم وهي الحضور والمعرفة. وسنبين اليوم القاعدة الثانية وهي الإدارة.
1. قدرة القائد على الثواب والعقاب العادل
إن قدرة القائد على الإدارة العادلة المبنية على مصلحة فريق العمل لا على الأسس والمعايير الشخصية، والإدارة العادلة تلعب دوراً أساسياً في قبول الأتباع لتحكم القائد عبر الثقة بعدالة قراراته وصوابها. هذه القدرة المميزة تضفي أجواء التحكم العادل وتدعو الآخرين إلى مراعاة المصلحة العامة. وها هو الرسول صلى الله عليه وسلم يبلغه أن سعد بن عبادة، قائد كتيبة الأنصار في فتح مكة قال: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة. فعاقبه عليه الصلاة والسلام بعزله، وعين مكانه ابنه قيس حتى لا تستفز مشاعر ابن عبادة والأنصار والمسلمين على أبواب مكة فاتحين.
2. التذكير بالهدف
قد ينسى الإنسان في أجواء العمل الضاغطة وفي زحام العمل اليومي ومشاكله الهدف الأساسي للعمل أو للمنظمة، وتمحى من مخيلته الصورة المستقبلية التي يسعى الفريق للوصول إليها وتحقيقها. ويترتب على ذلك ذبول الطاقات والإرادات ويسود الشعور باليأس. ودور القائد هنا هو دوام التذكير بالهدف النهائي وتوجيه الأعمال والطاقات باتجاهه، كما فعل الرسول عليه الصلاة والسلام مع عمر بن الخطاب عندما دمعت عيناه حزناً على أوضاع المصطفى عليه الصلاة والسلام في بيته، مع تنعم الفرس والروم بخير ما في الدنيا من نعم، فذكره صلى الله عليه وسلم بأن هذه الدنيا فانية زائلة قائلاً: "أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا". البخاري ومسلم.
3. الشجاعة
الشجاعة من الصفات المطلوبة في القائد، وللشجاعة صور متعددة. فقد تكون الشجاعة في الثبات على الرأي أو في تحمل الظروف الصعبة وغير ذلك. ومن صور شجاعة النبي عليه الصلاة والسلام:
التنازل عن رأي القائد والنزول إلى رأي الأتباع القادة. فعندما خرج عليه الصلاة والسلام من بيته وهو مغطى بالحديد فخاف الصحابة أن يكونوا قد أثقلوا عليه فقالوا: إن شئت تبقى في المدينة. فقال صلى الله عليه وسلم بلغة الشجاع: "ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل".
عدم الفرار من المعركة. بل كان الرسول عليه الصلاة والسلام المرجع الرئيسي للشجاعة كما قال علي بن أبي طالب: كنا إذا حمي الوطيس، احتمينا برسول الله صلى الله عليه وسلم.








من قواعد التحكم: الإدارة 2
نكمل اليوم حديثنا الذي بدأناه الأسبوع الماضي حول الإدارة كقاعدة من قواعد تحكم القائد في الأوضاع والأتباع. وقد تحدثنا في الأسبوع الماضي عن قدرة القائد على الثواب والعقاب العادل وعن تذكيره الأتباع بالهدف وعن الشجاعة التي يجب توفرها فيه وعن أنواعها. ونتابع اليوم مع النقطة الرابعة وهي:
4. القدرة على إصدار القرارات في الوقت المناسب.
يستند القائد الماهر في قراراته إلى أمرين هما: قابلية عقلية، والمعلومات المتوافرة. والحصول على المعلومات أمر غاية في الأهمية في عملية اتخاذ القرار الصحيح، ولا بد أن يكون لدى القائد القدرة على استخلاص المعلومات وتحليلها. فقبل معركة بدر قبض الصحابة على غلام راع لقريش وسألوه عن عدد الجيش، فإذا هو لا يدري، فضربوه حتى أقبل الرسول عليه الصلاة والسلام وسأل الغلام: كم ينحر القوم من الإبل؟ فقال الغلام بين التسعة والعشرة. فقال صلى الله عليه وسلم: القوم بين التسعمائة والألف. الإمام أحمد.
لقد استطاع عليه الصلاة والسلام استخلاص المعلومة المرادة بطريقة غير مباشرة واستطاع عن طريق تحليل الإجابة معرفة ما يريد وهو تقدير عدد القوة المعادية. وهذا يقودنا إلى القابلية العقلية للقائد. إذ لو لم يكن لدى القائد قدرة تحليلية مميزة لما استطاع أن يصل إلى القرار السليم. إن الحكمة مطلوبة في القائد وهي بدورها تولد الثقة لدى الأتباع وتزيد من قدرته على التحكم بهم وتوجيههم نحو الأهداف المتفق عليها.

5. الجرأة الثبات عند تزعزع الآخرين.
ومن ذلك ثبات النبي عليه الصلاة والسلام ثلاثة عشر عاماً في مكة رغم ضعف المسلمين وتجبر الكفار. ومثل أخر هو ثباته عليه الصلاة والسلام يوم أحد عندما كادت الهزيمة أن تودي بحياته، وبقاؤه صلى الله عليه وسلم مع نفر قليل في الميدان يوم حنين. مثل هذه المواقف تشعر الأتباع بجرأة قائدهم وثباته عند الملمات والشدائد. هذه الجرأة الثبات تبعث في الأتباع روح الإصرار والاستمرارية.
6. التخطيط والإبداع.
يمتلك القائد المتحكم استراتيجية منظمة يضعها عبر تخطيط دقيق وماهر. ولا أدل على قدرة النبي عليه الصلاة والسلام في التخطيط من قصة هجرته إلى المدينة وتنظيمه للأمر لتلافي لحاق قريش به وبصاحبه.
أما الإبداع فهو الإتيان بالجديد وعدم الركون إلى الأساليب والأدوات القديمة. وقد كان عليه الصلاة والسلام مبدعاً ومجدداً في كل النواحي. ونذكر على سبيل المثال ابتكاره لأسلوب جديد في القتال هو القتال بنظام الصفوف. وكذلك استخدام الخندق للدفاع عن المدينة في وجه الأحزاب ولم يكن معروفاً لدى العرب من قبل.






الإدارة والتوحيد
قد يستغرب القارئ الكريم من عنوان هذه الصفحة، وتأخذه الأفكار يمنة ويسرة عن أبعاد هذه العلاقة الغريبة بين الإدارة التوحيد، ولكن لن يطول - إن شاء الله التأمل - حتى يحصل على إجابة شافية بقراءته لهذه السطور القليلة القادمة. إن الإدارة هو علم وفن يبحث في كيفية التعامل مع الآخرين للحصول على استجابات جيدة منهم، والهدف منها تسخير جميع الطاقات البشرية والمادية لتحقيق هدف ما لمنظمة أو شركة أو جهة ما، وفي سبيل ذلك تبذل جميع الإمكانيات المتاحة لتحقيق هذا الهدف المنشود. ولما كانت الإدارة علماً يبحث في سلوكيات المرء وكيفية تطويعها للحصول على أعلى مردود منه، فإنه لم يرقَ أي نظام أو فكر عالمي بهذا المجال إلى فكر الإسلام، ذلك الفكر الذي استطاع أن يحصل من المرء على أعلى مستويات الطاقة والإنتاج، وذلك بإقناعه بفكرة واحدة لا نظير لها.. هي فكرة التوحيد. إن الإنسان المسلم الموحّد يستمد حافزه على البذل والعطاء من الله عز وجل، كونه هو المنعم والرازق، وهذا الاعتقاد يدفع المسلم إلى الانصراف عن التعلق بأسباب الدنيا من إدارته أو مصدر رزقه أو أجره الشهري، والتعلق بخالق الأسباب الذي يعطي بغير حدود. إنه لو قدّر لأي منظمة أن تعثر على الحوافز الكفيلة التي تجعل موظفيها يزيدون من إنتاجيتهم وعطائهم، لكانت ستبذل في سبيلها أموالاً وإمكانات كثيرة، غير أن ذلك كله سيتحصل لهذه المنظمة إذا عثرت على أشخاص يمتلكون الدوافع والحوافز الذاتية النابعة من قناعاتهم الشخصية، والتوحيد والعبودية لله تعمل على هذا الجانب من شخصية الإنسان. إن التوحيد عبارة عن سلسلة طويلة من الحوافز والدوافع التي تشكل في مجموعها منظومة رائعة الاتساق والتوازن في مجتمعات فاضلة، فإقرار التوحيد يربط كل أعمال الإنسان الجيدة بجزاء أخروي كبير لا يقارن مع الجزاء الدنيوي، كما أنه يربط كل عمل مشين بعقوبة أخروية لا تقارن بعقوبة الدنيا، وكمثال بسيط على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "رحم الله عبداً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا قضى، سمحاً إذا اقتضى" رواه البخاري. وهكذا تجري تعاليم الإسلام جميعها بناء على هذا المقصد السامي. والتوحيد يضبط سلوكيات المرء والموظف والعامل، ويجعله يتعامل مع الأمور بأمانة وإخلاص وإتقان، لشعور داخلي دائم بمراقبة إلهية لتصرفاته وأعماله. إن أعلى درجات النجاح الإداري ? كما يعرفه العلماء ? هو وجود الحافز الذاتي، وليس ثمة أعلى من حافز من التوحيد الذي يمتزج بصميم كيان المرء ويخالط مشاعره ويملأ قلبه في كل لحظة، وهكذا تنجح الإدارة نجاحاً لا مثيل له إذا اقترنت بالتوحيد.. وللحديث بقية. د. طارق محمد السويدان 












الإدارة والتوحيد 2
إن الدافع وراء نجاح كل عمل هو الرغبة الشخصية، والوازع النفسي، والاقتناع التام، وهذا المفهوم قد أقره علماء النفس والفكر والاجتماع، واتفق عليه جميع المفكرين والعقلاء والمثقفين، والعمل والاقتناع بالعمل نظيران مترادفان لا ينفك أحدهما عن الآخر، أما إتقان العمل فهو طموح يسعى لتحقيقه جميع أصحاب الأعمال في موظ
فيهم. أما النجاح في العمل فينعكس في قوله تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) التوبة (105)، ويقول عليه الصلاة والسلام: "لئن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره، خير من أن يسأل أحداً، فيعطيه أو يمنعه). متفق عليه. إن ربط العمل وجعله مسؤولية نحاسب عليها أمام الله تعالى لهو الأساس في إيجاد الوازع النفسي، والرغبة الشخصية، ذلك أن الإنسان إذا ما تلقى أجراً على عمله ازدادت همته له، ورغبته فيه، فإذا أعطي مكافأة فوق الأجر المخصص، زاد نشاطه، وعلت همته، وإذا ما ضوعف له الأجر الراتب، بلغ في العطاء غايته، واستنفد في سبيله طاقته، والله تعالى أعطى مقابل العمل أجوراً مضاعفة، ووعد العاملين مكافآت لا حصر لها ولا عدد، فبذلك يتميز الإنسان العامل المسلم (الغيور) عن باقي العاملين، فهو ينظر بعين واحدة غضيضة للدنيا وحوافزها، وينظر بأخرى بصيرة ناضرة إلى الآخرة وعروضها، فتراه يقبل على العمل بدافع وحافز شديدين. وليس من الحكمة غض البصر عن بشرية الإنسان، والشعور المستمر بحب الدنيا والمال، ولكن الإنسان مفطور أيضاً على التوحيد، وشخصيته البشرية معجونة بالعبادة، وشعور المراقبة الإلهية متلازم مع الفطرة السليمة، ومن ذلك حبه الخير، وكراهيته الشر، ولذلك كانت الرقابة الشخصية لدى المسلم أعلى من غيره، وتجدها في أعلى مستوياتها لدى المسلم الملتزم بدينه وتعاليم شرعته. فالمدير الناجح، هو ذلك الذي يعرف كيف ينمي هذا الوازع، ويبث في نفوس موظفيه العادات الرقابية النفسية، فهي خير له من سنّ القوانين، وفرض العقوبات، ولوائح الجزاءات، وإن كانت الأخيرة لا غنى عنها، لردع ضعف النفس، وانسلال الشيطان، غير أن الحاجة لها ستتقلص إلى حيّز العدم، وهذا دليل النجاح بلا شك. أما إتقان العمل، والتفاني في أدائه، فهو مرتبة أعلى، ومنزلة فضلى، يقوم بها من ارتفعت في نفسه بواعث الرقابة، وصارت له سجية وعادة، والناس يصفون الإنسان المتقن لعمله بأنه أمين، ومخلص، ومتفان، ولكننا نصفه بأنه قد استجاب لفطرته، ولبى نداء خالقه، وأعمل عقله وقلبه. والإتقان لا يكون إلا بوازع نفسي أعظم، وهو من نوع خاص يرقى به صاحبه إلى درجة الحب الإلهي، وتتضاعف الرقابة في قلبه إلى مستواها الأرفع، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه" رواه البيهقي في شعب الإيمان. فالمحبة مطلوبة، وهي أكثر طلباً للخواص من عباد الله تعالى، ومن اختصهم بفضله وعنايته.. ويطول الحديث عن معنى الارتباط المتلازم بين الإدارة والتوحيد.. ولكن تبقى للحديث تتمات. د. طارق محمد السويدان 








الإدارة والتوحيد 3
ما زال حديثنا مستمراً عن العلاقة الوطيدة بين العقيدة المتوطنة في خبايا النفس، وفن الإدارة والعلوم والمهارات المتعلقة بها، وقد يجد البعض صعوبة في الربط بين المفهومين، وتخفى هذه العلاقة على الكثيرين، غير أننا بيّنا في الحلقات السابقة مدى التناسق والتناغم العجيبين بينهما، ومدى الارتباط الوثيق الذي يجمعهما، ونتابع اليوم تبيان هذه الحقيقة، وزيادة تأكيدها.. ولنأخذ جانباً آخر من الموضوع، فما هي الإدارة؟ أستطيع أن ألخص الإدارة بأنها (عملية تحسين الأداء مع تقليل الجهد والوقت والتكلفة) ، وهذه مسألة دنيوية في نظر الناس لا علاقة لها بالدين، وقد أوضحنا في حديث سابق أن المؤمن بمراقبته لله عز وجل سيحسن أداءه، ليس خوفاً من رقابة مسؤوليه، بل حرصاً منه على مرضاة ربه. وهنا أضيف معنىً جديداً فأقول: إن تحسين الأداء - وإن كان ذلك مهمة الإنسان - إلا أن المؤمن يقينه بأن لله تعالى الأمر من قبل ومن بعد، وعليه فقد يشاء الإنسان أن يحسن الأداء بأدواته البشرية من تخطيط وجهد وعمل جماعي ورقابة وغيرها من أدوات الإدارة، ولكن الله جل شأنه يدبر الأمر، وقد يشاء أمراً لا يراه الإنسان، بل قد يرى الإنسان فيه الشر (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ). البقرة (216). إذاً من أسس الإدارة في الإسلام أن المؤمن وهو يعمل على تحسين أدائه عليه أن يتذكر دوماً أن النجاح (والنصر) إنما هو من عند الله تعالى، وبالتالي عليه أن يعمل ويبذل الجهد ويخطط بأفضل الأساليب، ولكنه لا يتوكل على هذه الأسباب بل توكله على الله تعالى وحده، فهو بالله ولله ومع الله. وبهذا يبذل المؤمن جهده، ولكنه وفي الوقت نفسه يُسلم الأمر كله لله تعالى، ويعيش راضياً بالنجاح، غير معترض على الفشل، دائم الدعاء بالتوفيق من العليم القدير، ينسب الفضل لله عز وجل، وينسب التقصير لنفسه، وهكذا يختلف المؤمن عن غيره من الإداريين الذين يتوكلون على أنفسهم وجهدهم وتخطيطهم، ولا يذكرون فضلاً لله عليهم، فأي فرق عظيم بين الإدارة البشرية وإدارة الموحدين. وبعد ذلك ? عزيزي القارئ ? إذاً ما أراك إلا مقتنعاً بأن التوكل على الله تعالى، أساس وطيد في عالم الإدارة، وركن ركين من أركانها وقواعدها وقوانينها، والإسلام الذي تصطبغ أنت بصبغته، هو الذي يدعوك لتتلقف هذا الفن، وتسبر أغواره وتقف على حقائقه، لأنك به تتقن عملك، وتفرش طريق نجاحك، وتبرهن على طواعيتك وانقيادك لخالقك ومبدعك. وما زال الحديث مستمراً. د. طارق محمد السويدان 













الإدارة والتوحيد 4
ما زلنا نتابع معك عزيزي القارئ الكريم، هذه الوقفات المباركة في مسيرة العلم والعمل، ومطابقة الجانب الإسلامي، وهو التوحيد، مع الجانب الآخر من شخصية الإنسان (الإداري)، ومقارنة أوجه الشبه، واستنتاج الروابط التي تجمعهما، أو الأهداف والنتائج التي تكون جسوراً بينهما. ولا يخفى على كل ذي بصيرة أن العقيدة التي تشكل عصمة الإنسان عن الانزلاق في مهاوي الزلل والانحراف، أو تقيه مصارع السوء والانهيار في مستنقعات المعاصي، والشرود عن جادة الطريق المستقيم، تشكل لدى الإنسان المسلم، حصناً منيعاً، وسواراً محيطاً، وحصانة داخلية عظيمة، تنأى به دائماً عن الولوج في أبواب الغواية، وتصحح له مساره كلما اعوجّ عن جادة الهداية، أو شرد عن درب الرشاد، ولذلك كان التركيز الأعلى للدين الإسلامي على سلامة هذه العقيدة، والعمل على تصفيتها دائماً من الشوائب، وتنقيتها من العيوب والمثالب، وهو ما جعل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقضي ثلاثة عشر عاماً في مكة يعالج اعوجاج عقائد الجاهلية لدى البشر، ويقيم فيهم الفكر العقدي السليم، الذي يساير الفطرة، ويواكب العلم والعقل معاً. ومرة أخرى يدعونا الحديث لكي نعرف كيف تكون هذه العقيدة الصحيحة نبراساً هادياً في عالم الإدارة، ومشكاة مضيئة للعاملين في شتى ميادين علوم الإدارة الواسعة، كمثل تلك التي تبحثها مجلتكم هذه مجلة "إبداع". إن العقيدة السليمة كما أسلفنا تواكب الفطرة، وتستخدم العقل السليم للوصول إلى حقائقها ودقائقها، وتسرج العلم في ظلمات الجهل، وذلك لهدف واحد يسعى إليه الناس جميعاً، وهو الوصول إلى الحقيقة، وامتلاك أفضل وأيسر الطرق والأساليب للتعايش مع الكون من حولنا، والناس المحيطين بنا، ولذلك لم تكن العقيدة الحقيقة أهلاً إلا لمن أعمل عقله، واستخدم بصيرته، واستنفد جهده وتفكيره. وعندما يريد الإنسان أن يُعمل عقله لتتكون له العقيدة السليمة، المتكاملة من جميع الجوانب، لابد له - من دون ريب - أن يتعامل مع عقول أخرى لدى الناس، لينتفع بما لديهم، ويتبادل الفكرة معهم، وهكذا شأن الإنسان دائماً، يسأل عن مالا يعرف، ويدفعه فضوله لتعلم ما يجهل.. غير أن التعامل مع عقول الآخرين، لا سيما المثقفين منهم لابد له من قواعد سليمة، فكم يخوض الناس في جدل لا يخرجون منه سوى بزيادة الجهل، واضطراب المعاني، وتعقد الأمور!! وهذه القواعد المنطقية في التفكير مع الآخرين أفرد لها علماء الإدارة أبحاثاً واسعة، وخصصوا لها كتباً ودراسات كثيرة، فوضعوا أسس التفكير المنطقي السليم، واهتم علماء آخرون بسيكولوجية التفكير المنطقي، والطبيعة الإنسانية، واستنتجوا قواعد التعامل مع الجمهور، وفنون مشافهة الآخرين، وقواعد المناظرة، بل ذهب بعضهم أبعد من ذلك فاكتشف علوم البرمجة العصبية، وبحث الآخرون في العقل الباطن والقدرات الكامنة، واهتم آخرون في جوانب المعرفة والثقافة، فاكتشفوا قدرة الإنسان على سرعة التعلم والمذاكرة، فحاضر بعض العلماء في القراءة التصويرية، أو القراءة السريعة، حسبما يحلو لكل منهم أن يصطلح على فنه، ولا مشاحة في الاصطلاح.. وأخيراً أسس باحثون ومهتمون معاهد ومراكز للتدريب، وهكذا دارت عجلة الحضارة على رحى حاجة الإنسان لتصحيح شيء ما بداخله، ونحن لا نرى هذا الشيء إلا عقيدته الداخلية، التي يسعى دائماً وأبداً للوصول بها إلا سدة الكمال، وغاية الإتقان.. وفي هذه الزاوية نتابع معكم بقية للحديث في العدد القادم عن سبب رغبة الإنسان المستمرة في تحصيل العلم، وصلته الوطيدة بالعقيدة السوية. د. طارق محمد السويدان 






القيادة.. فطرة أم اكتساب؟!
حوار طويل على مدى التاريخ يدور حول هذا السؤال، ولكل فيه رأي وجدل، والاختلاف فيه بين القدماء وكذلك المحدثين، فها هو الأستاذ القدير "د. بينيز" المتخصص في موضوع القيادة يقول: (إن القيادة شخصية وحكمة وهذان أمران لا يمكن اكتسابهما)، بينما يقول أستاذ العلماء الغربيين وشيخهم الذي قارب التسعين "بيتر دركر": (القيادة يمكن تعلمها ويجب تعلمها). فهل للإسلام رأي في هذا الأمر الذي لم يستطع أكبر علماء الإدارة المعاصرين الاتفاق عليه؟ دعني في هذه العجالة أساهم برأيي وفهمي لما يقوله الإسلام في هذا الأمر الهام كمحاولة لبناء نظرية إسلامية في الإدارة لبنة لبنة. لو تأملنا في القيادة سنجد أنها تتلخص في ثلاث أمور (علم ومهارات وسلوك)، والعلم المكتسب وكذلك المهارات، فهل السلوك مكتسب؟ لعل هذه النقطة هي سبب اختلاف العلماء، فبعضهم يرى أن الجانب الإنساني والقدرة على التأثير في الناس لا يمكن اكتسابها بل هي هبة إلهية لا دخل للجهد الإنساني في تنميتها أو صقلها، بينما يصرّ الآخرون أن الموهبة لا شأن لها في القيادة. تأملت هل في الإسلام إجابة على قضية اكتساب السلوك؟! فوجدت أن النبي صلى الله عليه وسلم يحدث الأحنف بن قيس رضي الله عنه (والذي ساد بني قيس بحلمه وعدم انفعاله) فقال له: "إن فيك خصلتان يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة، (أي عدم الغضب وعدم الاستعجال)"، فقال الأحنف رضي الله تعالى عنه: أهما خصلتان تخلّقت بهما؟ أو هما خصلتان جبلني الله عليهما؟ (أي فطرية أم مكتسبة؟) وهذا هو عين سؤالنا، فقال صلى الله عليه وسلم: "بل هما خصلتان جبلك الله عليهما". إذاً القيادة فطرية في حق الأحنف، وكذلك هي عند عمرو بن العاص رضي الله عنه الذي يقول عنه عمر رضي الله عنه: لا ينبغي لعمرو أن يسير على الأرض إلا أميراً. إذاً هناك من هو قائد بالفطرة. بينما يوضح الحديث الآخر: "إنما العلم بالتعلّم وإنما الحلم بالتّحلم"، أن هناك إمكانية لاكتساب السلوك كما يكتسب العلم. فبينما يشير حديث النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر الغفاري رضي الله عنه: "إنك امرؤ ضعيف لا تولين على اثنين"، أنه لا يستطيع حتى اكتساب القيادة رغم فضله ومكانته في الإسلام وعلو شأنه فيه. والخلاصة عندي أن هناك فئة قليلة (أقدرها بحوالي 2%) تكون القيادة عندها فطرية، وفئة أخرى لا تصلح للقيادة ولا تستطيع اكتسابها (وأقدرها كذلك بحوالي 2%)، وأما معظم الناس فيستطيعون اكتساب القيادة بنسب مختلفة ولكنهم لن يستطيعوا مهما اكتسبوها أن يكونوا كمن حصل عليها بالفطرة. ولعل هذا بداية حوار حول اختلافات العلماء في موضوع القيادة والإدارة ونظرة الإسلام إليها، ونسأل الله تعالى التوفيق والسداد للحق. د. طارق السويدان 












الهمُّ الإداري
المسؤول في أي عمل سواء كان يملكه أو كان موظفاً فيه، وسواء كان كبيراً أم صغيراً، فإنه سيشعر بالمسؤولية إن كان مخلصاً وصادقاً وأميناً، فهو محاسب عليه أمام من هو أعلى منه وأمام جمهوره وزبائنه، والأهم من هذا أنه مسؤول عنه أمام الله سبحانه وتعالى. وإن صدق هذا المسؤول في إحساسه وشعوره، وأخلص لدينه وربه ومبادئه فستكون لديه مجموعة هموم لا هم واحد فقط: همُّ المسؤول سيتمثل في تفكيره الدائم بأن لا يقصر، وأن يتقن عمله، ويفي بالتزاماته تجاه الناس داخل وخارج عمله، والهمّ بضبط الأموال وعدم تبذيرها أو تبديدها، والهمّ بالبحث عن أفكار وسبل ووسائل لتطوير العمل وتوسيعه وتحسينه، والهمّ بالضبط الإداري لمنع التسيّب عند قليلي الإحساس بالمسؤولية الذين لا يملكون مثل هذا الهمّ. كما سيتمثل هذا الهمّ في الحرص الشديد على الوفاء بالعقود والعهود كما أمر سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)، فهو مهموم في إيجاد صيغة عادلة لتوازن بين حقوق الجهة التي يعمل لها، وبين حقوق الأطراف الأخرى، فهو مهموم بألا يظلمهم أو يبخسهم حقهم، وفي الوقت ذاته بأن لا يظلم أو يبخس حق جهته، مع المحاولة الدائمة بأن يوفر عليها شيئاً من مصاريفها ويحسن المنافع التي ستأتي لها. ولكن هناك همّ آخر قد ينشغل عنه البعض في زحمة العمل اليومي ودوامة الحياة، وهو الهمّ بحقوق واحتياجات الموظفين لديه، فهم كذلك أصحاب احتياجات والتزامات وطموحات، فإن كان المسؤول صاحب نظر عادل فسيفكر بهم كذلك، و يحرص على تطوير أوضاعهم الوظيفية والمالية بما يدفعهم دوماً للأمام، ويحسن أحوالهم باستمرار، ولكن بما لا يؤدي إلى زيادة الأعباء على جهته على المدى القريب أو البعيد، وهذا همّ. وإن كان من أصحاب القلب الكبير والحس المرهف فهو سيزداد همّاً بتفكيره في مشاعر كل من حوله، فهو دائم التفكير في كيفية المحافظة على احترام الناس لبعضهم، وعلاج ما انخدش من مشاعرهم نتيجة لاحتكاكات طبيعية في العمل اليومي، ومواساة من له مصيبة، وإظهار المشاعر الصادقة لمن له فرح، والمحافظة على الجو الايجابي رغم صخب الحياة وسرعة وتيرتها. هذا الهم الكبير قد لا تجده عند معظم المسؤولين، إما لأنهم ليسوا إلا جباة مال وجهود، وإما لأن همَّ مصالحهم الشخصية قد طغى، وإما لأنهم ليسوا من أصحاب العمق في الفكر والخلق، وإما لأنهم لم يفكروا في هذا الهم أصلاً. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً) ولا أرى كيف يمكن تطبيق هذا الحديث في واقع العمل الإداري دون الشعور بهذا الهم. د. طارق السويدان 














الرقابة والعدل
من العمليات الإدارية الرئيسية الرقابة، وهي باختصار مجموعة خطوات تتلخص في: أولاً: وضع معايير للأداء مبنية على الأهداف والخطة، وثانياً: إيجاد نظام لقياس الأداء وبالذات الإداري والمالي واللائحي للتأكد من مدى انطباق الأداء مع المعايير، وثالثاً: تحديد حجم الفجوة بين الأداء الفعلي والمعايير المطلوبة، ثم أخيراً: إيجاد نظام نظري وعملي يهدف إلى سد هذه الفجوات و التأكد من عدم حدوثها مستقبلاً. ولا أهدف في هذا الحديث إلى تفصيل النظام الرقابي فهذا له أبحاثه وكتبه، ولكني أود توجيه الأنظار إلى العدل الذي قامت به السماوات والأرض عند وضع النظام الإداري و تطبيقه، فالخلل في النظام الإداري قد يغتفر، والخطأ عند التنفيذ قد يحدث، بل حتى الكسل والغفلة واردة ما دمنا بشراً، ولكن الظلم ظلمات يوم القيامة، وسيحاسب الإنسان عن كل ما قدم، وكل ما نفعل مسجل (وكل صغير وكبير مستطر) فهو مكتوب بدقة، وهو محصور في علم العليم العلام سبحانه. وباب الحرص على العدل كبير وواسع، ولكني أود الإشارة إلى أمور أربطها بموضوع الرقابة الإدارية: فمن أول الأمر هل كانت الخطة عادلة فوازنت بين حق المؤسسة وبين حق الفرد والزبون أو المراجع؟ وهل المعايير للأداء منصفة فلم تحمّل الموظف مالا يطيق وأعطته بالمقابل الأجر العادل؟ وهل سيستطيع كل إنسان الحصول على ما هو له دون توسّط أو تشفّع أو تذلّل أو تأخير أو رشوة أو نقص؟ وثانياً: هل نظم القياس عادلة و سليمة؟ وهل ستتم الرقابة بطريقة سرية لا يملك فيها الموظف حق دفع الشبهة أو الظن أو الانطباع الذي أُخذ عنه؟ وهل سيتم القياس وفق رأي المسؤولين دون اعتبار للعدل في الاستماع للموظفين؟ وهل سيؤخذ بعين الاعتبار التدريب الذي وفرته المؤسسة لإنسان قبل محاسبته على أدائه؟ أو حتى طبيعة المناخ التنظيمي الذي كان يعيش فيه؟ وغيرها الكثير من الشبهات في العدل والتي تحيط النظم القياسية ذات المعيار المادي المحدود. وثالثاً: من الذي سيحدد الفجوة بين المعايير المطلوبة من الموظف ومستوى أدائه الفعلي؟ وهل من سيقوم بالتقييم بعيد عن الظلم والمحاباة والمجاملة والمزاجية؟ وهل هو أو هي قادر على إبعاد المشاعر الشخصية عن عملية التقييم، والالتزام رغم سرعة وتيرة دوامة العمل اليومي؟ وهل ستقوم دون إخلال بخصوصية الناس؟ وأخيراً، هل سيتم تعديل المسار وفق اتجاهات تضمن ليس فقط حق المؤسسة بل حق الموظفين كذلك على المدى القريب والبعيد؟ كما تضمن مشاركتهم في الرأي والقرار وخاصة فيما يتعلق بهم وما يمس دائرة عملهم ونفوذهم؟. سددوا وقاربوا، ومع ذلك لن تعدلوا العدل الكامل ولو حرصتم، واستعينوا بالله تعالى على العدل فلن تستطيعوه وحدكم. د. طارق السويدان 











التغيير في الخطاب الإعلامي الديني
توسعت نظريات التغيير الحديثة وتعمقت وشملت جوانب كثيرة من أهمها تغيير المنظمات وبالذات في جانبها الإداري والمالي والجانب التخطيطي على وجه الخصوص، كما تناولت تغيير الإنسان وتعليمه أساليب النجاح والتميز والطموح والاستقرار النفسي ونحوها. وسأطرح في هذه السلسلة من المقالات بعض الاقتراحات لتطوير الخطاب الإعلامي الديني لأجل توجيه نظريات التغيير نحو مجالات جديدة، ومن جهة أخرى للاستفادة من هذا العلم الحديث في أرض الواقع في مجال هام أهملته نظريات التغيير وهو مجال الإعلام. ولن أتحدث عن المجال الإعلامي بشكل عام فهو من جهة مجال واسع ومن جهة أخرى هو ليس من مجالات تخصصي أو تميزي، ولكني سأركز على الجانب الذي شاركت فيه وهو مجال الخطاب الإعلامي الديني. تبدأ نظريات التغيير عادة بطرح الواقع المراد تغييره ثم تحديد الرؤية أو المستقبل المراد الوصول إليه ومن ثم تحديد الطرق أو الآليات والخطوات التي ينبغي السير عليها نحو تلك الرؤية. والموضوع واسع ويستحق البحث ولكني سأركز على جانب واحد من أهداف الخطاب الإعلامي وهو (بناء الإنسان المستقيم الفعال)، وواضح أن واقعنا اليوم يشير إلى ضعف واضح في هذ الجانب، كما أن خطابنا الإعلامي (عدا بعض الأطروحات الحديثة) غير مناسب وغير فعال في تحقيق هذه الرؤية وهذا الهدف. ودعوني أختصر القول وأطرح الموضوع مباشرة فألخص بأن المطلوب لأجل (بناء الإنسان المستقيم والفعال) هو العمل على تغيير الإنسان في خمس جوانب هي: 1. تغيير الفكر والقناعات 2. تغيير الاهتمامات 3. تغيير المهارات 4. تغيير العلاقات 5. تغيير القدوات ولكل منها تفصيل سأتناوله في المقالات التالية: تغيير الإنسان ليتحول إلى (إنسان مستقيم وفعال) هو هدف عملية التغيير الإسلامي والتي تتم من خلال عملية شاملة تربوياً ومجتمعياً وإعلامياً وتركز على تغيير خمسة أمور هي: 1. القناعات والفكر. 2. الاهتمامات. 3. المهارات. 4. العلاقات. 5. القدوات. وسنتناول في هذا الجزء أحد هذه الجوانب ودور الخطاب الإعلامي الديني فيها. أولا : تغيير الفكر والقناعات 1. السلوك والمشاعر مصدرها الفكر والقناعات . 2. محاولة معالجة السلوك والمشاعر دون معالجة الفكر تعالج الظواهر وليس الأسباب. 3. الفكر يتعلق بنظرة الإنسان وفهمه للدين والحياة ودوره فيها كما يتعلق بطموحاته واهتماماته وعلاقاته ومهاراته وقدواته، فالفكر هو الأساس لكل شيء. 4. يشمل ذلك التحليلات السياسية والمواقف التي يتبناها بناء على فهمه وقناعاته وتحليلاته. 5. الفكر والقناعات هي أساس البناء الأخلاقي للإنسان، فتعديل الأخلاق يبنى على تغيير الفكر والقناعات وليس الخطاب العاطفي الوعظي فقط. 6. من أهم قضايا الفكر نظرة الإنسان لعلاقته بربه وفهمه لدوره في الحياة بناء على ذلك وهذا هو أساس العقيدة. 7. فهم الإنسان للحياة ودوره فيها سيبنى عليه اهتماماته وعلاقاته وقدواته، وهذه بدورها ستشكل شخصية الإنسان وهويته وطموحاته. 8. من هنا نرى أن أهم تغيير يجب أن يتم في الخطاب الإعلامي بشكل عام والديني بشكل خاص هو التغيير الفكري. 9. وعليه فإن الخطاب الديني الوعظي أو العاطفي أو القصصي أو الاجتماعي الذي لا يبنى على أهداف تغيير فكري وتعديل قناعات المستمع أو المشاهد سيكون تغييراً مؤقتاً محدود التأثير. 10. التوصية : قبل إعداد أي برنامج إعلامي لا بد من الإجابة على السؤال التالي: ما هي الأفكار والقناعات التي نود زرعها من خلال هذا البرنامج؟ د. طارق محمد السويدان 






تغيير الاهتمامات
قلنا في العدد السابق إن تغيير الإنسان ليتحول إلى (إنسان مستقيم وفعال) هو هدف عملية التغيير الإسلامي، والتي تتم من خلال عملية شاملة تربوياً ومجتمعياً وإعلامياً، وتركز على تغيير خمس أمور هي: القناعات والفكر . الاهتمامات . المهارات . العلاقات . القدوات . وتحدثنا في العدد الماضي عن الجزء الأول وهو تغيير القناعات، وسنتحدث اليوم عن الجزء الثاني وهو: ثانيا : تغيير الاهتمامات 1. أيسر طريقة لمعرفة اهتمامات أي إنسان هي رؤيته كيف يقضي وقت فراغه (مثلاً: رياضة، موضة، قراءة، أسواق، نشاط شبابي، كمبيوتر، دعوة... الخ). 2. اهتمامات الإنسان هي انعكاس لفكره ونظرته لدوره في الحياة وطموحاته فيها. 3. الطموحون والفاعلون نجدهم ذووا اهتمامات مفيدة، بينما الذين يعيشون على هامش الحياة اهتماماتهم تافهة. 4. فهم الإنسان لقيمة الوقت وأن الوقت هو الحياة (هذا الفهم ودرجة عمقه في النفس) سيؤدي إلى توجيه الاهتمامات نحو النافع المفيد وعدم تضييعها بالتفاهات. 5. وضوح أهداف الحياة وحتى الأهداف قصيرة المدى سيؤثر على اهتمامات الإنسان، فالذي يطمح لإنشاء مشروع تجاري سيبذل جهده ووقته في دراسة المشروع والإعداد له، فهذا الاهتمام سيشغل وقته، أما الذي ليس له أهداف أو مشاريع فسيشغل وقت فراغه بما لا طائل من ورائه في الغالب. 6. لاشك أن جدية المجتمع أو الجهة التي يعمل فيها الإنسان أو يدرس فيها، بل حتى جدية الأصدقاء والأهل ستنعكس في الغالب على جدية اهتمامات الإنسان وفعاليته. 7. الخطاب الإعلامي بشكل عام والديني بشكل خاص يجب أن يساهم في توجيه الاهتمامات وبالذات عند فئة الشباب، ومن ذلك: - التركيز على أهمية الوقت وقيمته وأنه هو أثمن ما يملك الإنسان وأن تضييعه إهدار للحياة. - تشجيع الاهتمامات المفيدة وتعليم الشباب كيفية ممارستها وعلى رأسها القراءة. - التحذير من مصاحبة التافهين والفاسدين وتشجيع مصاحبة الجادين وهذا أساس تغيير الاهتمامات. - ضرب المثل بالقدوات من الأحياء والأموات من الذين برزوا في مجالات معينة والتعلم منهم كيف ساهمت اهتماماتهم المفيدة في تغيير حياتهم وحياة الناس. وهكذا نرى أن تغيير الاهتمامات هو أحد أسس التربية التي تصنع الإنسان الفعال، وتمهد لصنع قادة المستقبل. وفي العدد القادم بإذن الله تعالى نتحدث عن تغيير المهارات. د. طارق محمد السويدان 















تغيير المهارات
قلنا في الأعداد السابقة إن تغيير الإنسان ليتحول إلى (إنسان مستقيم وفعال) هو هدف عملية التغيير الإسلامي، والتي تتم من خلال عملية شاملة تربوياً ومجتمعياً وإعلامياً، وتركز على تغيير خمس أمور هي: القناعات والفكر. الاهتمامات. المهارات. العلاقات. القدوات. وتحدثنا في العددين الماضين عن الجزء الأول والثاني وهما: تغيير القناعات، وتغيير الاهتمامات، وسنتحدث اليوم عن الجزء الثالث وهو: ثالثا : تغيير المهارات : 1. مهارات الإنسان هي ما يحسنه ويتقنه وفي العادة تكون ضمن اهتماماته ورغباته وميوله (وإن كان بعض الناس قد يتقن أموراً ولا يهواها). 2. قليل من الناس تكون لديه هذه المهارة فطرية وهبة ربانية دون جهد منه أو تعليم من الآخرين، ولكن هؤلاء قلة بل ندرة في البشر. 3. معظم الناس يكتسبون هذه المهارات بالتعلم وصقل المهارة وبالتمرن والتعود عليها على مر السنين حتى يتقنوها وتصبح ممارستها سهلة ويسيرة عليهم بالمقارنة بغيرهم. 4. المهارات قد تكون لغوية كالتأليف والإلقاء والأدب والشعر ونحوها، أو حركية كالرياضات البدنية، أو فنية كالرسم والأداء الصوتي والتمثيلي والفن التشكيلي ونحوها، أو علمية كالاختراعات والكمبيوتر، وغيرها من المهارات في جوانب الحياة المختلفة.. 5. وكلما زادت مهارات الإنسان فتحت له أبواب جديدة من العطاء والإنتاج وزاد أثره بين الناس، وتكونت له علاقات جديدة، وتيسرت له أصناف جديدة من الرزق لم تكن له من قبل. 6. إن تنمية المهارات الجديدة وصقلها باستمرار سيتطلب وقتاً وجهداً سيملأ فراغ الإنسان، فلا يبقى لديه وقت للتسكع وقتل الوقت والانشغال بتوافه الأمور. 7. لأجل هذا كله يجب أن يساهم الخطاب الإعلامي والديني منه بشكل خاص نحو تشجيع تعلم المهارات الجديدة وتنمية المهارات الحالية وتطويرها. 8. كما ينبغي أن تتنوع البرامج المباشرة وغير المباشرة التي تتحدث عن مهارة معينة ورموزها وكيفية اكتسابها وتنميتها ومجالات الاستفادة منها، أو الحديث عن كيفية مساهمة هذه المهارة في تغيير حياة إنسان، أو تطوير مجتمع ما، أو ما نفع منها البشرية في القديم أو الحديث. 9. رصد الجوائز وعقد المسابقات التي تشجع على تنمية المهارات والهوايات لما فيها من منافع ذكرناها، ولما فيها كذلك من إيجاد البديل للانحراف والفساد الذي مبدؤه من الفراغ والصحبة التافهة الفاسدة. إن تطوير المهارات وتنميتها ونشرها بين الشباب، تطوير للأمة وتنمية للإنسان، وحفظ لشباب الأمة من الانحراف والضياع. وفي العدد القادم بإذن الله تعالى نتحدث عن تغيير العلاقات. د. طارق محمد السويدان 













تغيير العلاقات
قلنا في الأعداد السابقة إن تغيير الإنسان ليتحول إلى (إنسان مستقيم وفعال) هو هدف عملية التغيير الإسلامي، والتي تتم من خلال عملية شاملة تربوياً ومجتمعياً وإعلامياً، وتركز على تغيير خمس أمور هي: القناعات والفكر، الاهتمامات، المهارات، العلاقات، والقدوات. وتحدثنا في الأعداد الماضية عن الأجزاء الأولى من هذا التغيير، وسنتحدث اليوم عن الجزء الرابع وهو: رابعا : تغيير العلاقات: من المعروف أن الإنسان يتأثر بمن حوله وخاصة الشباب من الذين ليست لهم حصانة تربوية أو فكرية عميقة، ومن هنا يكون تغيير العلاقات أساساً لتغيير شخصية الإنسان. 1. اكتساب السلوك والأخلاق يتأثر كثيراً بالشكل المحيط، وكثير من الناس اكتسبوا العادات الحميدة أو السيئة تقليداً لمن حولهم. 2. الفكر والقناعات والعقيدة أيضاً يكتسبها الإنسان ممن حوله، ألا ترى أن الإنسان يولد على الفطرة، وأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه، وعندما يكبر الإنسان يتضاءل مع الأيام تأثير الوالدين ويزداد تأثير الأصحاب، ومع الأيام يتعلم الشاب أو الفتاة ممن حولهم الفكر والهوايات والمهارات المختلفة. 3. من أهم مسائل التربية أن يتأكد الأبوان والمربون أن أولادهم أو من يربونهم قد أحيطوا بصحبة صالحة يشرف عليها من يثقون بدينهم وخلقهم وفكرهم، وعندي هذا أهم من تحفيظهم سوراً من القرآن يرددونها دون غرس لمعانيها في نفوسهم. 4. من هنا يكون للخطاب الإعلامي، والديني بشكل خاص دور رئيسي في التنبيه إلى أهمية اختيار الأصحاب والأصدقاء وتحديد وتوجيه معايير هذا الاختيار. 5. إن للمجتمع دوراً في إنشاء المراكز ودور الأنشطة التي تحتضن الشباب والفتيات وتحيطهم بالصحبة الصالحة تأكيداً لدور العلاقات في المحافظة على القيم والأخلاق وبناء الهوية السليمة. 6. يأتي دور الخطاب الإعلامي والديني منه بشكل رئيسي لتبيان أثر العلاقات السيئة والصالحة، وأسس الاختيار، والأنشطة الجماعية ومراكز تنمية الهوايات والمهارات، وهيئات صناعة القادة، وتشجيع الرحلات الجماعية النافعة، وطرح بدائل للأنشطة المفسدة، والإبداع في تعليم الشباب فن بناء العلاقات والتاثير في الناس وتجنب التاثير السلبي عليهم، والتفنن في الاستفادة من الأوقات الجماعية لتبادل المنافع بينهم. وأخيراً أقول: إن كل ما تبنيه الأسرة ويحرص على زراعته الوالدان من قيم وأخلاق وعقيدة قد تهدمه العلاقات السيئة، فهذا العنصر له أثر حاسم على كل الجوانب الأخرى. وفي العدد القادم بإذن الله تعالى نتحدث عن تغيير القدوات. د. طارق محمد السويدان 






















 مقالات  منوعة
د. طارق سويدان

بواعث الفرج

تحدثنا في الأسبوع الماضي عن أربع أزمات قيادية تعاني منها الأمة بعامة والمنظمات والشركات بخاصة. وحتى لا نتهم بأننا من الذين يدعون للتشاؤم فإننا سنتحدث اليوم عن ما نراه من بواعث للفرج تلوح في سماء الأمة وأفق العمل الإداري. وسنقسم بواعث الفرج هذه إلى قسم يتحدث عن المستوى الفردي وأخر يتحدث عن المستوى الجماعي.

على المستوى الفردي:

شعور المريض بالمرض: أي شعور المريض بالسلبية وعدم الفعالية وعدم رضاه عن هذا الشعور وسعيه لتغييره وتحويل هذا الشعور إلى برنامج عملي يسعى من خلاله لأداء قضية من القضايا. وهذه أول خطوات العلاج، أي الاعتراف بوجود المرض والحاجة للعلاج. والمصيبة حين يخيل للمريض أنه سليم معافى لا يشكو من شيء، عندها يرفض الدواء ونصح الأطباء ويصرُّ على ما هو عليه.

الاتجاه نحو صياغة الحياة: التوجه نحو صياغة الحياة صياغة إسلامية بكافة مجالاتها، فالأب يصوغ بيته صياغة إسلامية، والمدير يصوغ مدرسته والموظف في دائرته. لقد أصبح هناك هم كبير في محاولة صياغة الحياة، وهو هم مقلق ينمُّ عن مستقبل مشرق.

التخصص: لقد أصبح هناك فهم صحيح لضرورة التخصص، بعد أن كان الكل يدعي الفهم في كل شيء. وتنامى لدى الأمة شعور جاد بقيمة العلم والتحصيل والتدريب. ولدينا الآن عدد متزايد من الشباب يتخصصون بأمور كثيرة ورائعة، وكل منهم يعمل بجد ليسد بذلك ثغرة من ثغرات المعرفة والقيادة في الأمة.

على المستوى الجماعي:
إحياء دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وهي شعيرة حسبناها ماتت. فما عاد الإنسان المستقيم إنساناً سلبياً يتردد على المسجد للصلاة فقط، بل أصبح يتحسس بداخله مشاعر عظيمة يطمح في إيصالها للناس كافة. وأصبحت مؤسسات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تنوع أساليبها وتطور طرقها، مما أحيا هذا الدور وضخ به دماء جديدة.
التعايش مع طبقات المجتمع: ما عادت قضية القيادة حكراً على فئة معينة مثل الدعاة أو طلبة العلم، بل إن الجيل الجديد حريص على الاحتكاك بعامة الشعب وخدمته والتعايش مع قضايا الناس وتلمس المشاكل التي تواجههم ومحاولة حلها، إما عن طريق طرح منتج أو خدمة جديدة، أو عن طريق تحسين أداء المنظمة لتخفيف الضغط عن الموظفين والمراجعين. بهذه العاطفة القيادية التي نتجت عن التواد والرحمة (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم) نستطيع التواصل مع الناس والتأثير في سلوكهم.
الاتجاه الفعال نحو الأعمال المؤسسية: إذ لم تعد قضية القيادة والنجاح قضية فردية، بل أصبحت هماً جماعياً منظماً. ورسمت لها الهياكل الإدارية ووضعت في الخطط العملية للشركات والمنظمات. لكن نجاح العمل المؤسسي يتطلب إضافة إلى ما سبق استيعاب مفاهيمه، وتربية الأفراد على معانيه ومتطلباته والتفاعل المتبادل بين القيادة والأفراد.
ظاهرة التكامل: من خلال معرفتنا بنقاط القوة والضعف لدى كل شخص في المنظمة نستطيع توظيف نقاط القوة في خدمة أهداف المنظمة وتلافي الضعف أو العمل على تقويته، وبهذا نحقق الاستفادة القصوى من طاقات الموظفين والعاملين. وعبر الحوار والرأي الآخر يتم توزيع الأعمال وتنفيذها بشكل متقن وبإنتاجية عالية. وفي كل هذا مصلحة كبيرة للمنظمة.
معيار القيادة الإسلامية
هل المعيار هو (إنَّ خيرَ من استأجرتَ القويُّ الأمين) ؟! سورة القصص.
القوة والأمانة، نعم.. إن هاتين الصفتين تجمعان كل المعاني القيادية التي تحدَّث عنها علماء الإدارة في العالم. وسنتحدث عنهما اليوم بإيجاز.
القوة:
وتعني الكفاءة والذكاء والقدرة على أداء المهمة، وتختلف القوة المطلوبة باختلاف المهمة. قال ابن تيمية: والقوة في كل عمل بحسبها، فالقوة في إمارة الحرب ترجع إلى شجاعة القلب وإلى الخبرة بالحروب، والقوة في الحكم بين الناس ترجع إلى العلم بالعدل الذي دل عليه القرآن والسنة وإلى القدرة على تنفيذ الأحكام.
ومن مظاهر فقدان القوة:
الروتين القاتل: وأعراضه البطء في إنجاز المعاملات والضغط في العمل والذي يسبب الاكتئاب والملل، ويؤدي إلى تمضية الوقت كيفما اتفق. ولعل هذا واضح في ترهّل الإدارة والروتين الحكومي المستشري في معظم الدول العربية.
ضعف الاستغفار: يضعف الاستغفار عندما يصبح استغفاراً سريعاً بلا روح، استغفاراً شفهياً لا يلامس شغاف القلب، فيرق به من خشونة الذنب. وهو من شروط القوة المعنوية والاقتصادية التي غفلنا عنها ولا توجد لدى أنظمة الغرب أو علومهم. وهذا هود عليه السلام ينصح قومه بشروط البنية المعنوية الاقتصادية فيقول: (يَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ) سورة هود.
الأمانة:
وتعني المصداقية والرقابة الذاتية والمبادرة لأداء العمل على أتم وجه. وتستخدم كلمة الأمانة بأكثر من معنى، ومنها:
التكليف: قال تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَات وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً). سورة الأحزاب.
الأمانة المعنوية: تمتد حدود الأمانة إلى ما هو أبعد من القضايا المالية، فهي تشمل أمانة الفكر والرأي والموقف. وعلى سبيل المثال عدم بخس العاملين حقوق التقدير الممزوج بالحب، ومساعدتهم في قضاياهم ومشاكلهم المؤرقة بقدر الاستطاعة.
الضمير اليقظ: وهو الذي، كما يقول الغزالي، تصان به الحقوق المتمثلة في حقوق الله والناس وتحرس به الأعمال من دواعي التفريط والإهمال.
الإتقان: فالحرص على أداء الواجب المنوط بالشخص بشكل متقن من أخلاق المسلم. ومنه السهر على حقوق الناس وإذا استهان الفرد بما كلف به وإن كان صغيراً فرط فيما بعده إلى أن تستشري روح الفساد والضياع في كيان المؤسسة. بل إن المطلوب هو تجاوز الإتقان والوصول إلى درجة الإبداع في التخطيط والتنفيذ مسترشدين بدعوة المصطفى عليه السلام: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه". أخرجه البيهقي.
عدم الاستغلال: أي عدم استغلال المنصب لمنافع شخصية أو للإضرار بمصالح الأخرين وإضاعة حقوقهم.
تعيين الأصلح: وهو تعيين الرجل المناسب في المكان المناسب وليس العكس. مصداقاً لقول رسول الله عليه الصلاة والسلام: "من استعمل رجلاً من عصابة، وفي تلك العصابة من هو أرضى لله منه، فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين". أخرجه الحاكم.
إن الأمانة قضية عظيمة لا ينبغي أن نستهين بها أو نفرط في حقها. فلا يجب نركز على الشكليات وننسى الجوهر الحقيقي، فبدل أن نمارس التربية والتعليم اكتفينا - على سبيل المثال- بالتلقين المبهم، ففقدنا قدراً من الأمانة، والنتيجة جيل من الشباب لا يرعى مصلحة المجتمع، ولا يقوم بدوره الصادق والمخلص في تقدمه وازدهاره.








الأزمات القيادية
قلنا في العدد السابق أن جزءاً كبيراً من الضعف الذي تعاني منه أمتنا اليوم في المجالات الإدارية والاقتصادية والتجارية أساسه ضعف القيادة في المنظمات مفهوماً وتطبيقاً، إضافة إلى ندرة وجود القادة، بالرغم من كثرة المديرين والمسؤولين. ونستطيع أن نفصل أربع أزمات قيادية هي:
1- أزمة تخلف: إننا نعيش أزمة تخلف مريرة في كل مجال. فما عدنا نقود الأمم، ولا يوجد لدينا مقومات لقيادة الأمم. فرغم وجود المنهج المتمثل بالقرآن والسنة إلا أنه ليس هناك من يطبقه لعدم وجود من يفهمه الفهم الصحيح المتسع الأفق. وصدق فينا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ يقول أبو الدرداء رضي الله عنه: كان رسول الله عليه الصلاة والسلام جالساً بين أصحابه، فشخص ببصره إلى السماء ثم قال: "هذا أوان يُختلس العلم من الناس، حتى لا يقدرون منه على شيء". فقال زياد بن لبيد: يا رسول الله، كيف يُختلس منا وقد قرأنا القرآن؟ فوالله لَنقرأنَّه ولنُقرِأنَّه أبناءنا ونساءنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثكلتك أمك يا زياد، إنْ كنتُ لأعدُّك من فقهاء أهل المدينة، هذه التوارة والإنجيل عند اليهود والنصارى، فماذا تغني عنهم"؟ رواه الترمذي.
لقد افتقدنا النماذج والقدوات القيادية الحية التي تستطيع أن تقود وتطبق فيقتدي الناس بها ويتفاعلوا معها كي تتطور المنظمات ويعلو شأن الأمة.
2- أزمة فاعلية: فنحن أمة غير فاعلة، وما أصبحنا هكذا إلا بعد أن أصبحنا أفراداً غير فاعلين في مجالاتنا. لكن هناك حقيقة مهمة يجب ألا نغفل عنها، وهي أن هذه الأمة خلقت لتبقى، وما خلقت لتؤدي دوراً وتنتهي مثل الأمم الأخرى. إذاً نحن بحاجة إلى تفعيل الدور القيادي للأشخاص في مجتمعنا، وبناء شخصيات قيادية قادرة على التنافس مع الغرب والتفوق عليه في إدارة الشركات والإبداع والإبتكار والتجديد كي نمتلك قوتنا الاقتصادية ونفعلها لخدمة مصالحنا كأمة.
كما أنه لدينا قصوراً في فن التعامل أو فن التأثير على الناس، حتى على المستوى والمحيط الصغير، كتأثير الوالد في ولده أو المعلم في تلميذه أو المدير في موظفيه. فإن كنا نعجز عن ذلك فكيف سنؤثر في المجتمع الأكبر وفي العالم؟!
3-  أزمة استشعار: أي استشعار ثقل القيادة ومسؤوليتها، فالقيادة غُرم لا غنم. وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول واصفاً حاله منذ أصبح خليفةً: فو الله ما أستطيع أن أصلي وما أستطيع أن أرقد، وإني لأفتح السورة فما أدري في أولها أنا أو في آخرها من همّي بالناس منذ جاءني هذا الخبر. (تاريخ عمر لابن الجوزي). ولم يفارق هذا الهم عمر رضي الله عنه حتى وفاته.
يقول سعيد بن المسيب إن عمر رضوان الله عليه جمع كومة من بطحاء (تراب) وألقى عليها طرف ثوبه ثم استلقى عليها ورفع يديه إلى السماء وقال: اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط.
فنحن حين فقدنا الاستشعار بالمسؤولية وأمانتها جاء حب الدنيا والمناصب والزعامات والتطاحن من أجلها، وعندها عطلت الطاقات وتقدم غير ذي الكفاءة على الكفؤ، وخسرنا الدنيا والآخرة.
4- أزمة ضعف أداء القائد: وهي من الأزمات التي تمر بها المنظمات والمؤسسات بشكل عام وأعراض هذه الأزمة وآثارها منعكسة على كل المستويات. وهي مشكلة ضعف نفسي داخلي، أي ضعف معرفتنا بأنفسنا ومعرفة هويتنا ومعرفتنا بربنا سبحانه وتعالى.

لماذا علينا أن نكون قادة !؟
في سلسلة المقالات القادمة، تستوقفنا مواضيع هامة نراها على رأس سلم أولويات الجيل القادم، ولأننا نؤمن بأن الجيل الجديد هو المعوّل عليه في بناء لحضارة ونهضة الأمة، فإنه كان لزاماً علينا تقديم كل ما يساند هذا الجيل من أفكار وأسس، وتدعيم هذه الحضارة القادمة ودقِّ أوتاد ثباتها وقوتها.? ولما كانت الأمة بحاجة إلى قيادات من الطراز الأول، يخرجونها من حالة التقزّم، ويرتفعون بها من درك الانحطاط، وجدنا أن موضوع القيادة هو أهم ما يجب الاهتمام في وقتنا الحالي، فكيف نبني من الجيل قيادات رائعة للأمة!؟
إن التعريف المختصر للقيادة هو: "عملية تحريك الناس نحو الهدف"، وسواء كان هذا الهدف دنيوياً أو أخروياً، فإنه لابد أن تكون للقائد صفات مميزة تؤهله ليكون على رأس هرم الجماعة، والسراج المنير لمسيرتها حتى تصل إلى هدفها المنشود. وبهذا المعنى يصبح رب الأسرة هو قائدها ليكون أولاده صالحين فاعلين، وكذلك يصبح رئيس المؤسسة هو المسؤول عن تسيير شؤونها لما فيه نجاحها، والمعلم مسؤول عن طلابه. وهكذا ينمو المجتمع كوحدة متكاملة، وروح منسجمة.
أهمية القيادة
إن عملية القيادة ووجود القائد الجيد على رأس عمله أمر غاية في الأهمية، بل نكاد نقول إن جزءاً كبيراً من تخلف الأمة في شتى الميادين بما فيها العلمية والتجارية والاقتصادية يرجع لعدم وجود ما يكفي من القادة في منظماتنا ومؤسساتنا الاقتصادية والتجارية. إذ كيف تبحر السفينة بدون ربان وكيف تصل دون تخطيط ودراسة للطريق الذي تسلكه وحالة البحر وما إلى ذلك.

فالقيادة لا بد منها حتى تترتب الحياة، ويُقام العدل، ويُحال دون أن يأكل القوي الضعيف. والقيادة هي التي تنظم طاقات العاملين وجهودهم لتنصب في إطار خطط المنظمة بما يحقق الأهداف المستقبلية لها ويضمن نجاحها. كما يعمل القائد بشكل دائم على تدعيم السلوك الإيجابي للأفراد والمجتمعات، وإنه يبذل قصارى جهده لتقليل السلوك السلبي، موجداً بذلك مناخاً أفضل للعمل والإنتاج الهادف، ثم إن على القائد أن لا يُستهلك بالتعامل مع الأمور اليومية والروتينية، بل إن أهم عمل له هو استشراف المستقبل، ووضع الخطط المستقبلية وتطويرها، وحل أي مشكلات مستقبلية متوقعة قد يواجهها.
كما أن على القائد الناجح والمؤثر في منظمة ما، أن يستشف التغييرات الآتية في المجتمع الذي تعمل فيه المنظمة ويواكبها، ويساعد المنظمة على التأقلم معها والاستفادة منها ما استطاعت. ومن أجل تهيئة المنظمة لمواكبة التغييرات يحتاج القائد إلى تنمية قدارات الموظفين والعاملين ورعايتهم من خلال البرامج التدريبية المستمرة التي تلائم احتياجات هذه المنظمة والعاملين فيها، وترفع من قدراتهم وإمكانياتهم.
ولكننا لا نستطيع إغفال الحقيقة المهمة، وهي أن غالبية الناس يعيشون اليوم دون أن يفكروا في التخطيط للقيادة والارتقاء بالنفس إلى مراتب القياديين. وكيف نلومهم وهم غارقون في البحث عن الاحتياجات الضرورية وكيفية تأمينها لأطفالهم؟!? لقد وافق الإنسان على حمل أمانة عظيمة هي قيادة الكون حين كلّفه الله بها، ورفضت السماوات والأرض والجبال تحملها، إن هذه المهمة الثقيلة تدعوه ليتفكر كثيراً في كونه قائداً مكلفاً من قبل رب العالمين تعالى، ومن ثم يقوم بدوره في القيادي في عمارة الأرض وإصلاحها.
وللحديث بقية..

معايير تولي القيادة
كيف نختار من نوليه مسؤولية القيادة أو الإمارة؟ وهل تعطى لمن يطلبها أم تمنع عنه؟
يقصد من يطلب الإمارة أو القيادة في مؤسسة ما أو في المجتمع عامة أمراً من إثنين:
الأول: أن يستفيد من منصبه هذا في الحصول على الجاه والمال والتحكم في العباد، وهذا مذموم لا يقره شرع ولا ناس. وقد يكون الشخص مستقيماً لكنه لأسباب أخرى لا يصلح لتحمل المسؤولية.
وفي حالة الرغبة في الاستفادة من المنصب ننظر في الحديث التالي:
عن أبي موسى قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من بني عمي فقال أحد الرجلين: يا رسول الله أمرنا على بعض ما ولاك الله عز وجل. وقال الآخر مثل ذلك، فقال: "إنا والله لا نولي على هذا العمل أحداً سأله ولا أحداً حرص عليه". أخرجه مسلم.
من هنا يتبين لنا أن الطامع في المنصب لا يعطى إياه لأنه في الغالب سيسيء استخدامه ويؤذي المؤسسة أو الجهاز الذي يديره، فهو ليس مخلصاً للمنظمة ولا يهمه مصلحتها ونجاحها بقدر ما يهمه استغلالها في تعظيم مكانته وأمواله على حسابها.
أما الشخص الذي لا يصلح مع كونه مخلصاً فلنا في أبي ذر الغفاري خير مثال عليه. عن أبي ذر قال: قلت يا رسول الله: ألا تستعملني؟ قال: "إنك ضعيف وإنها أمانة. وإنها يوم القيامة لخزي وندامة. إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها". أخرجه مسلم. فهذا أبو ذر الصحابي الجليل المخلص لدين الله وللرسول عليه الصلاة والسلام تمنع عنه الولاية ليس لشك في إخلاصه وولاءه ولكن لضعف في شخصيته قد لا يتيح له القيام بواجبات الولاية كما ينبغي فتكون خزى وندامة له يوم الحساب.
الثاني: أن يطلب الشخص القيادة أو تولي الإدارة لأنه لا يوجد من هو أكثر أهلية للقيام بها. ولأنه يخشى إذا تولاها غيره أن لا يحسنها، والطلب بهذه النية أمر مثاب مأجور ومعان عليه إن شاء الله. والأدلة على ذلك كثيرة نذكر منها طلب يوسف عليه السلام للولاية لا طمعاً فيها ولكن لمعرفته بأنه أفضل من يقوم بها في ذلك الزمان والمكان. (قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) يوسف (55). فكان الطلب هنا مرتبطاً بالحفاظ على الأمانة والعلم بالأمر وكيفية تصريفه -أي الكفاءة بلغة عصرنا. إذ أدرك عليه السلام أنه ليس هناك من هو مثله في العدل والإصلاح وتوصيل الحقوق إلى الفقراء والمحتاجين.
كما أن الرسول عليه الصلاة والسلام ولى الصدائي الآتي من اليمن الولاية عندما طلبها على قومه لما رآه من كفاءته وصلاحه.
وهكذا نخلص إلى أن من الممكن أن يعين طالب الإدارة أو القيادة والساعي لها في المنصب الذي يطلبه إذا كان مخلصاً أميناً وقوياً وكفؤاُ ومتميزاً عن المنافسين له في تولي نفس المنصب.






بين القيادة والإدارة
يخلط الكثير بين مصطلحي القيادة والإدارة ويعتبرونهما وجهان لعملة واحدة. لكن المصطلحين مختلفان تماماً في الحقيقة. فالقائد يمكن أن يكون مديراً أيضاً ولكن ليس كل مدير يصلح قائداً. فما هو الفرق بين القيادة والإدارة؟
القيادة: تركز القيادة على العلاقات الإنسانية وتهتم بالمستقبل. ومن هنا تحرص على عدم الخوض إلا في المهم من الأمور. وتهتم القيادة بالرؤية والتوجهات الاستراتيجية وتمارس أسلوب القدوة والتدريب.
الإدارة: تركز الإدارة، على النقيض من القيادة، على الإنجاز والأداء في الوقت الحاضر. ومن هنا فهي تركز على المعايير وحل المشكلات وإتقان الأداء والاهتمام باللوائح والنظم واستعمال السلطة. كما تهتم بالنتائج الآنية مثل كم ربحنا، وكم بعنا، وما إلى ذلك؟
والحقيقة أن كلا الأمرين مهم. فالقيادة بدون إدارة تجعلنا نعيش في عالم التخطيط للمستقبل، مع إهمال الإنجاز الفوري الذي نحتاج إليه كي نصل لأهدافنا المستقبلية. والإدارة وحدها تجعلنا لا نرى سوى مشاكلنا اليومية التي تستغرقنا فلا يتاح لنا الوقت للتفكير والتخطيط للغد. إنها تجعلنا نبتعد عن الأهداف البعيدة والصورة الكلية وربطها بالقيم والمبادئ. وقد ننسى في فورة اهتمامنا الطاغي بالانتاج والإتقان والجودة أننا نتعامل مع بشر لهم أحاسيسهم وحقوقهم واحتياجاتهم.
نحن نعلم أن الإنسان يمكن أن يتعلم علم الإدارة. فهو يدرس في الجامعات والمعاهد وهناك العديد من المتخصصين الذين يقدمون الدورات المتميزة فيه. ولكن هل يمكن تعلم فن القيادة؟ حيّر هذا السؤال العالم، واختلف فيه الباحثون والدارسون، فمنهم من يرى أنها موهبة فطرية تولد مع الشخص. ومن هؤلاء "وارين بينيس" الذي يقول: إنك لا تستطيع تعلم القيادة، القيادة شخصية وحكمة وهما شيئان لا يمكنك تعليمهما. ومنهم من يرى أنها كأي مهارة أخرى يمكن أن تكتسب. فيقول "بيتر دركر": يجب أن تتعلم القيادة، وباستطاعتك أن تتعلمها.
إننا نعتقد أن القيادة تنقسم إلى جزأين، جزء يمكن تعلمه وإتقانه وجزء يجب أن يكون موجوداً بالفطرة في الشخص، وبدون هذين الجزأين لا يمكن أن تكتمل شخصية القائد ونجاحه كقائد.
أما الجزء الذي يمكن تعلمه فهو ما يتعلق بمهارات التواصل والتخاطب، والنظريات الاستراتيجية والأساليب القيادية المختلفة. وكلها أمور يمكن تعلمها في المعاهد والمراكز والجامعات في دورات تطول أو تقصر.
لكن الجزء الذي لا يعلم ولا يمكن اكتسابه بشكل مصطنع هو المتعلق بالمشاعر والعاطفة وسرعة البديهة والاهتمام بمن حولك. وهي صفات تصنع القائد وتحبب الناس فيه فيسهل عليهم اتباعه. يقول الله تعالى (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك).
وهكذا فإن من لديه هذه الصفات يستطيع أن يتعلم المهارات الأخرى عبر التدريب والتعليم والتوجيه وصقل المهارات.
وبصفة عامة فإن القيادة تتعلق بشخصية الإنسان ككل. وهي بروز الشخصية القيادية الحقيقية، وهذا أمر يحتاج إلى الكثير من الوقت والصبر، إذ أن الشخصية القيادية لا يمكن أن توجد وتدرب وتصقل وتكتسب الخبرة اللازمة للقيادة في يوم وليلة، بل هي عملية تأخذ سنوات من العمر.



استشراف المستقبل
ذكرنا في العدد الماضي أن من مهمات القيادة الرئيسية التركيز على الرؤية والتوجهات الاستراتيجية والاهتمام بالمستقبل. وقد اهتم الغرب كثيراً بعملية التخطيط واستشراف المستقبل وكان هذا أحد أسباب نجاحه في السيادة والتقدم على باقي الشعوب والأمم.
تشير الدراسات إلى أن الرؤية الجيدة للمستقبل يجب أن يتوفر فيها بعض الصفات نذكر فيما يلي أهمها:
1- توضيح صورة المستقبل المنشود: إن من أهم ما يقوم به القائد هو أن يضع الأهداف الذي يسعى لتحقيقها ويرسم لأتباعه صورة المستقبل الذي يريد الوصول بهم إليه. فهو يبلور الرؤية والأهداف السامية ويشحنهم بالرغبة في تحقيق هذه الأهداف والوصول إلى هذه الغايات. ولا فرق هنا بين أن تكون هذه الرؤية لفتح أسواق جديدة أمام الشركة والانتشار عبر الحدود أو لبناء مجتمع جديد تسود فيه العدالة والمساواة والحرية.
2- استشراف المستقبل: الرؤية المستقبلية الواضحة هي التي تحفز الإنسان على الاستمرار في السير نحو الهدف رغم الصعوبات. فهذا نوح عليه السلام أمضى ألف سنة إلا خمسين يدعو قومه، وحين رأى بحكمته ونفاذ بصيرته أن لا فائدة ترجى منهم دعا على قومه قائلاً (إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفارا). نوح (27). كانت الرؤية المستقبلية واضحة عند نوح عليه السلام لذا كان القرار بالدعاء عليهم سهلاً وحكيماً، واستجاب الله عز وجل لدعائه. والمثل المشابه والمعاكس هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم لملك الجبال الذي أراد أن يطبق الأخشبين على أهل الطائف: "بل أرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً". أخرجه مسلم. إن استشراف المستقبل يحتاج لنفاذ بصيرة وبعد نظر وتقدير كل الاحتمالات والاستعداد لأسوأها.
3- وضوح الهدف وتحفيزه للناس: إن من أبرز الأزمات التي يعاني منها الإنسان المعاصر عجزه عن تحديد الغاية النهائية لأنشطة البشر. فالغرب لا يدرك هذه الغاية لبعده عن الدين. والمسلمون ضاعوا في زحمة المشاغل اليومية والبعد عن الدين، فأصبحنا نعيش في غفلة عن دورنا في هذه الحياة. إن غاية وجودنا في هذا الكون هي (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون). الذاريات (56). لكن تطاول الأمد على الكثير منا، وتشعب الدنيا في القلوب أدى إلى نسيان الكثير منا لهذه الغاية. فلو راعى القائد الله في نفسه ورعيته ورسم من الأهداف ما يتوافق مع أوامر الله عز وجل لكان النجاح حليفه. وبالمثل لو وضع المدير والمسؤول هذه الغاية أمام عينه لراعى الله في أحكام البيع والشراء وحقوق العاملين، مما يوجد ولاءً وإخلاصاً لديهم ولدى المتعاملين معهم يقود المنظمة بالتالي إلى تحقيق أهدافها والنجاح والربح والازدهار.
4- التحلي بروح التفاؤل والصبر: على القائد أن يتفاءل بإمكانية تحقيق الأهداف التي يضعها ويبث روح التفاؤل هذه بين أتباعه. والتخطيط للمستقبل يتطلب الصبر وعدم التعجل في تحقيق الهدف، فالأهداف بعيدة المدى لن تتحقق بين ليلة وضحاها. ويحكى أن كسرى أنو شروان مر بفلاح عجوز يزرع شجرة فقال له: كيف تتعب نفسك في غرس شجرة لن تنال من ثمارها أي شيء. فأجاب الفلاح: لقد غرس لنا من قبلنا فأكلنا، ونغرس لمن بعدنا ليأكلوا. إن ما نعمله اليوم لرفعة الأمة والدين قد لا يؤتي ثماره في حياتنا، ولكن الأكيد هو أنه لن يضيع هباءً بل ستحصد ثماره الأجيال القادمة. إن المسلم الحق لا يكون إلا مستقبلياً.



النظرة إلى القائد
لكل قائد أتباع، ويشكل الأتباع المخلصون الوجه المكمل للقائد. إذ من دونهم لا يستطيع القائد تنفيذ مخططاته وتحقيق الأهداف المستقبلية. ويسبق وجود القائد وجود الأتباع في العادة، بل هو يصنعهم. فالقائد هو الذي يشكل الأتباع، وإن كان يراعي ظروفهم والقيم والمبادئ التي يحملونها ويرفعهم برفق إلى مستواه أو مستوى المهمة.
يميل الناس إلى ربط النجاح والفشل بشخص القائد، لأن ذلك أسهل من ربطهم بمجموعة معقدة من الظروف والأحداث. وعلى الذي يرغب في قيادة الناس أن يراعي هذه النظرة ويفهم انطباعاتهم ويتصرف واضعاً في حساباته توقعات الناس والأتباع. ومما يدل على وجوب ذلك قصة شكوى أهل الكوفة من سعد بن أبي الوقاص. إذ شكا أهل الكوفة سعداً لعمر بن الخطاب، رضي الله عنهما. فأرسل عمر إلى سعد فأتاه. ولم يكتف عمر بالاستماع إلى رد سعد، رغم قناعته الشخصية به. إنه أمام شكوى من الناس وما يلزم هو إقناع الناس. أرسل عمر لجنة لتقصي الحقائق. لم تذهب هذه اللجنة إلى مقابلة أعيان البلد وأثريائها بل وقفت تراقب وتتقصى الحقائق في المساجد والأسواق. من هنا نستنتج أن القائد الذي لا يراعي انطباعات الناس وطريقة تفكيرهم ستكون قدرته على إحداث التغييرات المطلوبة في المنظمة ضعيفة، إن لم يفقد قيادته أصلاً.
يكون لكل إنسان تصوره الخاص عن القيادة وشخصية القائد، بل يتخيل حتى شكل القائد وتصرفاته وطريقة حياته. وتشير الدراسات إلى أن الناس يعتمدون على هذه التصورات في تحديد مدى نجاح المنظمة أو تكوين انطباعهم الأولي حول مدى فرصة نجاح شخص ما في قيادتهم. ولذلك نجد أن الكثيرين يحكمون على أداء قائدهم بناءً على تصرفاته وشكله وكلامه وحركاته بدلاً من الحكم عليه بناءً على قدرته على التخطيط وتحقيقه للأهداف التي يرسمها لأتباعه. وفي هذا التصرف خطأ كبير، فقد يحب الناس قائداً لم يحقق لهم شيئاً لمجرد أنه جميل المنظر حلو اللسان. وقد ينفر الناس من قائد فذ حقق الكثير الكثير من الإنجازات المثبتة لمجرد أنه لم يكن طويلاً أو حسن المظهر.
لماذا يتصرف الناس بهذه الطريقة؟ أحد الأسباب هو الاستعجال في الحكم. فالإنسان بطبعه غير صبور، ونتائج المخططات والأهداف المستقبلية التي يضعها القادة لا تتجسد على أرض الواقع إلا بعد مضي وقت طويل. وبالتالي يلجأ الناس إلى الانطباعات لتكوين حكم سريع على القائد وفعاليته. فإذا اتفقت حقيقة القائد مع الصورة التي في أذهانهم يعطونه الثقة ويتبعونه راضين. ورغم ما قد نظن من خطأ هذه النظرة إلا أنها طبيعة بشرية لا نستطيع تغييرها. لذا فالإسلام يراعي مثل هذه النظرة، ولذلك كان النبي عليه الصلاة والسلام والخلفاء الراشدون من بعده يختارون السفراء من بين الصحابة أصحاب الشكل الجميل والمظهر الحسن. ومن ذلك إرسال النبي صلى الله عليه وسلم دحية الكلبي إلى هرقل.
وفي النهاية نقول إن التاريخ أثبت أن أشخاصاً ليسوا بهذه المواصفات كانوا من القادة الأفذاذ كأبي بكر وعمر بي الخطاب ونابليون وغيرهم.







دور القائد في النجاح
تحدثنا في العدد الماضي عن نظرة الناس إلى القائد وكيف أن الكثيرين يحكمون على أداء القائد بناءً على تصرفاته وشكله بدلاً من الحكم عليه بناءً على قدرته على التخطيط وتحقيقه للأهداف التي يرسمها لأتباعه. وقلنا إن الناس قد تحب قائداً لم يحقق لهم شيئاً لمجرد أنه جميل المنظر حلو اللسان. وقد ينفر الناس من قائد فذ حقق الكثير من الإنجازات لمجرد أنه لم يكن طويلاً أو حسن المظهر.
ولكن ما هو الدور الحقيقي الذي يلعبه القائد في النجاح أو الفشل؟ وهل يتحمل القائد وحده مسؤولية قراراته أم أن للظروف المحيطة به دور قد يعجز هو عن التحكم به؟
لقد طبع الناس على محاولة ربط الأحداث حولهم بأسباب محددة. حيث أن ذلك يساعدهم في تفسير هذه الأحداث واستقراء المستقبل كذلك. وفي هذا تحميل مسؤولية للقائد أكثر مما يحتمل. فالقائد عنصر من عناصر النجاح أو الفشل بلا شك، وهو مسؤول عن اتخاذ القرار وتحمل مسؤولية وعواقب قراراته، لكنه يبقى مجرد عنصر من مجموعة عناصر. فرب قائد اتخذ قراراً سليماً ولكن الأتباع نفذوه بشكل خاطئ ففشل الأمر. ومن ذلك تخطيط الرسول عليه الصلاة والسلام لغزوة أحد وأمره للرماة بأن لا يتزحزحوا عن موقعهم مهما حصل. فهنا اتخذ الرسول القائد صلى الله عليه وسلم قراراً سليماً، ولكن مخالفة الأتباع (الرماة) للأوامر وعدم انضباطهم كان سبباً في هزيمة المسلمين.
ومن الطبيعة البشرية كذلك تبسيط الأمور المعقدة كمحاولة ربط النجاح والفشل بالقائد فقط بدلاً من النظر إلى مجموعة العوامل المحيطة به والتي تؤدي بمجموعها إلى النجاح أو الفشل. وبالتالي فإننا نعتبر القائد ناجحاً عندما تنجح المنظمة التي يقودها حتى لو كان النجاح سببه ظروف خارجية أو خطوات اتخذها من سبقه وجاء الآن وقت إثمارها، وكذلك الحال بالنسبة للومه على الفشل. ويغفل الناس عن دور وجهد العاملين مع هذا القائد وخبراتهم وربما تضحياتهم في سبيل تحقيق النجاح والوصول للهدف.
وقد تصيب هذه النظرة بعض القادة بالغرور، وهو أمر يساهم الأتباع في إيجاده عندما ينسبون كل نجاح له، وينسبون الفشل لغيره. والإسلام على عكس ذلك يأمر القائد والناس عامة بالتواضع، ويذكرنا دوماً بأهمية كل فرد في الجماعة. وفي قصة حصار مسلمة بن عبد الملك للحصن موعظة لنا جميعاً. إذ حاصر مسلمة حصناً فندب الناس إلى نقب ?أي فتحة في الجدار- منه. فما دخله أحد، فجاء رجل من وسط الجيش فدخل ففتحه الله عليهم. فنادى مسلمة: أين صاحب النقب؟ فما جاء أحد. فنادى: إني أمرت الإذن بإدخاله بأي ساعة يأتي، فعزمت عليه ألا جاء. فجاء رجل فقال: استأذن لي على الأمير. فقال له: أنت صاحب النقب؟ قال: أنا أخبركم عنه. فأتى مسلمة فأذن له، فقال له: إن صاحب النقب يأخذ عليكم ثلاثاً:
ألا تسودوا اسمه في صحيفة إلى الخليفة.
ولا تأمروا له بشيء.
ولا تسألوه ممن هو؟ قال مسلمة: فذلك له. قال: أنا هو.
فكان مسلمة لا يصلي بعدها صلاة إلا قال: اللهم اجعلني مع صاحب النقب.
وهكذا فإن نسبة النجاح إلى أصحابه لا يعيب القائد بل يرفع من مكانته لدى أتباعه والعاملين معه ويشجعهم على التفاني في تنفيذ خططه والإبداع في تحقيق الأهداف، وهذه هي الثقافة التي يجب أن يسعى كل قائد من أجل زرعها في منظمته وبين أعضائها.

هل يخرج الإسلام قادة أم أتباعاً؟
يكثر الحديث اليوم حول دور الإسلام في صقل الشخصيات. وفي عصر التردي والوهن يصبح مثل هذا الحديث من قبل المغرضين مدخلاً للنيل من هذا الدين العظيم. فهل يخرج الإسلام قادة أم أنه يخرج أتباعاً فقط؟
الذي يظهر لنا هو أن الإسلام منهج مبني على العقيدة والقيم، فهو يوجه الإنسان إلى حقيقة الحياة والعقيدة السليمة والسلوك القويم. أما القيادة فقد سبق أن ذكرنا أنها قدرة شخصية توجد لدى الإنسان بغض النظر عن دينه. وسنوضح فيما يلي ما نقصده بذلك.
يقول النبي عليه الصلاة والسلام: إنما الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة. رواه البخاري. والراحلة هي الناقة القوية سريعة السير، نادرة الوجود في الإبل. وكذلك العنصر القيادي في الناس، لا تجده إلا بحدود ضئيلة. وبالنظر العميق إلى السيرة البنوية الشريفة نجد أن عدد الصحابة رضوان الله عليهم الذين بقي لهم ذكر في التاريخ، هو حوالي ألفان وخمسمائة فقط، بينما زاد عدد الذين حضروا حجة الوداع عن مائة ألف شخص. كما نجد من بين الذين ارتدوا بعد وفاة الرسول من كان قائداً قبل إسلامه وأثناء ردته وبعد عودته للإسلام مثل عمرو بن معدي كرب وطليحة الأسدي وغيرهم.
وبالمقابل نجد أن بعض أتقى الصحابة كأبي ذر رضي الله عنه لا ينطبق عليه تعريف القيادة ولم يتول الإمارة أبداً. ورغم أن أبا ذر كانت لديه القدرة على الدعوة وهداية الناس إلا أن ذلك لم يمكنه من القيادة. ولعل هذا يوضح لنا الفرق بين القدرة الفعالة على الدعوة (الداعية الناجح) وبين القدرة على القيادة (القائد الناجح). إن هناك ولا شك من يحسن الدعوة ولا يحسن القيادة وهناك من يحسن القيادة ولا يحسن الدعوة. وكلاهما تحتاجه الأمة.

لقد أخرج النبي عليه الصلاة والسلام قادة وجنوداً، كل حسب ما حباه الله به من قدرات وإمكانيات يسخرها في سبيل الله. ويمكننا تقسيم المسلمين الموجودين في عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلى ثلاثة أصناف هي:
1. الذين توفرت لديهم القدرات القيادية قبل إسلامهم، واستمرت لديهم بعد الإسلام وساهم الإسلام بصقلها وتوجيهها وتهذيبها وتنميتها مثل عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وسعد بن أبي وقاص وعكرمة بن أبي جهل وغيرهم.
2. الذين لم تتوفر لديهم هذه القدرات القيادية. وهؤلاء وجههم الرسول عليه الصلاة والسلام إلى ما يحسنون عمله مثل الدعوة أو العلم أو المجالات الأخرى التي أبدعوا فيها مثل أبي ذر وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما.
3. الذين ولدوا ونشأوا في الإسلام. ومنهم من نشأ في المدينة المنورة وتعامل مع النبي صلى الله عليه وسلم بشكل مباشر فوجهه الرسول عليه الصلاة والسلام توجيهاً قيادياً فأصبحوا قادة في الكبر. ومنهم الحسن والحسين وعبد الله بن الزبير. في حين برز ابن العباس كعالم وداعية.

لقد صنع النبي صلى الله عليه وسلم قادة من أولئك الذين كانت لديهم القدرات القيادية أصلاً. أما الذي لم يحبوه الله بهذه القدرات فلم يتغير ولكن تم توجيه نشاطه إلى ما هو متميز في عمله وإنجازه. وكان اهتمام الرسول ببعض الأطفال وتوجيهه لهم عاملاً هاماً في تنمية المواهب القيادية لديهم بحيث أصبح معظمهم قادة بارزين يحظون باحترام الأتباع.

أهمية الأتباع ونوعيتهم
تحدثنا في الأسابيع الماضية عن القادة وشروط القيادة الناجحة وصفات القائد. وسنتحدث اليوم عن الوجه الآخر للعملة، عن الأتباع. وقد يقول قائل إن القائد هو الذي يشكل الأتباع ويجمعهم، وهذا صحيح. ولكن القائد يؤثر بعد ذلك في أتباعه سلباً أو إيجاباً حسب تعامله معهم ووفقاً لما يرسيه بينهم من قواعد للتعامل.
إن أهمية الأتباع ونوعيتهم وصفاتهم من الأمور التي يغفل عنها الكثير من الناس والقيادات، وذلك من أسباب ضعف القيادات لدينا في العصر الحالي. فما هي الصفات التي يسهم تواجدها في الأتباع من تعزيز قدرة القائد وتساهم في إنجاح مقاصده؟
لا يمكن لقائد أن يتميز من دون أن يكون لديه أتباع مميزين، وذلك لأن الأتباع هم المسؤولون عن تنفيذ ما يضعه القائد من خطط للوصول للهدف. فإذا كان الأتباع عاجزون عن تنفيذ الخطة التي أبدع القائد في وضعها تكون النتيجة فشلاً ذريعاً للقائد وللهدف. ولنا في قصة غزوة أحد عبرة. فالنبي عليه الصلاة والسلام وضع خطة محكمة انتصر المسلمون بفعلها في الجزء الأول من المعركة لأنهم اتبعوها وطبقوها. أما عندما خالف جزء من المسلمين هذه الخطة فكانت النتيجة هزيمة مرة وقاسية.
وتعتمد المؤسسات في أغلب الأحيان نظاماً مركزياً لا يهتم بالأتباع والموظفين ذوي الكفاءات العالية. ويلجأ بعض الأشخاص في المراكز العليا إلى توظيف من هم أقل منهم كفاءة وقدرة خشية أن يأخذ من هو أفضل منهم مكانهم، متناسين أن مهمة المدير أو المسؤول هي البحث عن أفضل الكفاءات والخبرات وضمها لفريق العمل كي تحقق المؤسسة أفضل النتائج. كما أن فريق العمل القوي يستطيع أن يرتقي بمديره إلى مراكز أعلى في المؤسسة بسبب إنجازات الفريق وإدارته.

الشروط التي ينبغي توفرها في الأتباع:
1. على الأتباع أن يتفكروا في منهج القائد وتوجيهاته وأوامره ويحللوها ليتأكدوا من توافقها مع القيم والمبادئ الصحيحة. فلا يكونوا إمعات يتبعون القائد دون تفكير ويطيعونه طاعة عمياء. ويدل على ذلك موقف عمر بن الخطاب وسؤاله للنبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية: ألست نبي الله حقاً؟ قال الرسول: بلى. قال عمر: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى. فقال عمر: علام نعطي الدنية في ديننا إذاً ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبين أعدائنا؟ فقال عليه الصلاة والسلام: إني رسول الله وهو ناصري ولست أعصيه. ثم علم أنه الحق. (زاد المعاد).
2. على الأتباع تصحيح مسار القائد إن انحرف عن الرؤية أو القيم أو المبادئ التي أتبعوه من أجلها. وبهذه الطريقة نتفادى ما نراه اليوم من خروج القادة بعد فترة من إطار المبادئ والأهداف التي على أساسها اتبعهم الناس. فإما أن يصحح القائد مساره أو يفقد أتباعه أو يختارون غيره ليكمل المسيرة. وذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول بعد أن بويع بالخلافة: إن أحسنت فأعينونني، وإن أخطأت فقوموني. فقام له رجل وقال: سنقومك بسيوفنا هذه يا عمر. فقال عمر: الحمد لله الذي جعل في أمة عمر من يقوم اعوجاجه بالسيف. فهنا نرى تصميم الأتباع على تصحيح المسار إن انحرف، ونرى تقبل القائد لذلك وسعادته بمثل هؤلاء الأتباع.
3. على الأتباع امتلاك روح المبادرة واتخاذ الإجراءات الصحيحة وعدم انتظار تلقي الأوامر فقط. ويتم ذلك انطلاقاً من فهمهم للمنهج والخطة والرؤية والقيم التي يسيرون عليها مع قائدهم.


مستويات القيادة الوسطى
بعد أن تحدثنا عن القادة والأتباع أصبح لزاماً أن نتحدث عن القيادة الوسطى التي غالباً ما تهمل أو يتم تجاهلها من قبل المفكرين والدارسين. إن القيادة مستويات ودرجات. ففي العمل السياسي الإسلامي الأول هناك الخليفة ثم الوالي ويليه العمال وهكذا. كما يوجد في الشركات مستويات مختلفة من الإدارة، بدءاً من رئيس مجلس الإدارة ومروراً بالمدير العام وانتهاءً بمديري الأقسام والدوائر.
ويعتبر هؤلاء جميعهم قادة وإن تفاوتت درجاتهم. فكل منهم قائد بالنسبة لمن تحته وتابع لمن هو أعلى منه. ودور كل من هؤلاء أن يقود من هم تحت سلطته نحو الهدف المشترك للمنظمة.
ويجب أن يختلف تعامل القادة مع أتباعهم من الدرجات القيادية الوسطى عن تعاملهم مع باقي الأتباع أو الجنود. لأن هؤلاء بطبيعتهم قادة لا جنود وهم بحاجة لمعاملة خاصة تشعرهم بمكانتهم وتحفزهم على قيادة أتباعهم وتعبئتهم باتجاه تحقيق الأهداف المنشودة.
ومن أبرز خصوصيات التعامل مع قادة المراتب الوسطى ما يلي:
أولاً: توجيههم عبر الإقناع والحوار وإعطائهم الفرصة الكافية للمناقشة وإبداء الرأي وحتى حق الاعتراض والتعديل على الخطط والأهداف. فإذا اقتنعوا بالأهداف والخطط وتبنوها أصبح من السهل ضمان حسن التنفيذ وإقناع كل منهم لمن تحته من الموظفين والعاملين.

ثانياً: إعطائهم مكانة معنوية خاصة لا تمنح لغيرهم كمناصب معينة أو المشاركة في دائرة خاصة باتخاذ القرار، كي يكون لهم مكانتهم وهيبتهم فيتبعهم من هم أدنى منهم مرتبة. وهذا من ناحية يؤدي إلى تحقيق مبدأ الشورى كونهم يمثلون أهل الحل والعقد في المنظمة، ومن ناحية أخرى يزيد من ولاءهم وإخلاصهم وحماسهم لتنفيذ قرارات وخطط قيادة المؤسسة والدفاع عن صحة هذه الخطط. وقد فعل عمر بن الخطاب هذا عند مقتله عندما حدد مجموعة الشورى في ستة أشخاص تحملوا مسؤولية وأمانة اختيار خليفة وقائد المسلمين.
ثالثاً: منحهم حرية كبيرة في التصرف وإعطائهم صلاحيات واسعة لأداء عملهم وتنفيذ ما وضع من خطط وبرامج تحقق الأهداف والتطلعات التي كانوا جزءاً من عملية وضعها وتقريرها. ويترافق هذا التفويض الواسع مع قيام القائد الأعلى بالتوجيه والإرشاد والمتابعة ضماناً لحسن الأداء وعدم الانحراف عن المسار الذي تم تحديده.
رابعاً: من المفيد أن يخصهم القائد ببعض القضايا والأسرار، أو أن يتعامل معهم بشكل شخصي يرفع الكلفة بينه وبينهم مع المحافظة على هيبة القائد ومكانته. ومن أمثلة ذلك تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم الشخصي والمباشر مع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
خامساً: التجاوز عن صغائر الأخطاء التي لا تقارن بمزاياهم وخدماتهم وعطائهم. ومن ذلك ما حدث من عمر بن الخطاب في قضية القبطي الذي ضربه ابن عمرو بن العاص حيث انتصر عمر للقبطي ولكن دون عزل عمرو بن العاص عن منصبه. أي أن التجاوز عن الأخطاء الصغيرة لا يكون سبباً للفساد ولا ينفي ضرورة العدل بين الناس داخل وخارج المنظمة أو بين الأتباع وغيرهم ولكن دون الإفراط في العقاب، إذ يقدر القائد لكل أمر قدره.


كيف نحفز الأتباع؟
من الضروري أن يتقن القائد عملية تحفيز أتباعه على تنفيذ الخطط وأداء المهام الموكلة إليهم. فعلى قدر نجاح القائد في تحفيز الآخرين يكسب احترامهم وثقتهم ومحبتهم وولاءهم وإنتاجهم.
لكن هذا لا ينفي وجود تفاوت في طبيعة الأفراد من حيث استجابتهم للعوامل التي تؤثر على حافزيتهم أو دافعيتهم للعمل. إذ يختلف الأمر من فرد لأخر ومن مؤسسة لأخرى. فبعض الموظفين يمكن حفزهم عن طريق الألقاب المهنية لأن فينا تحفيز دائم. وبعضهم عن طريق إلهاب الحماس بالرؤيا المستقبلية، فالقيادة في النهاية هي عملية تحريك الناس نحو الهدف. والقائد الفعال يحسن عملية التحريك باستعمال المفتاح المناسب للأتباع. ولذلك نجد النبي عليه الصلاة والسلام يوجه كل شخص من الصحابة رضي الله عنهم إلى ما يناسبه من مهارات وقدرات. وذلك من خلال معرفة المفتاح المناسب له، فيقول صلى الله عليه وسلم: أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأشدهم حياءً عثمان، وأقضاهم علي، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأقرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبي بن كعب، ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح. رواه الترمذي.
وقد استخدم النبي صلى الله عليه وسلم مع كل شخص ما يناسبه من عوامل التحفيز. حتى أنه عليه الصلاة والسلام استعمل الحوافز المادية مع بعضهم كما حصل في توزيع غنائم حنين.
 واستعمل الحوافز المعنوية كما حصل مع جعفر بن أبي طالب عندما قال: ما أدري بأيهما أنا أفرح بفتح خيبر أم بقدوم جعفر. أخرجه الحاكم. كما استخدم عليه الصلاة والسلام الفخر والشهرة مع أبي سفيان في فتح مكة، فقال: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن. البخاري.

وسنعرض فيما يلي لأهم النظريات التي حاولت أن تفسر دوافع الإنسان إلى العمل والإنتاج:
أولاً: نظرية الاحتياجات الإنسانية لماسلو:
تقول هذه النظرية أن الإنسان يتحرك لإشباع خمس حاجات رئيسية لديه هي: تحقيق الذات، التقدير، الاحتياجات الاجتماعية، الأمن والسلامة، والاحتياجات الفيزيولوجية. ويتم إشباع هذه الحاجات على مراحل بحيث يندفع الفرد لإشباع إحداها فإذا فرغ منها وأشبعها انصرف إلى الثانية وهكذا.
وقد وضع ماسلو هذه الاحتياجات في تسلسل هرمي. ويمكن لهرم ماسلو أن يكون أداة مفيدة للمشرفين والقادة في تحليل مصادر الدوافع ومشكلات التحفيز على أن يأخذوا بعين الاعتبار الفروق الفردية بين الناس. وأن يلاحظوا أن الحلول المقترحة لإشباع حاجات معينة قد تختلف بين فرد وأخر.
ثانياً نظرية التوازن لكوفي:
لخصت نظرية التوازن في أربع احتياجات هي الروح والعقل والجسد والعاطفة. ويؤكد كوفي على ضرورة إحداث التوازن في تلبية تلك الاحتياجات تحت شعار أن أعيش وأحب وأتعلم وأترك ورائي أثراً طيباً.
والمفتاح الأساسي لإشباع هذه الحاجات هو التوازن والتفاعل وإعطاء كل ذي حق حقه. كما يذكر كوفي أن لدى الإنسان قدرات أربع هي: إدراك الذات "قوة الشخصية"، الضمير الحي "قوة الإيمان"، الإدارة المستقلة "قوة الاستجابة"، الخيال المبدع "قوة العقل" وأن التوازن مطلوب لها أيضاً.

خماسية التحفيز
تكلمنا في المقال الماضي عن كيفية تحفيز الأتباع والمرؤوسين، وعرضنا لنظريتين من نظريات التحفيز هما نظرية الاحتياجات الإنسانية ونظرية التوازن. ونتابع اليوم حديثنا عن النظرية الثالثة والأهم، وهي خماسية التحفيز. والعوامل الخمسة هي:
أولا: الاستحواذ على القلوب. ويتم ذلك عبر:
1. بلورة رؤية مفجرة للطاقات وصورة مشرقة للمستقبل تكون باعثاً ومحركاً يدفع الإنسان للنهوض مبكراً وترك دفء الفراش والإسراع للعمل.
2. تحقيق الاستقرار العائلي. عندما يلمس الموظف اهتمام مؤسسته باستقراره العائلي من خلال الرعاية والاطمئنان اللازمين، فإن ذلك يشيع البهجة في القلب والرضى مما يجعل الإنسان قادراً على العطاء والإنتاج. ومن أمثلة ذلك سؤال عمر بن الخطاب لابنته حفصة: أي بنية كم تصبر المرأة عن زوجها؟ قالت: شهراً واثنين وثلاثة، وفي الرابع ينفذ الصبر. فجعل ذلك مدة البعث في الجهاد حتى لا يتغيب الرجل أكثر من ذلك عن زوجته.
ثانياً: التلاحم والاندماج بين الإدارة والعاملين. ويتم ذلك عبر:
1. الإصغاء الفعال للآراء والمقترحات المقدمة من الموظفين. كما أن المؤسسات الكبرى تنفق ملايين الدولارات على استطلاعات الرأي كي تصل إلى فهم أعمق لسلوك الزبائن.

2. التواصل المتبادل مع العاملين، بحيث يتيح التواصل المفتوح بين الإدارات تبادل الخبرات والمعلومات بشكل رسمي أو غير رسمي. وقد طبق الرسول عليه الصلاة والسلام هذا في مواقف عدة منها استجابته لمشورة سلمان الفارسي في حفر الخندق.
ثالثاً: إشعار العاملين بملكيتهم للمشروع وشراكتهم فيه. ولذلك أثر كبير على نفس العامل وأدائه. ويتم ذلك عبر:
1. إسقاط الحواجز المعنوية بالتقليل من المستويات الإدارية المتعددة في المنظمة. إن إقفال المسؤولين للأبواب وابتعادهم عن العاملين والأتباع يشعر الموظف بأنه يعمل لحساب الغير، وهو شعور محبط. وقد كان شرط عمر بن الخطاب في التولية "أريد رجلاً إذا كان أميرهم كأنه رجل منهم، وإذا لم يكن أميرهم كان أميرهم".
. الشفافية أو نشر الأسرار. إن إعطاء العامل أسرار المنظمة وإطلاعه على الوضع المادي للمنظمة يشعره بمدى ثقة الإدارة به ويزيد من إحساسه بالمسؤولية تجاهها. مع وجود حالات قد تتطلب الكتمان أو محدودية الإطلاع. فقد كتم الرسول صلى الله عليه وسلم نيته فتح مكة في حين أعلن نيته الهجوم على خيبر وقام بتوزيع الغنائم بشكل علني في حنين.
3. المشاركة في السراء والضراء. إذ لا ينفع أن تكون المشاركة في اتخاذ القرارات ورسم الخطط فقط، وإنما يجب أن يكون الموظف شريكاً في النتائج المادية التي يتم تحقيقها نتيجة لذلك. مما يشعره بالالتزام والشراكة في المنظمة.
وسوف نستكمل في الأسبوع القادم نقاط نظرية خماسية التحفيز بإذن الله.


خماسية التحفيز 2
تكلمنا في المقال الماضي عن ثلاثة عوامل في نظرية خماسية التحفيز. فقد استعرضنا المبدأ الأول وهو الاستحواذ على القلوب إذ أن أعلى مستويات التأثير تأتي من القلب المتحمس للعمل. وكان المبدأ الثاني هو التلاحم والاندماج بين الإدارة والعاملين، وقلنا أن الشعور بالعزلة والاغتراب في العمل يحطم المعنويات وقد يؤدي للإحباط. ثم عرضنا للمبدأ الثالث وهو إشعار العاملين بملكيتهم للمشروع وشراكتهم فيه. وما لذلك من أثر كبير على نفس العامل وأدائه. ونستكمل اليوم نقاط نظرية خماسية التحفيز.
رابعاً: تعزيز التعليم والتدريب، فنحن نحيا في عالم سريع التغيير تتضاعف فيه المعارف والمعلومات وعلينا أن نواكبه حتى لا نتخلف عنه. ويتم ذلك عبر:
1. توفير الأمن الوظيفي، لا الوظيفة الآمنة. فالمؤسسة التي لا تمنح الموظف وظيفة دائمة يشعر أفرادها بالضيق وعدم الاطمئنان، أما المؤسسة التي تعطي الفرصة للموظف لتطوير نفسه وتحسين أدائه فتعطيه الثقة بالنفس وبقدرته على الالتحاق بأي مؤسسة أخرى في حال تركه العمل معها. وانعكاس ذلك على جو العمل والانتاجية سيكون إيجابياً بدون شك.
2. تشجيع التعليم المستمر. وذلك عبر توفير برامج تدريبية منهجية متلاحقة وتوفير منح دراسية للراغبين، إذ أنه "لا يمكن تطوير المؤسسة دون تطوير العاملين فيها". وهذا ما حث عليه المصطفى عليه الصلاة والسلام بقوله: ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة.

خامساً: التمكين وتحرير الفعل. أي منح الموظفين الحرية الحقيقية في تصرفاتهم وأفعالهم والسماح لهم باتخاذ القرارات المناسبة في ضوء سياسات الشركة. وذلك عبر:
1. حرية المحاولة والخطأ. عندما تقدر الإدارة محاولات الموظف في التجريب والإبداع سعياً لتحقيق أهداف المؤسسة يتحول الالتزام إلى تفاني إخلاص شديد. كما أن الناس بشعر بإنسانيتها من جراء خطأهم وصوابهم.
2. تصميم برنامج خاص للتمكين والتحرير. وقد يشمل مثل هذا البرنامج الإعلان شهرياً عن إجراءين أو تصرفين لم يعد من المهم الحصول على توقيع أو موافقة الإدارة عليهما قبل القيام بهما. كما يمكن أن يتضمن البرنامج وضع تحديات أمام العاملين تلهب مشاعرهم وحماسهم بأفكار جديدة يمكن أن تحقق نتائج مذهلة.
ولا يفوتنا أن نلفت النظر إلى أن شخصية القائد وتصرفاته تشكل عامل تحفيز وإلهام لأتباعه إن أحسن استغلالها. ولعل مما يتميز به القائد المسلم عن غيره من القادة ما يلي:
? النية الصالحة الصافية التي تصفي العمل من شوائب الدنيا وأهوائها، فتجعل كل خطوة وكلمة لله سبحانه وتعالى، فهو بالله ولله ومع الله.
? الربط بين العمل الدنيوي والهدف الأخروي، مع الارتفاع والسمو لما عند الله. فهو يقصد وجه الله في كل أعماله.
? الالتزام بقيم الإسلام العظيمة وقواعد الحلال والحرام في المعاملات التجارية ومع من يرأسهم وأمام من هم أعلى منه. فهو يخشى الله في كل أعماله ويلتزم بشرعه ما أمكن.
? الاقتداء بالنموذج القيادي الأعلى محمد عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام ومن سار على نهجهم من التابعين.
















نظريات القيادة
سأتحدث في هذه المقالة والمقالات التالية عن بعض النظريات القيادية المميزة وعن أهم مزاياها وعناصرها. ونبدأ اليوم بنظرية القيادة التحويلية.
إن للقائد في هذه النظرية أربعة مهام رئيسية نلخصها كما يلي:
أولاً: تحديد الرؤية أو صورة المستقبل المنشود. فالقائد يوضح للأتباع الهدف النهائي الذي يسعون لتحقيقه، ويضعه لهم في صورة جميلة للمستقبل المنشود مما يبث فيهم روح التفاؤل ويجعلهم يصمدون أمام المصاعب. وليس بالضرورة أن يشكل القائد هذه الرؤية لوحده بل قد يشاركه الأتباع في ذلك. وقد تتشكل الرؤية لهم من المنهج الذي يحملونه أو ورثوه ممن سبقهم.
وتشير الدراسات إلى أن تشكيل الرؤية هي أهم عناصر القيادة التحويلية. ونجد أن الرسول عليه الصلاة والسلام استخدم أسلوب القيادة التحويلية، إذ كان صلى الله عليه وسلم دائم التذكير بالآخرة وهي الرؤية النهائية للمسلمين. وها هو الرسول القائد عليه الصلاة والسلام يحث المسلمين على الجهاد بقوله: قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض. أخرجه مسلم.
ثانياً: إيصال الرؤية للأتباع. ما قيمة الرؤية مهما كانت رائعة ومرغوبة إذا لم تصل للأتباع بشكل مفهوم وواضح كي يؤمنوا بها؟ إن القائد الفعال هو القادر على إيصال الرؤية للأتباع بطريقة عاطفية مقنعة وواضحة تجعلهم يؤمنون بها ويتحمسون لها ويندفعون للعمل على تحقيقها والتضحية من أجلها.

لذا نجد القادة يستعملون من أمكنهم من فصيح القول (وفي عصرنا هذا وسائل الإعلام والدعاية) من أجل إيضاح الصورة المستقبلية والرؤية المنشودة. وهذا عبد الله بن رواحة في معركة مؤتة يذكر المسلمين بالهدف من قتال العدو فيقول: يا قوم: والله إن الذي تكرهون للذي خرجتم له تطلبون الشهادة. وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، إنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين، إما ظهور أو شهادة. الطبرائي.
ثالثاً: تطبيق الرؤية. فالقائد الذي يسعى للحصول على احترام الأتباع وتفاعلهم معه لا يكتفي بشرح الرؤية بل يعيشها ويطبقها. إذ لم يعد مقبولاً أن يعيش القائد في برج عاجي ويحدث أتباعه عن المستقبل والآمال والأحلام. إن المفروض من القائد أن يعيش بين الأتباع ويتأكد من تطابق كل الأعمال مع هذه الرؤية والقيم والمبادئ.
رابعاً: رفع التزام الأتباع تجاه الرؤية. بعد أن يحدد القائد الرؤية ويوصلها لأتباعه ويطبقها على نفسه تصبح مهمته زيادة التزام أتباعه بها. ويتم ذلك عبر التشجيع والتذكير واشراك الأتباع في تشكيل الرؤية واتخاذ القرار، وعبر كونه القدوة الصالحة التي يكون لها دور كبير في تحفيز الأتباع على الالتزام بالأهداف والرؤى المنظمية.
وتكون القيادة التحويلية أكثر فعالية عند:
? تأسيس المنظمات.
? فترات الانتقال والتغيير والتحول.
? المصائب والكوارث والأزمات.



القيادة الموقفية
تحدثت في المقالة السابقة عن نظرية القيادة التحويلية وذكرت أن للقائد في هذه النظرية أربعة مهام رئيسية لخصتها كما يلي:
تحديد الرؤية أو صورة المستقبل المنشود وإيصال الرؤية للأتباع وتطبيق الرؤية ورفع التزام الأتباع تجاه الرؤية. وقلنا أن القيادة التحويلية تكون أكثر فعالية عند تأسيس المنظمات وفي فترات الانتقال والتغيير والتحول وعند المصائب والكوارث والأزمات.
ونتحدث اليوم في سياق عرض النظريات القيادية عن القيادة الموقفية. وهي نظرية تؤكد أن القائد الذي يصلح لقيادة مرحلة ما حسب ظرف ما، قد لا يصلح لظرف أو مرحلة أخرى. كما تشدد على أن القائد يجب أن يقود الناس حسب إمكانياتهم وشخصياتهم.
فالصديق على سبيل المثال كان أقدر على القيادة من عمر بن الخطاب في موقف الردة حيث قال له عمر: الزم بيتك ومسجدك فإنه لا طاقة لك بقتال العرب. فقال له أبو بكر عبارته المشهورة: إيه يا عمر، أجبار في الجاهلية خوار في الإسلام. والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه.
كما أن القائد الفعال وفقاً لهذه النظرية يستطيع أن يشكل نفسه حسب ما لدى من أمامه من طاقات وقدرات يوجهها نحو الهدف. وهناك دوران رئيسيان للقائد هما توجيه الأتباع وإعطائهم التعليمات، وتشجيع الأتباع وتحفيزهم لأداء الأعمال بأنفسهم ورفع ثقتهم بأنفسهم وإعطاءهم الصلاحيات ومشاركتهم في اتخاذ القرار.
وهناك أربعة أنماط من الأتباع تتحدد حسب درجة الكفاءة والحماس، وباختلاف هذه الأنماط يكيف القائد درجة التوجيه والتشجيع كما يلي:

1. إذا كان التابع متحمساً لكنه قليل الكفاءة فينبغي للقائد زيادة جرعة التوجيه وتخفيف التشجيع.
2. وإذا كان التابع قليل الحماس وقليل الكفاءة فعلى القائد زيادة جرعتي التوجيه والتشجيع.
3. أما إذا كان صاحب كفاءة ولكنه قليل الحماس فهو بحاجة للتشجيع أكثر من التوجيه.
4. فإذا كان صاحب كفاءة ومتحمس وملتزم بشكل كبير فهو بحاجة للتفويض أي القليل من التشجيع والتوجيه مع إعطاءه حرية التصرف.
ونحن نعتبر هذه النظرية من أفضل النظريات، وقد ثبت نجاحها بشكل كبير في أرض الواقع. وفي سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام الكثير مما يثبت صحة النظرية وتطبيقاتها الواقعية.
ومن أكبر الأخطاء التي يمكن للقائد أن يرتكبها أن يحاول قيادة الناس جميعاً بنفس الأسلوب، وأن لا يدرس الأفراد ويقيمهم ليحدد ما يناسبهم من الأنماط. كما أن الخطأ الآخر هو سوء التقييم فيتعامل الوالدان والمدرس مع الشاب في عمر البلوغ مثلاً بصيغة التشجيع مع نسيان التوجيه أو أن يتعامل المدير مع الموظف ذو الكفاءة والخبرة بأسلوب التوجيه بدل التفويض مما يتسبب في تسريب الطاقات وفقدان الكفاءات وهجرة العقول.





نظرية السلوك القيادي
تحدثت في المقالة السابقة عن نظرية القيادة الموقفية وهي نظرية تؤكد أن القائد الذي يصلح لقيادة مرحلة ما حسب ظرف ما، قد لا يصلح لظرف أو مرحلة أخرى. كما تشدد على أن القائد يجب أن يقود الناس حسب إمكانياتهم وشخصياتهم. نتيجة للأبحاث التي قامت بها جامعتا أوهايو متشغن تم التوصل إلى مجموعتين من السلوك القيادي من بين أكثر من 1800 سلوك قيادي.
السلوك الأول: الاهتمام بالناس.
وشملت المجموعة إظهار الثقة المتبادلة والاحترام للأتباع، وإبداء اهتمام حقيقي باحتياجاتهم والرغبة في الاعتناء بشؤونهم. والاستماع لاقتراحات الموظفين وتقديم المساعدة الشخصية لهم ومساندة اهتماماتهم وطموحاتهم، والاهتمام بوضعهم الأسري ومعاملتهم كنظراء لهم.
السلوك الثاني: الاهتمام بالعمل.
وفيه يركز القادة على الإنجاز وإتقان العمل. ويحدد القادة العمليين مهام محددة للموظفين ويوضحوا الواجبات والإجراءات الوظيفية ويتأكدوا من اتباعهم لقوانين الشركة ويدفعونهم للوصول إلى أعلى مستويات الأداء والتنفيذ، ويكونوا حازمين في تطبيق الأوامر.
بعد تحديد هاتان المجموعتان من سلوكيات القادة وجد الباحثون ارتباطاً وثيقاً بين السلوك الأول (القيادة الإنسانية) ووجود درجة عالية من الرضا الوظيفي أكبر ونسب غياب وتذمر واستقالة أقل وارتفاع في الالتزام بالمجموعة. فيما كان السلوك الثاني (القيادة العملية) مرتبطاً بأداء وظيفي أعلى منه عند موظفي القادة الإنسانيين. ومن ناحية أخرى ربط الباحثون السلوك الثاني برضا وظيفي أقل ونسب غياب واستقالة أكبر بين الموظفين. وإن كان هذا الأسلوب يزيد من الإنتاجية ووحدة الفريق وانسجامه.
الأسلوب المفضل
ظن باحثو القيادة السلوكية في البداية أن القيادة الإنسانية والعملية متناقضتان مع بعضهما البعض. وبعبارة أخرى ظنوا أن القائد العملي القوي هو بالضرورة قائد إنساني ضعيف. لكن الباحثين توصلوا فيما بعد إلى أن هذين السلوكين مستقلان عن بعضهما البعض. فبعض الناس أقوياء أو ضعفاء في الأسلوبين، وآخرين أقوياء في أحدهما وضعفاء في الآخر والأغلبية يكونون ما بين ذلك.
ومع تعديل الافتراض ليصبح أن بإمكان القادة أن يكونوا إنسانيين وعمليين في آن واحد افترض علماء القيادة السلوكية أن أكثر القادة فاعلية يمتلكون مستويات عالية من أسلوبي القيادة. وأصبح هذا يعرف بفرضية "هاي-هاي" القيادية. واعتقدوا بأن القادة الفاعلين يجب أن يمتلكوا أسلوب قيادة إنساني قوي وأسلوب قيادة عملي قوي.

وسنكمل مناقشة نظرية السلوك القيادي في الحلقة القادمة بإذن الله.






نظرية السلوك القيادي 2
نتابع في هذه المقالة كلامنا عن نظرية القيادة السلوكية ونناقش النظرية المفضلة في السلوك القيادي. تعتبر نظرية DISC النظرية المفضلة في السلوك القيادي وهي كالتالي:
القائد المسيطر: وهو مؤثر على المدى القصير ومن صفاته السرعة والاهتمام بالعمل قبل أي شيء. أما سلوكه فيتصف بما يلي:
إصدار الأوامر بطريقة مباشرة.
حب البروز.
التمثيل على الناس.
الاهتمام بالعمل أكثر من البشر.
ليس له مكتب.
السرعة وغزارة الإنتاج.
القائد المؤثر: ويكون مؤثراً على المدى البعيد ويتصف بالسرعة والاهتمام بالناس ويكون في الغالب محبوباً بين أتباعه. ويتصف سلوكه بالتالي:
يكره الروتين.
? ليس له مكتب.
? يتمتع بعلاقات واسعة.

له قدرة كبيرة على تحريك وتحفيز الناس.
يصدر الأوامر بطرق غير مباشرة.
 القائد المستقر: يتصف بالدقة والحرص، وهو يأخذ الأمور بالتدرج ويحرص على الإنجاز. ومن صفاته:
لا يحب التغيير أو التطوير.
يتعامل مع العمل ببطء (يأخذ وقته).
دقيق جداً.
غير اجتماعي ولا يتمتع بعلاقات اجتماعية واسعة.
القائد المحافظ: ويتصف سلوكه بالدقة والحرص وأخذ الأمور بشكل متدرج، لكنه يختلف عن القائد المستقر بحرصه على العلاقات وليس على الإنجاز. أما سلوكه فيتميز بما يلي:
لديه شخصية مميزة.
ينظر للأمور بموضوعية شديدة.
دقيق في عمله.
يتمتع بعلاقات جيدة.
لا يميل إلى التغيير، ويحرص على التدرج الشديد.


وتقول نظرية
DISC أن القائد الفعال يحسب الأمور ضمن ثلاث عوامل هي الوقت والجودة والتكلفة. وهو يسعى لتشكيل فريقاً منوعاً من خلال هذه النظرية كالتالي:
? القيادات العليا تستخدم (المسيطر والمؤثر).
? القيادات السفلى تستخدم (المستقر والمحافظ).
وسنكمل مناقشة نظرية السلوك القيادي في الحلقة القادمة بإذن الله.












سباعية القيادة
تبلورت في الأونة الأخيرة نظرية جديدة في عالم الإدارة تلخص القيادة في مجموعة قليلة من الصفات المشتركة بين كل القادة المؤثرين والفاعلين، بغض النظر عن الموقف أو الظرف. وطبقاً لهذه النظرية فما علينا سوى البحث عن هذه الصفات إذا أردنا أن نختار شخصاً ما للقيادة، أو أن ندرب الشخص على هذه الصفات كي يصبح قائداً. وهذه الصفات هي: التحفيز: الرغبة الداخلية لدى القائد لاستعمال نفوذه ومكانته لتحريك الناس للوصول الأهداف. الدافع الذاتي: المحرك الداخلي الذي يدفع القائد نحو الهدف. المصداقية: وهي الصدق وتطابق القول مع الفعل مما يولد الثقة لدى الأتباع. الثقة بالنفس: إيمان القائد بمهاراته وقدراته للوصول للأهداف، والتصرف بطريقة تجعل الأتباع يقتنعون بذلك. الذكاء: أي القدرة المتميزة للتعامل مع حجم كبير من المعلومات وتحليلها للوصول إلى حلول بديلة واستغلال الفرص غير الواضحة. علماً بأنه ليس مطلوباً من القائد أن يكون عبقرياً، ولكن من المتوقع أن يكون أعلى من المتوسط في ذكائه. المعرفة بالموضوع: أي أن يكون لدى القائد تمكن من الموضوع الذي يديره، ومن المناخ والبيئة التي يعمل بها بحيث يدرك ما هي القرارات المناسبة أو غير المناسبة في ظرف ما. الرقابة الذاتية: يكون لدى القائد الفعال رقابة ذاتية تمكنه من استشعار أي تغيرات حوله مهما كانت دقيقة، وتعديل تصرفاته لتناسب الظروف والأوضاع التي يعمل فيها. ورغم انتشار هذه النظرية في الوقت الحالي إلا أن لنا عليها بعض الملاحظات التي لا تنفي أهميتها. ومن ذلك أن وجود هذه الصفات في شخص ما أمر مفيد وستعطي الإنسان فرصة أكبر للنجاح في القيادة لكن اشتراطها هي فقط وضرورة توافرها جميعها كشرط لازم للقيادة أمر غير مقبول. فقد تتواجد في شخص ما ولا يصبح قائداً، وقد لا تتوافر بعضها في الشخص ولكنه يصبح قائداً. ونضرب مثلاً على ذلك أبو ذر الغفاري الذي كانت لديه:
 1. الرغبة الذاتية: فقد طلب من النبي عليه الصلاة والسلام أن يوليه قاصداً بذلك خدمة المسلمين. 2. التحفيز: ولا شك أنه كان محركاً ومحفزاً للناس وناصحاً لهم. 3. المصداقية: وقد تمتع بها. ويكفيه حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر. ابن ماجه. 4. ثقته بنفسه: ولو لم تكن كبيرة لما طلب الإمارة، ولما واجه الخلفاء والولاة بالحق وحث الناس على معارضتهم. 5. الذكاء: ويتبين ذلك في كثير من مواقفه المروية مع النبي صلى الله عليه وسلم. 6. معرفته بالموضوع: معرفته بأحوال المسلمين وتمكنه من الإسلام جعلته في مصاف العلماء. 7. الرقابة الذاتية: كان حساساً لأي انحراف لدى المسلمين، وواجه الخلفاء بذلك فأجبروه في النهاية على أن يعيش منفياً ويموت وحيداً. ورغم توافر كل الصفات المطلوبة للقيادة وفقاً للنظرية فقد رأى الرسول عليه الصلاة والسلام أنه لا يصلح للقيادة وقال له: يا أبا ذر إنك رجل ضعيف. أخرجه مسلم. والضعف المقصود ليس الضعف الجسدي، ولكنه الضعف في القدرة على تحمل مسؤولية الأمة وحسن التدبير لها، حيث كان اهتمامه بالآخرة أكبر من اهتمامه بوضع المسلمين في الدنيا. ونتابع مناقشة الأمر في العدد القادم إن شاء الله. الدكتور طارق محمد السويدان 







الرؤية وأهميتها
نعرف جميعاً ويعرف المتابع لهذه السلسلة من المقالات أن القائد الفعال هو القائد الذي تحركه أهداف بعيدة المدى، ويكون لديه طموحات عالية مقارنة بمن معه وحوله. هذه الأهداف بعيدة المدى تمثل الرؤية التي يسعى للوصول إليها، ويكون لها دور كبير في تحفيزه داخلياً للاستمرار في سيره نحو تحقيق أهدافه ورؤيته المنشودة لمستقبل أفضل.
وكمثال على أهمية الرؤية نورد قصة عالم النفس النمساوي فيكتور فرانكل. كان فرانكل معتقلاً في أحد معسكرات النازية أثناء الحرب العالمية الثانية، وقد اكتشف أثناء فترة الاعتقال أن بداخله طاقة ترفعه فوق ظروف القهر والسجن. وكان، إضافة إلى كونه معتقلاً، يقوم بمراقبة ما يدور داخل هذا المعسكر. وأخذ هذا العالم يسأل نفسه السؤال الهام: ما الذي جعل بعض الناس يصمدون أثناء هذه التجربة المريرة وينجون بينما مات الأغلبية؟ وبحثاً عن الإجابة بدأ فرانكل يدرس المعتقلين المتواجدين معه في ضوء عدة عوامل شخصية منها الصحة والحيوية وهيكل الأسرة والذكاء وأساليب البقاء. وقد خلص العالم النمساوي إلى أن كل هذه العوامل لم تكن هي السبب الرئيسي، بل كان السبب الرئيسي الذي اكتشفه داخل الناجين من هذه المأساة هو وجود الإحساس بالرؤية المستقبلية.
إذ سيطر على كل من نجح في البقاء يقيناً بأن له مهمة في الحياة يجب استكمالها، وأن لهم مهام حيوية ما زالوا في حاجة إلى الانتهاء منها.
وقد ذكر أسرى الجيش الأمريكي في فيتنام نفس الشيء، لقد كان الرؤية المستقبلية القوية التي يملكها هؤلاء الأسرى هي القوة الدافعة التي منحتهم القدرة والرغبة في الصمود والبقاء.
كما أن البحوث أثبتت أن الأطفال الذين لديهم رؤية واضحة لمستقبلهم يكونون أكثر نجاحاً من الناحية الدراسية. كما أنهم أقدر من سواهم على مواجهة تحديات الرؤية.
وينطبق هذا على المنظمات والشركات أيضاً. فالمنظمات التي لديها شعور وإيمان برسالتها وأهدافها تتفوق على غيرها ممن لا يملك مثل هذه الرؤية. وفي هذا المجال يقول عالم الاجتماع الألماني فريد بولاك إن العامل الأول في تحقيق النجاح في كل الحضارات كانت تلك الرؤية الجماعية للشعوب، وللمستقبل الذي ينتظرها.
طلب مرة من توم بيتر مؤلف كتاب "بحثاً عن الامتياز" أن يعطي نصيحة جوهرية واحدة تفي بجميع الأغراض التي تساعد المنظمات في تحقيق الامتياز أجاب: عليك بتحديد منظومة القيم. قرر ما تمثله الشركة التي تعمل بها. ضع نفسك عشرين عاماً في المستقبل، ما الأشياء التي ستنظر إليها خلفك وأنت راضٍ تماماً.
إن القائد يترك التفاصيل لأصحابه الذين يثق بهم ويكتفي بتوجيههم نحو الأهداف العامة والرؤية المستقبلية التي يسعى لتحقيقها لهم.








الرؤية المرشدة
يحاول أصحاب الشركات والمنظمات عندما يضعون أو يفكرون في وضع رؤية مرشدة أن يركزوا على منظمتهم أو شركتهم التي يقودونها. وهم يعملون الفكر في أهداف المنظمة ومنتجاتها ويبحثون في وضع السوق والمنافسين سعياً وراء إيجاد رؤية مرشدة للمنظمة. وكل ذلك أمور طيبة يجب القيام بها عند وضع الرؤية المرشدة، ولكن الخطوة الأهم والتي يجب أن تسبق كل هذا هي وضع رؤية مرشدة لحياتك أنت.
فقبل أن تفكر في وضع رؤية مرشدة لمنظمتك عليك أن تملك رؤية مرشدة واضحة لحياتك، وفهم أفضل لقيمك واحتياجاتك وتوقعاتك وآمالك وأحلامك. والوصول إلى رؤية مرشدة تتمثل كل هذه الاحتياجات والتوقعات والأحلام يحتاج إلى أن يكون المرء صادقاً مع نفسه، أميناً جداً في فهمه لنفسه ولما يريد أن يكون. إذ أن المعرفة الحقيقية للنفس هي مفتاح تحديد الهدف والاتجاه في الحياة، وهي المنظار الذي يتم من خلاله تحديد رؤية الإنسان ومساره. كما أن من لا يعرف نفسه لا يستطيع أن يدعي أنه يعرف الآخرين. فكيف تحدد رؤية مرشدة لغيرك ?بشراً ومنظمات- وأنت عاجز عن تحديدها لنفسك؟ إننا يجب أن نكون حذرين فلا نقع في الفخ الذي أوقع الشاعر المشهور الطرماح بين حكيم الطائي نفسه فيه عندما قعد للناس وقال: اسألوني عن الغريب، وقد أحكمته كله ?أي غريب اللغة- وكان في ذلك صادقاً. فقال له رجل: ما معنى الطرماح؟ فلم يعرفه. فقد عرف الطرماح كل غريب، لكنه نسي القريب وانصرف عنه، بل وأقرب شيء إليه وهو اسمه.

وإليك بعض الخطوات المقترحة للوصول إلى رؤية مرشدة لنفسك ومنظمتك:
أولاً: البيئة الهادئة. ابحث عن بيئة هادئة ومنعزلة وابتعد عن أي نشاط يومي لتتمكن من التأمل الجاد. ويمكنك أن تذهب مثلاً إلى مكان عبادة أو إلى شاطئ البحر أو للمنتزه، حيث تكون محاطاً بصوت العصافير والأمواج والنباتات وغيرها من الأصوات الهادئة المريحة.
ثانياً: التأمل في المراحل الأولى لحياتك. تأمل في طفولتك المبكرة، وانظر كيف تشكلت حياتك. ابحث عن السلوكيات المتكررة والدوافع والقيم التي لديك والناتجة عن الطريقة التي تربيت بها.
ثالثاً: التأمل في سير أنشطتك. فكر في طريقة سير حياتك وأهم نشاطاتك ووظائفك بترتيب زمني، وأدرج المهارات والمواهب التي اكتسبتها خلال انتقالك في الحياة. صنف هذه المهارات حسب نوعها وتأمل:
ما هي المهارات والمواهب التي استمتعت باستعمالها؟
في أي المجالات تفوقت؟ وما الذي كان سهلاً عليك؟
رابعاً: سماع الضمير الداخلي. فكر في لحظات حياتك التي قمت فيها باتخاذ قرارات لم تبدو منطقية أو ملائمة في ذلك الوقت، مع أنك شعرت بصحتها. ماذا تخبرك هذه الفترات من الحدس والحس الداخلي والإدراك عن اهتماماتك الحقيقية؟
خامساً: الأثر المتروك. إسأل نفسك ما الذي سأفعله حتى لو لم أكن أحصل على مقابل؟ ما الذي أحلم بعمله؟ وما هي رغباتي؟ ما الذي سأفعله إن بقي لي ستة أشهر فقط على قيد الحياة؟ أو لو كنت سأعيش بصحة جيدة مدة مائة عام.
ستساعدك هذه الخطوات المقترحة إن شاء الله على تحديد رؤية مرشدة لنفسك تكون منطلقاً لك في تحديد رؤية مرشدة لعملك ومنظمتك.
توازن الطاقات الأربع
للإنسان طاقات واحتياجات متعددة، وسواء اعترفنا بها أم تجاهلناها فإن بداخلنا ما يؤكد أن هذه الاحتياجات موجودة. وأنها قد رافقت الإنسان منذ خلقه. فكأنها منقوشة بداخلنا ومكتوبة في فلسفة الحياة عبر الأزمان كأماكن مهمة لإشباع حاجات ورغبات الإنسان وتجديد طاقته. وللإنسان أربع طاقات هي العقل، والروح، والعاطفة، والجسد. وتشحن هذه الطاقات عبر تحقيق التوازن في كل جانب.
وهذه بعض النقاط التي تساعد على شحن وتجديد الطاقات المختلفة نوردها بشكل مختصر، على أن نشرح بعضها بإسهاب أكثر في المقال القادم.
أولاً: العقل: أثري عقلك عن طريق الخطوات التالية:
اقرأ أهدافك صباحاً ومساءً.
ثم عقلك بالقراءة والاطلاع.
واصل التعليم واستكمل دراستك.
تعلم مهارات إبداعية جديدة.
ثانياً: الجسد: هو البدن الذي نحيا من خلاله، والمحافظة عليه تنبع من:
اتباع نظام غذائي سليم.

القيام بالتمارين الرياضية والمحافظة عليها.
الاهتمام بساعات محددة للنوم والراحة (لبدنك عليك حق).
المحافظة على الرياضة النفسية مثل الإيمان وتقبل الهزيمة.
ثالثاً: العاطفة: وهي المشاعر الصادقة التي تشعرك بأهمية الآخرين. ويمكن تنميتها بالآتي:
المحافظة المستمرة على بنك العواطف والمداومة على شحنه.
تقوية العلاقة بكل فرد من أفراد أسرتك.
التسامح والبذل في العطاء.
رابعاً: الروح: وهي الشريان الحيوي الذي يمد الجسم بالمبادئ والقيم والأخلاق اللازمة لاستمرار الحياة. وهي مصدر الإيمان ومنبعه، ويمكن المحافظة على الروح وتغذيتها من خلال:
الاستغراق في العبادات الممدة للقوة.
المحافظة على أوقات خاصة لجلسات التأمل والتفكر.
المحافظة على الأوراد والأذكار.
المحاسبة المستمرة للنفس.
هذه باختصار شديد الطاقات الأربع وطرق المحافظة عليها وتجديدها. وعلينا أن نقوم بذلك بالقسط فلا نركز على جانب وننسى جانب أخر لأن الاعتدال والتوازن هم مفتاح النجاح في شحن الطاقات والهمم التي نحن أحوج ما نكون إليها اليوم. وسنسلط الضوء في المقال القادم ?إن شاء الله- على أمور مهمة في قضية التوازن هذه.
تحقيق التوازن - الجزء الثاني
تحدثنا في العدد الماضي عن الطاقات الأربع وطرق المحافظة عليها وتجديدها. وذكرت أن علينا أن نقوم بذلك بالقسط فلا نركز على جانب وننسى جانباً أخر لأن الاعتدال والتوازن هما مفتاح النجاح في شحن الطاقات والهمم التي نحن أحوج ما نكون إليها اليوم.
وسوف نركز حديثنا اليوم على أمور هامة تجدد للإنسان حياته وتحافظ على استمرار طاقته وتوازنه وهي:
1. الاهتمام بالعقل: تصدأ العقول إذا لم تجد من يرعاها وينميها. لذا وجب علينا الاهتمام بعقولنا والعمل على تنشيطها وتفعيلها بشكل مستمر. وقد وجدت الدراسات أن ما يتم استخدامه من إمكانات العقل البشري لا يزيد عن 1% من إمكانياته الحقيقية.
يبدأ تشكيل عقل الإنسان منذ سن مبكرة وذلك ضمن قوالب من المشاعر والسلوكيات الأبوية التي تحافظ على العصبية والتقاليد بأسلوب قسري ملزم. وحين يكبر الطفل ويذهب للمدرسة يتابع المعلم معه نفس الأسلوب كابتاً حريته في الحركة والكلام والتفكير والاختيار. وتتم من خلال العملية التدريسية تدريبه على التلقي دون تفكير أو مساءلة. وهكذا يصبح المعلم هو الآمر الناهي، فيعد النظام التعليمي في وطننا شباباً يرى كل مسؤول عنه في المستقبل معصوماً من الخطأ لا ينطق عن الهوى، فلا يشارك في النقاش وإنما يكتفي بالتلقي والتنفيذ.
2. القراءة الدائمة: كانت أول ما أنزل من القرآن الكريم هو قوله تعالى "اقرأ باسم ربك الذي خلق". وعلى مر العصور تلاشت دول وبادت حضارات وزال ملوك، لكن ما بقي للإنسانية هو ما خلد في الكتب، "إن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما ورثوا العلم. فمن أخذه أخذ بحظ وفير". أبو داوود والترمذي وابن ماجه.

تمثل القراءة حلقة وصل بين زمننا وزمن من قبلنا. ينقلون لنا عبرها أحوال زمنهم وعلومهم وحضارتهم كي نطلع عليها ونستفيد منها ونطورها. كما أن الكتابة وسيلتنا لإيصال ما لدينا لمن بعدنا من الأجيال. ويفضل أن يخصص الشخص 70% من قراءته للمجال المحبب الذي يريد أن يصبح قائداً بارعاً إماماً فيه. في حين يخصص الباقي للقراءة العامة التي تفتح مداركه على مجالات أخرى.
3. ترتيب الأولويات: يؤدي الجهل بالأولويات إلى وقوع القائد في الأخطاء والمصاعب. ويعرض جهده إلى الهدر والضياع. وهنا على المرء أن يتوقف ليفكر بعمق وجدية في أهدافه وأولوياته في الحياة. إن منهج ترتيب الأولويات يساهم في إعطاء المزيد من السيطرة على الحياة. وهذه السيطرة تمنحنا التوازن والإنجاز اللذين نبحث عنهما. ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ليس العاقل الذي يعلم الخير من الشر، وإنما العاقل الذي يعلم خير الخيرين، وشر الشرين.
ويتحدث ابن القيم عن ترتيب الأولويات عند الإمام ابن تيمية فيقول: سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر، فأنكر عليهم من كان معي. فقلت له: إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكره وعن الصلاة، وهؤلاء تصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية وأخذ الأموال منهم. فدعهم.

إن التوازن عمل متناسق هادئ ومطمئن، وقد دفعت البشرية ثمناً باهظاً نتيجة فقدانه. وستدفع ثمناً أغلى في مستقبل أيامها إن لم تحققه.



التعامل مع البشر
يرتبط جزء مهم من عمل الإداري أو القائد بالتعامل مع الناس من حوله، التعامل مع الأنداد ومع الرؤساء ومع الأتباع وغيرهم. لكن الكثيرين لا يولون هذا الأمر الاهتمام الذي يستحقه. إن القيادة هي فن إدارة الناس وتوجيههم نحو الهدف. وإدارة الناس مرتبطة بالتعامل معهم بأسلوب يقنعهم بالتعاون معك والسير خلفك نحو هدف واحد. ويقول بيلفر شتاين في هذا المجال "يظن كثير من رجال الإدارة أن العلاقات الإنسانية فصل في كتاب تنظيم العمل، وهم مخطئون في هذا، فالعلاقات الإنسانية هي كل الكتاب".
يتطلب التعامل مع الناس مهارات مختلفة ومتعددة لا يستطيع المرء بدونها أن يطور نفسه أو يجمع الناس من حوله. وقد وجدت الأبحاث العلمية الحديثة أن نجاح الإنسان في القيادة مرهون بقدرته على إتقان مهارات التعامل، وأن 85% من النجاح في القيادة يعزى إلى مهارات التعامل، وإن لم يكن من الضروري استعمالها جميعاً، فهي تستخدم حسب الموقف والشخص المقابل.
ومهارات التعامل مع الناس أربعة هي الفهم والاتصال، والتأثير، والتحفيز، وبناء العلاقات. وسوف نستعرض هذه المهارات في سلسلة من الحلقات. ونبدأ اليوم بالمهارة الأولى، مهارة الفهم والاتصال.
لتحقيق الفهم والاتصال علينا أولاً أن نستمع لما يقوله الناس. ونقصد هنا الاستماع والإصغاء الحقيقي الذي يصاحبه التفكير والتدبير فيما يقوله المتحدث. فعدم الاستماع قد يكلف الإنسان كثيراً بل وقد يودي بحياته. فأحد أسباب تحطم المكوك الفضائي تشالنجر كان عدم القدرة على الاستماع. وقد ورد في الأثر نصيحة عبد الله لأبيه طاهر بن الحسين "أكثر من الإذن للناس عليك، وأبرز لهم وجهك، وسكن لهم حواسك".

وعليك ثانياً أن تحس بمشاعر الناس وما يعتمل في قلوبهم. إن القائد في حاجة دائمة إلى تحديد المسافة النفسية الفاصلة بينه وبين الناس، وذلك بتحديد المشكلات التي يعاني منها الشخص والمحاولة الجادة لإيجاد الحل المناسب. ونجد خير مثال على ذلك في الموقف التالي: كان صحابي يحضر حلقة الرسول عليه الصلاة والسلام مع ابن له، وكان الرجل يحبه حباً شديداً، فمات الولد. وامتنع الرجل أن يحضر الحلقة حزناً على ابنه. ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فسأل عنه وعزاه ثم قال له: يا فلان أيما كان أحب إليك؟ أن تمتع به عمرك، أو لا تأتي غداً إلى باب من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك إليه يفتحه لك؟ قال: يا نبي الله بل يسبقني إلى باب الجنة فيفتحها لي لهو أحب إلي. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: فذاك لك. رواه النسائي.
كما أن على القائد ثالثاً أن يفهم النفسية الإنسانية. فالقائد الفعال هو الذي يملك القدرة على توقع ما يدور في النفوس، ومن ثم التعامل مع كل شخص حسب ما يناسبه. فهذا النبي عليه الصلاة والسلام يسمع بكاء الطفل فيقصر في الصلاة احتراماً لمشاعر الأم وباقي المصلين.








التأثير في البشر
تحدثنا في العدد الماضي عن التعامل مع الناس وبينا أهميته القصوى في عملية الإدارة والقيادة. وقلنا أيضاً أن إجادة التعامل هذه تحتاج إلى مهارات مختلفة، وشرحنا أولى هذه المهارات وهي مهارة الفهم والاتصال. وسنتحدث اليوم بإذن الله عن المهارة الثانية وهي مهارة التأثير التي تتحقق عبر التالي:
التحريك العاطفي: إذا سلمنا بأن القيادة هي فن إدارة الناس وتوجيههم نحو الهدف. يصبح من المهم التأثير في الناس لتحريكهم نحو الهدف المراد تحقيقه. وتعتبر العاطفة هي صمام أمان العلاقات مع الآخرين، ويستلزم تحريكها معرفة القائد بالطبيعة الإنسانية وفهم الحاجات والاحتياجات. ومن المهم تحريك العاطفة وقت الأزمات بالذات.
الاهتمام بالإنسان: الاهتمام بالكائن البشري من أكثر الأمور تأثيراً في القلوب، ونحن نريد مجتمعاً يحمل كل معاني الإنسانية فيه، مجتمعاً يحترم الإنسان ويحترم إنسانيته. وهذا النبي عليه الصلاة والسلام يهتم حتى بالطفل في أحشاء أمه عندما جاءت الغامدية إليه تطلب إقامة الحد عليها، فأعرض عنها صلى الله عليه وسلم حتى قالت له: والله إني لحبلى من الزنا. فقال لها: أما الآن لا، فاذهبي حتى تلدي. فجاءت بالطفل عندما ولدت فقال لها صلى الله عليه وسلم: اذهبي حتى تفطميه. فجاءت به وفي يده كسرة خبز. أخرجه مسلم. وهذا عمر بن عبد العزيز يبين للناس أهمية وضرورة الاهتمام بالفقراء والعمال وعامة الناس عندما طلب منه أن يدفع بعض المال لكسوة الكعبة الشريفة فقال: إني أرى أن أجعل هذا المال في أكباد جائعة فإنها أولى من الكعبة. إلى هذا الحد كرم الإسلام الإنسان.

الإقناع: هو أن تحث الآخرين على فهم وجهة نظرك وتقبلها. ومن ثمة تأييدك فيما تحاول نقله إليهم من معلومات. وقد تنقل إليهم حقائق أو وقائع، وقد تبين لهم نتائج وتأكيدات حقيقية عن طريق إعطائهم أدلة مادية وحجج وبراهين دون أن تتعامل معهم بفوقية واستعلاء.
الوفاء: كلمة الوفاء التي نسيتها الكثير من المؤسسات اليوم سواء منها المهنية أو الخيرية، فإنك تجد العاملين في مؤسسة ما وقد أفنوا زهرة شبابهم في رفع شأن مؤسستهم ونجاحها، تجد المؤسسة تمارس عليهم الضغوط المتوالية لتقديم استقالتهم في نهاية المطاف، وإذا كرمتهم المؤسسة بعد الاستقالة فلا تتجاوز شهادة تكريم رخيصة!! وقد أكرم النبي عليه الصلاة والسلام عجوزاً وقال: إنها كانت تغشانا في أيام خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان. رواه الحاكم. ونحن على قناعة تامة بأن المشاكل الإدارية التي نعاني منها اليوم بحاجة إلى بعض الوفاء والمعاني الإنسانية. ومعاني الوفاء لا تحتاج إلى تمثيل، فهي خلق أصيل يدل على نفس عالية وسمو في الأخلاق تظهر وقت الشدائد. وقال الشافعي: الحر من راعى وداد لحظة، أو انتمى لمن أفاده لفظه.
سحر الألفة: كثيراً ما تمر على الإنسان أزمات نفسية، فيحتاج لمن يفضي له آلامه وأناته، فيشعر من ذلك بالارتياح الممزوج بسحر الألفة. وهذا الخليفة المأمون ينشده نديمه مخارق قول أبي العتاهية:
وإني لمحتاج إلى ظل صاحب يروق ويصفو إن كدرت عليه
فقال مخارق: فقال لي أعد، فأعدت سبع مرات. فقال لي: يا مخارق خذ مني الخلافة وأعطني هذا الصاحب.



تحفيز الإنسان
تحدثنا في العدد الماضي عن مهارة التأثير في البشر وبينا أهميتها القصوى في عملية الإدارة والقيادة. وقد ذكرت أن التأثير يتحقق بعوامل أهمها التحريك العاطفي والاهتمام بالإنسان وسحر الألفة والوفاء والإقناع. وسنتحدث اليوم بإذن الله عن المهارة الثالثة وهي مهارة التحفيز التي تتحقق عبر التالي:
بث الطاقة الإيجابية والتفاؤل في لحظات الضعف.
فالقائد مطالب بأن يدفع الناس نحو الأمل والتفاؤل حتى في أشد اللحظات صعوبة، كأوقات الهزيمة والألم وفي المحن والشدائد. ولا يمكن أن يتم ذلك دون وضوح الرؤية لدى القائد والأتباع. فهذا موسى عليه السلام يرى البحر أمامه والعدو خلفه، لكنه انطلاقاً من رؤيته الواضحة بنصرة الله للمؤمنين والرسل بث روح الأمل في قومه بقوله: (كلا إن معي ربي سيهدين)، سورة الشعراء. والنبي عليه الصلاة والسلام في غزوة الخندق يرى المسلمين محاصرين وجائعين وضعفاء واليهود من خلفهم يتآمرون عليهم، لكنه لا ينسى إيقاد روح الأمل والتفاؤل والأمل ورفع المعنويات لدى أصحابه برؤية مستقبلية عن انتصار الإسلام والمسلمين.
إشعار الأتباع بالأمن
شعور الإنسان بأنه يعمل مع قائد يحبه ويعلمه ويرشده يجعل الأفراد يطمئنون إلى هذا القائد. وهذا رجل يأتي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ترتعد فرائصه من مهابته عليه الصلاة والسلام، فرد عليه مطمئناً: "هون عليك فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد". أخرجه ابن ماجه. مثل هذه الكلمات تشعر الناس بالإنجذاب والاطمئنان. ولقد كان جنود نابليون يثقون بأنه لا يقودهم إلا إلى الانتصارات فيقولون: إن بإمكانه أن يأخذنا معه إلى نهاية العالم.
إعطاء الأتباع الصلاحيات
يحب الموظفين ويقدرون إعطاءهم حرية أداء أعمالهم بالطريقة التي يرونها مناسبة. فعندما تحدد لموظفيك ما تريد منهم تحقيقه وتوفر لهم التدريب اللازم ثم تمنحهم الحرية والصلاحيات للقيام بهذا العمل فإنك تزيد من قدرتهم على أداء أعمالهم على النحو المطلوب. كما أنهم بهذه الطريقة سيبدعون في أعمالهم وينفذونها بطاقة وحماس وبروح مبادرة عالية. وهذا ما حدث مع معاذ بن جبل عندما أرسله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن.
التشجيع
تشجيع الموظفين والأتباع على العمل والإنتاج وتحقيق الأهداف يتحقق بطرق عدة، مادية ومعنوية. ومن ذلك المدح والترقية والمكافآت والتكريم وإشهار إنجاز الموظف بين الآخرين، وغير ذلك الكثير مما لا يتسع المجال هنا لذكره.







بناء العلاقات
تناولنا في العدد الماضي مهارة التحفيز. وسنتحدث اليوم بإذن الله عن المهارة الرابعة وهي مهارة بناء العلاقات الإنسانية التي تتحقق عبر التالي:
الابتسامة الساحرة
الابتسامة لا تكلف شيء ويبقى مداها طول العمر. الابتسامة التي تدل على قلب مفعم بالحب والود تجاه الآخر، وتشكل مركز جذب للقلوب. عن جرير بن عبد الله قال: ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي. أخرجه البخاري. كما أن تبسمك في وجه أخيك صدقة.
الاعتراف بالخطأ ومعرفة القصور
صورة مميزة في بناء العلاقات، تدل على نبل القائد وتواضعه، واعتقاده بأن العمل مهما بلغ من نجاح وامتياز وفعالية وتفوق فإنه ليس كاملاً أو مثالياًً. كما أن ذلك يبعدنا عن العناد والتمسك بالرأي ?حقاً وباطلاً- وعدم الاستماع للنصح وآراء الآخرين. وهذا عمر بن الخطاب، الرجل الذي وصفه النبي عليه الصلاة والسلام بوعاء للعلم، وهو على المنبر يتكلم في مسألة صدقات النساء تعترضه امرأة وتصحح له معلومة. فقال رضي الله عنه دون خجل: اللهم اغفر لي، كل الناس أفقه منك يا عمر. أخطأ أمير المؤمنين وأصابت امرأة. ولم يقلل اعترافه بالخطأ أمام الملء من مكانته ومن نظرة أتباعه إليه، بل زاد الاعتراف بالخطأ من مكانته ومن ثقة الناس به.


السيطرة على النفس والسلوك
لا شك أن الهدوء والسيطرة على النفس لهما فوائد كثيرة على من يلتزم بهما. كما أنهما من صفات القائد الناجح. يحقق الهدوء والسيطرة على السلوك جواً من الطمأنينة ودفع الخوف خاصة عند الأزمات والأخطار. وقد كان الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام يغضب فيبدو ذلك على وجهه، لكنه لا يظهر غضبه على فعله. وكلنا يعلم فضل كظم الغيظ والحلم عن الغضب. كما أن السيطرة على الانفعالات والحفاظ على الهدوء يمكن الإنسان من التفكير بشكل سليم واتخاذ القرار المناسب بعيداً عن ردود الفعل والعواطف الثائرة.
بنك العواطف
الحساب المصرفي في بنك العواطف يضمن لك علاقة طويلة المدى. فكر في علاقاتك بهذا الأسلوب، فكل كلمة قاسية هي سحب من الرصيد. وكل خطأ ترتكبه تجاه شخص لك معه علاقة هو سحب من الرصيد. كما أن الكلمة الطيبة هي إضافة للرصيد، وكلما زاد رصيدك كلما أمكنك الاعتماد على الشخص أكثر. إن هناك معانٍ ترفع من الرصيد ومعانٍ تسحب منه، فانتبه لما يصدر منك من أفعال وأقوال واحرص على ألا تؤذي مشاعر من حولك.





التحكم كصفة قيادية
من صفات القائد الفعال القدرة على التحكم. أي القدرة على التحكم بالنفس وفي الأتباع. لكن لهذا التحكم قواعد وأصول، أما إذا أتى التحكم بصورة مفاجئة وعنيفة فإنه يفقد الكثير من فعاليته.
 ويجب أن يكون القائد قوي الشخصية كي يحافظ على التفكير الواضح والمنطقي رغم المتاعب والضغوط، ويبحث عن الحقيقة ويتمسك بها بكل إصرار مهما كلفه الأمر، ويثبت في المآزق بكل صبر حتى لو تراجع الجميع من حوله وانسحبوا. وقد تظن عزيزي القارئ أن هذه الصفة سلبية وتميل إلى الديكتاتورية، وهذا ليس صحيحاً إذا التزم القائد بالقواعد الأربعة للتحكم. وهذه القواعد هي الحضور والمعرفة، الإدارة، التوجيه، النفوذ.
وسنبدأ اليوم بالقاعدة الأولى للتحكم، الحضور والمعرفة.
1. الحضور المستمر، ومتابعة التفاصيل، وشمولية المعلومات. تواجد القائد المستمر والمتابعة والتدقيق من قبله ومعرفته بالتفاصيل يشعر الآخرين بقدرة القائد على التحكم العادل. وكذلك القراءة السريعة للأحداث والتفاعل معها بشكل إيجابي. ولذلك كان عمر بن الخطاب يقول: أرأيتم إذا استعملت عليكم خير من أعلم، ثم أمرته بالعدل، أكنت قضيت ما علي؟ قالوا نعم. قال: لا، حتى أنظر في عمله أعمل بما أمرته أم لا. وفي هذا متابعة للتفاصيل وتدقيق في عمل القائد التابع. ومن مظاهر الحضور والمعرفة اختبار الأتباع. وهذا ما فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما أرسل إلى أبي عبيدة أربعة آلاف وأربعمائة درهم وقال لرسوله: أنظر ما يصنع. فقسمها أبو عبيدة بين الناس. فلما أخبر عمر بما صنع قال: الحمد لله الذي جعل في الإسلام من يصنع هذا.

2. المعرفة بالموضوع والفهم العميق. أوجز المفكران الغربيان بيكون وهوبز قبل أكثر من قرنين المقال في قدرة القائد على التحكم فقالا: إن المعرفة تعني القوة. وهذا أبو بكر الصديق يقول لعمر بن الخطاب عندما تضايق من تصرفات عمرو بن العاص في معركة ذات السلاسل: إنه لم يستعمله رسول الله عليه الصلاة والسلام عليك إلا لمعرفته بالحرب.
وحتى في الرسائل التي كان عمر بن الخطاب يبعثها إلى الجيوش أثبت رضي الله عنه معرفته وقوته وفهمه العميق لمجريات الأمور. فقبل معركة القادسية أوصى عتبة بن غزوان في سيره إلى العراق بقوله: يا عتبة، إن إخوانك من المسلمين قد غلبوا على الحيرة وما يليها. وعبرت خيولهم الفرات حتى وطئت بابل، مدينة هاروت وماروت ومنازل الجبارين. وإن خيلهم اليوم لتغير حتى تشارف المدائن، وقد بعثتك في هذا الجيش فاقصد أهل الأهواز فاشغل أهل تلك الناحية أن يمدوا أصحابهم بناحية السواد على إخوانكم الذين هناك، وقاتلهم مما يلي الأبلة. ولو لم يكن ابن الخطاب على معرفة ودراية وفهم عميق بتفاصيل الحرب والمنطقة لما استطاع أن يوجه قواته بالشكل الصحيح.







من قواعد التحكم: الإدارة
قلنا في المقال السابق إن من صفات القائد الفعال القدرة على التحكم. وذكرنا أن للتحكم قواعد وأصول. وناقشنا القاعدة الأولى للتحكم وهي الحضور والمعرفة. وسنبين اليوم القاعدة الثانية وهي الإدارة.
1. قدرة القائد على الثواب والعقاب العادل
إن قدرة القائد على الإدارة العادلة المبنية على مصلحة فريق العمل لا على الأسس والمعايير الشخصية، والإدارة العادلة تلعب دوراً أساسياً في قبول الأتباع لتحكم القائد عبر الثقة بعدالة قراراته وصوابها. هذه القدرة المميزة تضفي أجواء التحكم العادل وتدعو الآخرين إلى مراعاة المصلحة العامة. وها هو الرسول صلى الله عليه وسلم يبلغه أن سعد بن عبادة، قائد كتيبة الأنصار في فتح مكة قال: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة. فعاقبه عليه الصلاة والسلام بعزله، وعين مكانه ابنه قيس حتى لا تستفز مشاعر ابن عبادة والأنصار والمسلمين على أبواب مكة فاتحين.
2. التذكير بالهدف
قد ينسى الإنسان في أجواء العمل الضاغطة وفي زحام العمل اليومي ومشاكله الهدف الأساسي للعمل أو للمنظمة، وتمحى من مخيلته الصورة المستقبلية التي يسعى الفريق للوصول إليها وتحقيقها. ويترتب على ذلك ذبول الطاقات والإرادات ويسود الشعور باليأس. ودور القائد هنا هو دوام التذكير بالهدف النهائي وتوجيه الأعمال والطاقات باتجاهه، كما فعل الرسول عليه الصلاة والسلام مع عمر بن الخطاب عندما دمعت عيناه حزناً على أوضاع المصطفى عليه الصلاة والسلام في بيته، مع تنعم الفرس والروم بخير ما في الدنيا من نعم، فذكره صلى الله عليه وسلم بأن هذه الدنيا فانية زائلة قائلاً: "أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا". البخاري ومسلم.
3. الشجاعة
الشجاعة من الصفات المطلوبة في القائد، وللشجاعة صور متعددة. فقد تكون الشجاعة في الثبات على الرأي أو في تحمل الظروف الصعبة وغير ذلك. ومن صور شجاعة النبي عليه الصلاة والسلام:
التنازل عن رأي القائد والنزول إلى رأي الأتباع القادة. فعندما خرج عليه الصلاة والسلام من بيته وهو مغطى بالحديد فخاف الصحابة أن يكونوا قد أثقلوا عليه فقالوا: إن شئت تبقى في المدينة. فقال صلى الله عليه وسلم بلغة الشجاع: "ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل".
عدم الفرار من المعركة. بل كان الرسول عليه الصلاة والسلام المرجع الرئيسي للشجاعة كما قال علي بن أبي طالب: كنا إذا حمي الوطيس، احتمينا برسول الله صلى الله عليه وسلم.








من قواعد التحكم: الإدارة 2
نكمل اليوم حديثنا الذي بدأناه الأسبوع الماضي حول الإدارة كقاعدة من قواعد تحكم القائد في الأوضاع والأتباع. وقد تحدثنا في الأسبوع الماضي عن قدرة القائد على الثواب والعقاب العادل وعن تذكيره الأتباع بالهدف وعن الشجاعة التي يجب توفرها فيه وعن أنواعها. ونتابع اليوم مع النقطة الرابعة وهي:
4. القدرة على إصدار القرارات في الوقت المناسب.
يستند القائد الماهر في قراراته إلى أمرين هما: قابلية عقلية، والمعلومات المتوافرة. والحصول على المعلومات أمر غاية في الأهمية في عملية اتخاذ القرار الصحيح، ولا بد أن يكون لدى القائد القدرة على استخلاص المعلومات وتحليلها. فقبل معركة بدر قبض الصحابة على غلام راع لقريش وسألوه عن عدد الجيش، فإذا هو لا يدري، فضربوه حتى أقبل الرسول عليه الصلاة والسلام وسأل الغلام: كم ينحر القوم من الإبل؟ فقال الغلام بين التسعة والعشرة. فقال صلى الله عليه وسلم: القوم بين التسعمائة والألف. الإمام أحمد.
لقد استطاع عليه الصلاة والسلام استخلاص المعلومة المرادة بطريقة غير مباشرة واستطاع عن طريق تحليل الإجابة معرفة ما يريد وهو تقدير عدد القوة المعادية. وهذا يقودنا إلى القابلية العقلية للقائد. إذ لو لم يكن لدى القائد قدرة تحليلية مميزة لما استطاع أن يصل إلى القرار السليم. إن الحكمة مطلوبة في القائد وهي بدورها تولد الثقة لدى الأتباع وتزيد من قدرته على التحكم بهم وتوجيههم نحو الأهداف المتفق عليها.

5. الجرأة الثبات عند تزعزع الآخرين.
ومن ذلك ثبات النبي عليه الصلاة والسلام ثلاثة عشر عاماً في مكة رغم ضعف المسلمين وتجبر الكفار. ومثل أخر هو ثباته عليه الصلاة والسلام يوم أحد عندما كادت الهزيمة أن تودي بحياته، وبقاؤه صلى الله عليه وسلم مع نفر قليل في الميدان يوم حنين. مثل هذه المواقف تشعر الأتباع بجرأة قائدهم وثباته عند الملمات والشدائد. هذه الجرأة الثبات تبعث في الأتباع روح الإصرار والاستمرارية.
6. التخطيط والإبداع.
يمتلك القائد المتحكم استراتيجية منظمة يضعها عبر تخطيط دقيق وماهر. ولا أدل على قدرة النبي عليه الصلاة والسلام في التخطيط من قصة هجرته إلى المدينة وتنظيمه للأمر لتلافي لحاق قريش به وبصاحبه.
أما الإبداع فهو الإتيان بالجديد وعدم الركون إلى الأساليب والأدوات القديمة. وقد كان عليه الصلاة والسلام مبدعاً ومجدداً في كل النواحي. ونذكر على سبيل المثال ابتكاره لأسلوب جديد في القتال هو القتال بنظام الصفوف. وكذلك استخدام الخندق للدفاع عن المدينة في وجه الأحزاب ولم يكن معروفاً لدى العرب من قبل.






الإدارة والتوحيد
قد يستغرب القارئ الكريم من عنوان هذه الصفحة، وتأخذه الأفكار يمنة ويسرة عن أبعاد هذه العلاقة الغريبة بين الإدارة التوحيد، ولكن لن يطول - إن شاء الله التأمل - حتى يحصل على إجابة شافية بقراءته لهذه السطور القليلة القادمة. إن الإدارة هو علم وفن يبحث في كيفية التعامل مع الآخرين للحصول على استجابات جيدة منهم، والهدف منها تسخير جميع الطاقات البشرية والمادية لتحقيق هدف ما لمنظمة أو شركة أو جهة ما، وفي سبيل ذلك تبذل جميع الإمكانيات المتاحة لتحقيق هذا الهدف المنشود. ولما كانت الإدارة علماً يبحث في سلوكيات المرء وكيفية تطويعها للحصول على أعلى مردود منه، فإنه لم يرقَ أي نظام أو فكر عالمي بهذا المجال إلى فكر الإسلام، ذلك الفكر الذي استطاع أن يحصل من المرء على أعلى مستويات الطاقة والإنتاج، وذلك بإقناعه بفكرة واحدة لا نظير لها.. هي فكرة التوحيد. إن الإنسان المسلم الموحّد يستمد حافزه على البذل والعطاء من الله عز وجل، كونه هو المنعم والرازق، وهذا الاعتقاد يدفع المسلم إلى الانصراف عن التعلق بأسباب الدنيا من إدارته أو مصدر رزقه أو أجره الشهري، والتعلق بخالق الأسباب الذي يعطي بغير حدود. إنه لو قدّر لأي منظمة أن تعثر على الحوافز الكفيلة التي تجعل موظفيها يزيدون من إنتاجيتهم وعطائهم، لكانت ستبذل في سبيلها أموالاً وإمكانات كثيرة، غير أن ذلك كله سيتحصل لهذه المنظمة إذا عثرت على أشخاص يمتلكون الدوافع والحوافز الذاتية النابعة من قناعاتهم الشخصية، والتوحيد والعبودية لله تعمل على هذا الجانب من شخصية الإنسان. إن التوحيد عبارة عن سلسلة طويلة من الحوافز والدوافع التي تشكل في مجموعها منظومة رائعة الاتساق والتوازن في مجتمعات فاضلة، فإقرار التوحيد يربط كل أعمال الإنسان الجيدة بجزاء أخروي كبير لا يقارن مع الجزاء الدنيوي، كما أنه يربط كل عمل مشين بعقوبة أخروية لا تقارن بعقوبة الدنيا، وكمثال بسيط على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "رحم الله عبداً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا قضى، سمحاً إذا اقتضى" رواه البخاري. وهكذا تجري تعاليم الإسلام جميعها بناء على هذا المقصد السامي. والتوحيد يضبط سلوكيات المرء والموظف والعامل، ويجعله يتعامل مع الأمور بأمانة وإخلاص وإتقان، لشعور داخلي دائم بمراقبة إلهية لتصرفاته وأعماله. إن أعلى درجات النجاح الإداري ? كما يعرفه العلماء ? هو وجود الحافز الذاتي، وليس ثمة أعلى من حافز من التوحيد الذي يمتزج بصميم كيان المرء ويخالط مشاعره ويملأ قلبه في كل لحظة، وهكذا تنجح الإدارة نجاحاً لا مثيل له إذا اقترنت بالتوحيد.. وللحديث بقية. د. طارق محمد السويدان 












الإدارة والتوحيد 2
إن الدافع وراء نجاح كل عمل هو الرغبة الشخصية، والوازع النفسي، والاقتناع التام، وهذا المفهوم قد أقره علماء النفس والفكر والاجتماع، واتفق عليه جميع المفكرين والعقلاء والمثقفين، والعمل والاقتناع بالعمل نظيران مترادفان لا ينفك أحدهما عن الآخر، أما إتقان العمل فهو طموح يسعى لتحقيقه جميع أصحاب الأعمال في موظ
فيهم. أما النجاح في العمل فينعكس في قوله تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) التوبة (105)، ويقول عليه الصلاة والسلام: "لئن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره، خير من أن يسأل أحداً، فيعطيه أو يمنعه). متفق عليه. إن ربط العمل وجعله مسؤولية نحاسب عليها أمام الله تعالى لهو الأساس في إيجاد الوازع النفسي، والرغبة الشخصية، ذلك أن الإنسان إذا ما تلقى أجراً على عمله ازدادت همته له، ورغبته فيه، فإذا أعطي مكافأة فوق الأجر المخصص، زاد نشاطه، وعلت همته، وإذا ما ضوعف له الأجر الراتب، بلغ في العطاء غايته، واستنفد في سبيله طاقته، والله تعالى أعطى مقابل العمل أجوراً مضاعفة، ووعد العاملين مكافآت لا حصر لها ولا عدد، فبذلك يتميز الإنسان العامل المسلم (الغيور) عن باقي العاملين، فهو ينظر بعين واحدة غضيضة للدنيا وحوافزها، وينظر بأخرى بصيرة ناضرة إلى الآخرة وعروضها، فتراه يقبل على العمل بدافع وحافز شديدين. وليس من الحكمة غض البصر عن بشرية الإنسان، والشعور المستمر بحب الدنيا والمال، ولكن الإنسان مفطور أيضاً على التوحيد، وشخصيته البشرية معجونة بالعبادة، وشعور المراقبة الإلهية متلازم مع الفطرة السليمة، ومن ذلك حبه الخير، وكراهيته الشر، ولذلك كانت الرقابة الشخصية لدى المسلم أعلى من غيره، وتجدها في أعلى مستوياتها لدى المسلم الملتزم بدينه وتعاليم شرعته. فالمدير الناجح، هو ذلك الذي يعرف كيف ينمي هذا الوازع، ويبث في نفوس موظفيه العادات الرقابية النفسية، فهي خير له من سنّ القوانين، وفرض العقوبات، ولوائح الجزاءات، وإن كانت الأخيرة لا غنى عنها، لردع ضعف النفس، وانسلال الشيطان، غير أن الحاجة لها ستتقلص إلى حيّز العدم، وهذا دليل النجاح بلا شك. أما إتقان العمل، والتفاني في أدائه، فهو مرتبة أعلى، ومنزلة فضلى، يقوم بها من ارتفعت في نفسه بواعث الرقابة، وصارت له سجية وعادة، والناس يصفون الإنسان المتقن لعمله بأنه أمين، ومخلص، ومتفان، ولكننا نصفه بأنه قد استجاب لفطرته، ولبى نداء خالقه، وأعمل عقله وقلبه. والإتقان لا يكون إلا بوازع نفسي أعظم، وهو من نوع خاص يرقى به صاحبه إلى درجة الحب الإلهي، وتتضاعف الرقابة في قلبه إلى مستواها الأرفع، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه" رواه البيهقي في شعب الإيمان. فالمحبة مطلوبة، وهي أكثر طلباً للخواص من عباد الله تعالى، ومن اختصهم بفضله وعنايته.. ويطول الحديث عن معنى الارتباط المتلازم بين الإدارة والتوحيد.. ولكن تبقى للحديث تتمات. د. طارق محمد السويدان 








الإدارة والتوحيد 3
ما زال حديثنا مستمراً عن العلاقة الوطيدة بين العقيدة المتوطنة في خبايا النفس، وفن الإدارة والعلوم والمهارات المتعلقة بها، وقد يجد البعض صعوبة في الربط بين المفهومين، وتخفى هذه العلاقة على الكثيرين، غير أننا بيّنا في الحلقات السابقة مدى التناسق والتناغم العجيبين بينهما، ومدى الارتباط الوثيق الذي يجمعهما، ونتابع اليوم تبيان هذه الحقيقة، وزيادة تأكيدها.. ولنأخذ جانباً آخر من الموضوع، فما هي الإدارة؟ أستطيع أن ألخص الإدارة بأنها (عملية تحسين الأداء مع تقليل الجهد والوقت والتكلفة) ، وهذه مسألة دنيوية في نظر الناس لا علاقة لها بالدين، وقد أوضحنا في حديث سابق أن المؤمن بمراقبته لله عز وجل سيحسن أداءه، ليس خوفاً من رقابة مسؤوليه، بل حرصاً منه على مرضاة ربه. وهنا أضيف معنىً جديداً فأقول: إن تحسين الأداء - وإن كان ذلك مهمة الإنسان - إلا أن المؤمن يقينه بأن لله تعالى الأمر من قبل ومن بعد، وعليه فقد يشاء الإنسان أن يحسن الأداء بأدواته البشرية من تخطيط وجهد وعمل جماعي ورقابة وغيرها من أدوات الإدارة، ولكن الله جل شأنه يدبر الأمر، وقد يشاء أمراً لا يراه الإنسان، بل قد يرى الإنسان فيه الشر (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ). البقرة (216). إذاً من أسس الإدارة في الإسلام أن المؤمن وهو يعمل على تحسين أدائه عليه أن يتذكر دوماً أن النجاح (والنصر) إنما هو من عند الله تعالى، وبالتالي عليه أن يعمل ويبذل الجهد ويخطط بأفضل الأساليب، ولكنه لا يتوكل على هذه الأسباب بل توكله على الله تعالى وحده، فهو بالله ولله ومع الله. وبهذا يبذل المؤمن جهده، ولكنه وفي الوقت نفسه يُسلم الأمر كله لله تعالى، ويعيش راضياً بالنجاح، غير معترض على الفشل، دائم الدعاء بالتوفيق من العليم القدير، ينسب الفضل لله عز وجل، وينسب التقصير لنفسه، وهكذا يختلف المؤمن عن غيره من الإداريين الذين يتوكلون على أنفسهم وجهدهم وتخطيطهم، ولا يذكرون فضلاً لله عليهم، فأي فرق عظيم بين الإدارة البشرية وإدارة الموحدين. وبعد ذلك ? عزيزي القارئ ? إذاً ما أراك إلا مقتنعاً بأن التوكل على الله تعالى، أساس وطيد في عالم الإدارة، وركن ركين من أركانها وقواعدها وقوانينها، والإسلام الذي تصطبغ أنت بصبغته، هو الذي يدعوك لتتلقف هذا الفن، وتسبر أغواره وتقف على حقائقه، لأنك به تتقن عملك، وتفرش طريق نجاحك، وتبرهن على طواعيتك وانقيادك لخالقك ومبدعك. وما زال الحديث مستمراً. د. طارق محمد السويدان 













الإدارة والتوحيد 4
ما زلنا نتابع معك عزيزي القارئ الكريم، هذه الوقفات المباركة في مسيرة العلم والعمل، ومطابقة الجانب الإسلامي، وهو التوحيد، مع الجانب الآخر من شخصية الإنسان (الإداري)، ومقارنة أوجه الشبه، واستنتاج الروابط التي تجمعهما، أو الأهداف والنتائج التي تكون جسوراً بينهما. ولا يخفى على كل ذي بصيرة أن العقيدة التي تشكل عصمة الإنسان عن الانزلاق في مهاوي الزلل والانحراف، أو تقيه مصارع السوء والانهيار في مستنقعات المعاصي، والشرود عن جادة الطريق المستقيم، تشكل لدى الإنسان المسلم، حصناً منيعاً، وسواراً محيطاً، وحصانة داخلية عظيمة، تنأى به دائماً عن الولوج في أبواب الغواية، وتصحح له مساره كلما اعوجّ عن جادة الهداية، أو شرد عن درب الرشاد، ولذلك كان التركيز الأعلى للدين الإسلامي على سلامة هذه العقيدة، والعمل على تصفيتها دائماً من الشوائب، وتنقيتها من العيوب والمثالب، وهو ما جعل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقضي ثلاثة عشر عاماً في مكة يعالج اعوجاج عقائد الجاهلية لدى البشر، ويقيم فيهم الفكر العقدي السليم، الذي يساير الفطرة، ويواكب العلم والعقل معاً. ومرة أخرى يدعونا الحديث لكي نعرف كيف تكون هذه العقيدة الصحيحة نبراساً هادياً في عالم الإدارة، ومشكاة مضيئة للعاملين في شتى ميادين علوم الإدارة الواسعة، كمثل تلك التي تبحثها مجلتكم هذه مجلة "إبداع". إن العقيدة السليمة كما أسلفنا تواكب الفطرة، وتستخدم العقل السليم للوصول إلى حقائقها ودقائقها، وتسرج العلم في ظلمات الجهل، وذلك لهدف واحد يسعى إليه الناس جميعاً، وهو الوصول إلى الحقيقة، وامتلاك أفضل وأيسر الطرق والأساليب للتعايش مع الكون من حولنا، والناس المحيطين بنا، ولذلك لم تكن العقيدة الحقيقة أهلاً إلا لمن أعمل عقله، واستخدم بصيرته، واستنفد جهده وتفكيره. وعندما يريد الإنسان أن يُعمل عقله لتتكون له العقيدة السليمة، المتكاملة من جميع الجوانب، لابد له - من دون ريب - أن يتعامل مع عقول أخرى لدى الناس، لينتفع بما لديهم، ويتبادل الفكرة معهم، وهكذا شأن الإنسان دائماً، يسأل عن مالا يعرف، ويدفعه فضوله لتعلم ما يجهل.. غير أن التعامل مع عقول الآخرين، لا سيما المثقفين منهم لابد له من قواعد سليمة، فكم يخوض الناس في جدل لا يخرجون منه سوى بزيادة الجهل، واضطراب المعاني، وتعقد الأمور!! وهذه القواعد المنطقية في التفكير مع الآخرين أفرد لها علماء الإدارة أبحاثاً واسعة، وخصصوا لها كتباً ودراسات كثيرة، فوضعوا أسس التفكير المنطقي السليم، واهتم علماء آخرون بسيكولوجية التفكير المنطقي، والطبيعة الإنسانية، واستنتجوا قواعد التعامل مع الجمهور، وفنون مشافهة الآخرين، وقواعد المناظرة، بل ذهب بعضهم أبعد من ذلك فاكتشف علوم البرمجة العصبية، وبحث الآخرون في العقل الباطن والقدرات الكامنة، واهتم آخرون في جوانب المعرفة والثقافة، فاكتشفوا قدرة الإنسان على سرعة التعلم والمذاكرة، فحاضر بعض العلماء في القراءة التصويرية، أو القراءة السريعة، حسبما يحلو لكل منهم أن يصطلح على فنه، ولا مشاحة في الاصطلاح.. وأخيراً أسس باحثون ومهتمون معاهد ومراكز للتدريب، وهكذا دارت عجلة الحضارة على رحى حاجة الإنسان لتصحيح شيء ما بداخله، ونحن لا نرى هذا الشيء إلا عقيدته الداخلية، التي يسعى دائماً وأبداً للوصول بها إلا سدة الكمال، وغاية الإتقان.. وفي هذه الزاوية نتابع معكم بقية للحديث في العدد القادم عن سبب رغبة الإنسان المستمرة في تحصيل العلم، وصلته الوطيدة بالعقيدة السوية. د. طارق محمد السويدان 






القيادة.. فطرة أم اكتساب؟!
حوار طويل على مدى التاريخ يدور حول هذا السؤال، ولكل فيه رأي وجدل، والاختلاف فيه بين القدماء وكذلك المحدثين، فها هو الأستاذ القدير "د. بينيز" المتخصص في موضوع القيادة يقول: (إن القيادة شخصية وحكمة وهذان أمران لا يمكن اكتسابهما)، بينما يقول أستاذ العلماء الغربيين وشيخهم الذي قارب التسعين "بيتر دركر": (القيادة يمكن تعلمها ويجب تعلمها). فهل للإسلام رأي في هذا الأمر الذي لم يستطع أكبر علماء الإدارة المعاصرين الاتفاق عليه؟ دعني في هذه العجالة أساهم برأيي وفهمي لما يقوله الإسلام في هذا الأمر الهام كمحاولة لبناء نظرية إسلامية في الإدارة لبنة لبنة. لو تأملنا في القيادة سنجد أنها تتلخص في ثلاث أمور (علم ومهارات وسلوك)، والعلم المكتسب وكذلك المهارات، فهل السلوك مكتسب؟ لعل هذه النقطة هي سبب اختلاف العلماء، فبعضهم يرى أن الجانب الإنساني والقدرة على التأثير في الناس لا يمكن اكتسابها بل هي هبة إلهية لا دخل للجهد الإنساني في تنميتها أو صقلها، بينما يصرّ الآخرون أن الموهبة لا شأن لها في القيادة. تأملت هل في الإسلام إجابة على قضية اكتساب السلوك؟! فوجدت أن النبي صلى الله عليه وسلم يحدث الأحنف بن قيس رضي الله عنه (والذي ساد بني قيس بحلمه وعدم انفعاله) فقال له: "إن فيك خصلتان يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة، (أي عدم الغضب وعدم الاستعجال)"، فقال الأحنف رضي الله تعالى عنه: أهما خصلتان تخلّقت بهما؟ أو هما خصلتان جبلني الله عليهما؟ (أي فطرية أم مكتسبة؟) وهذا هو عين سؤالنا، فقال صلى الله عليه وسلم: "بل هما خصلتان جبلك الله عليهما". إذاً القيادة فطرية في حق الأحنف، وكذلك هي عند عمرو بن العاص رضي الله عنه الذي يقول عنه عمر رضي الله عنه: لا ينبغي لعمرو أن يسير على الأرض إلا أميراً. إذاً هناك من هو قائد بالفطرة. بينما يوضح الحديث الآخر: "إنما العلم بالتعلّم وإنما الحلم بالتّحلم"، أن هناك إمكانية لاكتساب السلوك كما يكتسب العلم. فبينما يشير حديث النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر الغفاري رضي الله عنه: "إنك امرؤ ضعيف لا تولين على اثنين"، أنه لا يستطيع حتى اكتساب القيادة رغم فضله ومكانته في الإسلام وعلو شأنه فيه. والخلاصة عندي أن هناك فئة قليلة (أقدرها بحوالي 2%) تكون القيادة عندها فطرية، وفئة أخرى لا تصلح للقيادة ولا تستطيع اكتسابها (وأقدرها كذلك بحوالي 2%)، وأما معظم الناس فيستطيعون اكتساب القيادة بنسب مختلفة ولكنهم لن يستطيعوا مهما اكتسبوها أن يكونوا كمن حصل عليها بالفطرة. ولعل هذا بداية حوار حول اختلافات العلماء في موضوع القيادة والإدارة ونظرة الإسلام إليها، ونسأل الله تعالى التوفيق والسداد للحق. د. طارق السويدان 












الهمُّ الإداري
المسؤول في أي عمل سواء كان يملكه أو كان موظفاً فيه، وسواء كان كبيراً أم صغيراً، فإنه سيشعر بالمسؤولية إن كان مخلصاً وصادقاً وأميناً، فهو محاسب عليه أمام من هو أعلى منه وأمام جمهوره وزبائنه، والأهم من هذا أنه مسؤول عنه أمام الله سبحانه وتعالى. وإن صدق هذا المسؤول في إحساسه وشعوره، وأخلص لدينه وربه ومبادئه فستكون لديه مجموعة هموم لا هم واحد فقط: همُّ المسؤول سيتمثل في تفكيره الدائم بأن لا يقصر، وأن يتقن عمله، ويفي بالتزاماته تجاه الناس داخل وخارج عمله، والهمّ بضبط الأموال وعدم تبذيرها أو تبديدها، والهمّ بالبحث عن أفكار وسبل ووسائل لتطوير العمل وتوسيعه وتحسينه، والهمّ بالضبط الإداري لمنع التسيّب عند قليلي الإحساس بالمسؤولية الذين لا يملكون مثل هذا الهمّ. كما سيتمثل هذا الهمّ في الحرص الشديد على الوفاء بالعقود والعهود كما أمر سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)، فهو مهموم في إيجاد صيغة عادلة لتوازن بين حقوق الجهة التي يعمل لها، وبين حقوق الأطراف الأخرى، فهو مهموم بألا يظلمهم أو يبخسهم حقهم، وفي الوقت ذاته بأن لا يظلم أو يبخس حق جهته، مع المحاولة الدائمة بأن يوفر عليها شيئاً من مصاريفها ويحسن المنافع التي ستأتي لها. ولكن هناك همّ آخر قد ينشغل عنه البعض في زحمة العمل اليومي ودوامة الحياة، وهو الهمّ بحقوق واحتياجات الموظفين لديه، فهم كذلك أصحاب احتياجات والتزامات وطموحات، فإن كان المسؤول صاحب نظر عادل فسيفكر بهم كذلك، و يحرص على تطوير أوضاعهم الوظيفية والمالية بما يدفعهم دوماً للأمام، ويحسن أحوالهم باستمرار، ولكن بما لا يؤدي إلى زيادة الأعباء على جهته على المدى القريب أو البعيد، وهذا همّ. وإن كان من أصحاب القلب الكبير والحس المرهف فهو سيزداد همّاً بتفكيره في مشاعر كل من حوله، فهو دائم التفكير في كيفية المحافظة على احترام الناس لبعضهم، وعلاج ما انخدش من مشاعرهم نتيجة لاحتكاكات طبيعية في العمل اليومي، ومواساة من له مصيبة، وإظهار المشاعر الصادقة لمن له فرح، والمحافظة على الجو الايجابي رغم صخب الحياة وسرعة وتيرتها. هذا الهم الكبير قد لا تجده عند معظم المسؤولين، إما لأنهم ليسوا إلا جباة مال وجهود، وإما لأن همَّ مصالحهم الشخصية قد طغى، وإما لأنهم ليسوا من أصحاب العمق في الفكر والخلق، وإما لأنهم لم يفكروا في هذا الهم أصلاً. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً) ولا أرى كيف يمكن تطبيق هذا الحديث في واقع العمل الإداري دون الشعور بهذا الهم. د. طارق السويدان 














الرقابة والعدل
من العمليات الإدارية الرئيسية الرقابة، وهي باختصار مجموعة خطوات تتلخص في: أولاً: وضع معايير للأداء مبنية على الأهداف والخطة، وثانياً: إيجاد نظام لقياس الأداء وبالذات الإداري والمالي واللائحي للتأكد من مدى انطباق الأداء مع المعايير، وثالثاً: تحديد حجم الفجوة بين الأداء الفعلي والمعايير المطلوبة، ثم أخيراً: إيجاد نظام نظري وعملي يهدف إلى سد هذه الفجوات و التأكد من عدم حدوثها مستقبلاً. ولا أهدف في هذا الحديث إلى تفصيل النظام الرقابي فهذا له أبحاثه وكتبه، ولكني أود توجيه الأنظار إلى العدل الذي قامت به السماوات والأرض عند وضع النظام الإداري و تطبيقه، فالخلل في النظام الإداري قد يغتفر، والخطأ عند التنفيذ قد يحدث، بل حتى الكسل والغفلة واردة ما دمنا بشراً، ولكن الظلم ظلمات يوم القيامة، وسيحاسب الإنسان عن كل ما قدم، وكل ما نفعل مسجل (وكل صغير وكبير مستطر) فهو مكتوب بدقة، وهو محصور في علم العليم العلام سبحانه. وباب الحرص على العدل كبير وواسع، ولكني أود الإشارة إلى أمور أربطها بموضوع الرقابة الإدارية: فمن أول الأمر هل كانت الخطة عادلة فوازنت بين حق المؤسسة وبين حق الفرد والزبون أو المراجع؟ وهل المعايير للأداء منصفة فلم تحمّل الموظف مالا يطيق وأعطته بالمقابل الأجر العادل؟ وهل سيستطيع كل إنسان الحصول على ما هو له دون توسّط أو تشفّع أو تذلّل أو تأخير أو رشوة أو نقص؟ وثانياً: هل نظم القياس عادلة و سليمة؟ وهل ستتم الرقابة بطريقة سرية لا يملك فيها الموظف حق دفع الشبهة أو الظن أو الانطباع الذي أُخذ عنه؟ وهل سيتم القياس وفق رأي المسؤولين دون اعتبار للعدل في الاستماع للموظفين؟ وهل سيؤخذ بعين الاعتبار التدريب الذي وفرته المؤسسة لإنسان قبل محاسبته على أدائه؟ أو حتى طبيعة المناخ التنظيمي الذي كان يعيش فيه؟ وغيرها الكثير من الشبهات في العدل والتي تحيط النظم القياسية ذات المعيار المادي المحدود. وثالثاً: من الذي سيحدد الفجوة بين المعايير المطلوبة من الموظف ومستوى أدائه الفعلي؟ وهل من سيقوم بالتقييم بعيد عن الظلم والمحاباة والمجاملة والمزاجية؟ وهل هو أو هي قادر على إبعاد المشاعر الشخصية عن عملية التقييم، والالتزام رغم سرعة وتيرة دوامة العمل اليومي؟ وهل ستقوم دون إخلال بخصوصية الناس؟ وأخيراً، هل سيتم تعديل المسار وفق اتجاهات تضمن ليس فقط حق المؤسسة بل حق الموظفين كذلك على المدى القريب والبعيد؟ كما تضمن مشاركتهم في الرأي والقرار وخاصة فيما يتعلق بهم وما يمس دائرة عملهم ونفوذهم؟. سددوا وقاربوا، ومع ذلك لن تعدلوا العدل الكامل ولو حرصتم، واستعينوا بالله تعالى على العدل فلن تستطيعوه وحدكم. د. طارق السويدان 











التغيير في الخطاب الإعلامي الديني
توسعت نظريات التغيير الحديثة وتعمقت وشملت جوانب كثيرة من أهمها تغيير المنظمات وبالذات في جانبها الإداري والمالي والجانب التخطيطي على وجه الخصوص، كما تناولت تغيير الإنسان وتعليمه أساليب النجاح والتميز والطموح والاستقرار النفسي ونحوها. وسأطرح في هذه السلسلة من المقالات بعض الاقتراحات لتطوير الخطاب الإعلامي الديني لأجل توجيه نظريات التغيير نحو مجالات جديدة، ومن جهة أخرى للاستفادة من هذا العلم الحديث في أرض الواقع في مجال هام أهملته نظريات التغيير وهو مجال الإعلام. ولن أتحدث عن المجال الإعلامي بشكل عام فهو من جهة مجال واسع ومن جهة أخرى هو ليس من مجالات تخصصي أو تميزي، ولكني سأركز على الجانب الذي شاركت فيه وهو مجال الخطاب الإعلامي الديني. تبدأ نظريات التغيير عادة بطرح الواقع المراد تغييره ثم تحديد الرؤية أو المستقبل المراد الوصول إليه ومن ثم تحديد الطرق أو الآليات والخطوات التي ينبغي السير عليها نحو تلك الرؤية. والموضوع واسع ويستحق البحث ولكني سأركز على جانب واحد من أهداف الخطاب الإعلامي وهو (بناء الإنسان المستقيم الفعال)، وواضح أن واقعنا اليوم يشير إلى ضعف واضح في هذ الجانب، كما أن خطابنا الإعلامي (عدا بعض الأطروحات الحديثة) غير مناسب وغير فعال في تحقيق هذه الرؤية وهذا الهدف. ودعوني أختصر القول وأطرح الموضوع مباشرة فألخص بأن المطلوب لأجل (بناء الإنسان المستقيم والفعال) هو العمل على تغيير الإنسان في خمس جوانب هي: 1. تغيير الفكر والقناعات 2. تغيير الاهتمامات 3. تغيير المهارات 4. تغيير العلاقات 5. تغيير القدوات ولكل منها تفصيل سأتناوله في المقالات التالية: تغيير الإنسان ليتحول إلى (إنسان مستقيم وفعال) هو هدف عملية التغيير الإسلامي والتي تتم من خلال عملية شاملة تربوياً ومجتمعياً وإعلامياً وتركز على تغيير خمسة أمور هي: 1. القناعات والفكر. 2. الاهتمامات. 3. المهارات. 4. العلاقات. 5. القدوات. وسنتناول في هذا الجزء أحد هذه الجوانب ودور الخطاب الإعلامي الديني فيها. أولا : تغيير الفكر والقناعات 1. السلوك والمشاعر مصدرها الفكر والقناعات . 2. محاولة معالجة السلوك والمشاعر دون معالجة الفكر تعالج الظواهر وليس الأسباب. 3. الفكر يتعلق بنظرة الإنسان وفهمه للدين والحياة ودوره فيها كما يتعلق بطموحاته واهتماماته وعلاقاته ومهاراته وقدواته، فالفكر هو الأساس لكل شيء. 4. يشمل ذلك التحليلات السياسية والمواقف التي يتبناها بناء على فهمه وقناعاته وتحليلاته. 5. الفكر والقناعات هي أساس البناء الأخلاقي للإنسان، فتعديل الأخلاق يبنى على تغيير الفكر والقناعات وليس الخطاب العاطفي الوعظي فقط. 6. من أهم قضايا الفكر نظرة الإنسان لعلاقته بربه وفهمه لدوره في الحياة بناء على ذلك وهذا هو أساس العقيدة. 7. فهم الإنسان للحياة ودوره فيها سيبنى عليه اهتماماته وعلاقاته وقدواته، وهذه بدورها ستشكل شخصية الإنسان وهويته وطموحاته. 8. من هنا نرى أن أهم تغيير يجب أن يتم في الخطاب الإعلامي بشكل عام والديني بشكل خاص هو التغيير الفكري. 9. وعليه فإن الخطاب الديني الوعظي أو العاطفي أو القصصي أو الاجتماعي الذي لا يبنى على أهداف تغيير فكري وتعديل قناعات المستمع أو المشاهد سيكون تغييراً مؤقتاً محدود التأثير. 10. التوصية : قبل إعداد أي برنامج إعلامي لا بد من الإجابة على السؤال التالي: ما هي الأفكار والقناعات التي نود زرعها من خلال هذا البرنامج؟ د. طارق محمد السويدان 






تغيير الاهتمامات
قلنا في العدد السابق إن تغيير الإنسان ليتحول إلى (إنسان مستقيم وفعال) هو هدف عملية التغيير الإسلامي، والتي تتم من خلال عملية شاملة تربوياً ومجتمعياً وإعلامياً، وتركز على تغيير خمس أمور هي: القناعات والفكر . الاهتمامات . المهارات . العلاقات . القدوات . وتحدثنا في العدد الماضي عن الجزء الأول وهو تغيير القناعات، وسنتحدث اليوم عن الجزء الثاني وهو: ثانيا : تغيير الاهتمامات 1. أيسر طريقة لمعرفة اهتمامات أي إنسان هي رؤيته كيف يقضي وقت فراغه (مثلاً: رياضة، موضة، قراءة، أسواق، نشاط شبابي، كمبيوتر، دعوة... الخ). 2. اهتمامات الإنسان هي انعكاس لفكره ونظرته لدوره في الحياة وطموحاته فيها. 3. الطموحون والفاعلون نجدهم ذووا اهتمامات مفيدة، بينما الذين يعيشون على هامش الحياة اهتماماتهم تافهة. 4. فهم الإنسان لقيمة الوقت وأن الوقت هو الحياة (هذا الفهم ودرجة عمقه في النفس) سيؤدي إلى توجيه الاهتمامات نحو النافع المفيد وعدم تضييعها بالتفاهات. 5. وضوح أهداف الحياة وحتى الأهداف قصيرة المدى سيؤثر على اهتمامات الإنسان، فالذي يطمح لإنشاء مشروع تجاري سيبذل جهده ووقته في دراسة المشروع والإعداد له، فهذا الاهتمام سيشغل وقته، أما الذي ليس له أهداف أو مشاريع فسيشغل وقت فراغه بما لا طائل من ورائه في الغالب. 6. لاشك أن جدية المجتمع أو الجهة التي يعمل فيها الإنسان أو يدرس فيها، بل حتى جدية الأصدقاء والأهل ستنعكس في الغالب على جدية اهتمامات الإنسان وفعاليته. 7. الخطاب الإعلامي بشكل عام والديني بشكل خاص يجب أن يساهم في توجيه الاهتمامات وبالذات عند فئة الشباب، ومن ذلك: - التركيز على أهمية الوقت وقيمته وأنه هو أثمن ما يملك الإنسان وأن تضييعه إهدار للحياة. - تشجيع الاهتمامات المفيدة وتعليم الشباب كيفية ممارستها وعلى رأسها القراءة. - التحذير من مصاحبة التافهين والفاسدين وتشجيع مصاحبة الجادين وهذا أساس تغيير الاهتمامات. - ضرب المثل بالقدوات من الأحياء والأموات من الذين برزوا في مجالات معينة والتعلم منهم كيف ساهمت اهتماماتهم المفيدة في تغيير حياتهم وحياة الناس. وهكذا نرى أن تغيير الاهتمامات هو أحد أسس التربية التي تصنع الإنسان الفعال، وتمهد لصنع قادة المستقبل. وفي العدد القادم بإذن الله تعالى نتحدث عن تغيير المهارات. د. طارق محمد السويدان 















تغيير المهارات
قلنا في الأعداد السابقة إن تغيير الإنسان ليتحول إلى (إنسان مستقيم وفعال) هو هدف عملية التغيير الإسلامي، والتي تتم من خلال عملية شاملة تربوياً ومجتمعياً وإعلامياً، وتركز على تغيير خمس أمور هي: القناعات والفكر. الاهتمامات. المهارات. العلاقات. القدوات. وتحدثنا في العددين الماضين عن الجزء الأول والثاني وهما: تغيير القناعات، وتغيير الاهتمامات، وسنتحدث اليوم عن الجزء الثالث وهو: ثالثا : تغيير المهارات : 1. مهارات الإنسان هي ما يحسنه ويتقنه وفي العادة تكون ضمن اهتماماته ورغباته وميوله (وإن كان بعض الناس قد يتقن أموراً ولا يهواها). 2. قليل من الناس تكون لديه هذه المهارة فطرية وهبة ربانية دون جهد منه أو تعليم من الآخرين، ولكن هؤلاء قلة بل ندرة في البشر. 3. معظم الناس يكتسبون هذه المهارات بالتعلم وصقل المهارة وبالتمرن والتعود عليها على مر السنين حتى يتقنوها وتصبح ممارستها سهلة ويسيرة عليهم بالمقارنة بغيرهم. 4. المهارات قد تكون لغوية كالتأليف والإلقاء والأدب والشعر ونحوها، أو حركية كالرياضات البدنية، أو فنية كالرسم والأداء الصوتي والتمثيلي والفن التشكيلي ونحوها، أو علمية كالاختراعات والكمبيوتر، وغيرها من المهارات في جوانب الحياة المختلفة.. 5. وكلما زادت مهارات الإنسان فتحت له أبواب جديدة من العطاء والإنتاج وزاد أثره بين الناس، وتكونت له علاقات جديدة، وتيسرت له أصناف جديدة من الرزق لم تكن له من قبل. 6. إن تنمية المهارات الجديدة وصقلها باستمرار سيتطلب وقتاً وجهداً سيملأ فراغ الإنسان، فلا يبقى لديه وقت للتسكع وقتل الوقت والانشغال بتوافه الأمور. 7. لأجل هذا كله يجب أن يساهم الخطاب الإعلامي والديني منه بشكل خاص نحو تشجيع تعلم المهارات الجديدة وتنمية المهارات الحالية وتطويرها. 8. كما ينبغي أن تتنوع البرامج المباشرة وغير المباشرة التي تتحدث عن مهارة معينة ورموزها وكيفية اكتسابها وتنميتها ومجالات الاستفادة منها، أو الحديث عن كيفية مساهمة هذه المهارة في تغيير حياة إنسان، أو تطوير مجتمع ما، أو ما نفع منها البشرية في القديم أو الحديث. 9. رصد الجوائز وعقد المسابقات التي تشجع على تنمية المهارات والهوايات لما فيها من منافع ذكرناها، ولما فيها كذلك من إيجاد البديل للانحراف والفساد الذي مبدؤه من الفراغ والصحبة التافهة الفاسدة. إن تطوير المهارات وتنميتها ونشرها بين الشباب، تطوير للأمة وتنمية للإنسان، وحفظ لشباب الأمة من الانحراف والضياع. وفي العدد القادم بإذن الله تعالى نتحدث عن تغيير العلاقات. د. طارق محمد السويدان 













تغيير العلاقات
قلنا في الأعداد السابقة إن تغيير الإنسان ليتحول إلى (إنسان مستقيم وفعال) هو هدف عملية التغيير الإسلامي، والتي تتم من خلال عملية شاملة تربوياً ومجتمعياً وإعلامياً، وتركز على تغيير خمس أمور هي: القناعات والفكر، الاهتمامات، المهارات، العلاقات، والقدوات. وتحدثنا في الأعداد الماضية عن الأجزاء الأولى من هذا التغيير، وسنتحدث اليوم عن الجزء الرابع وهو: رابعا : تغيير العلاقات: من المعروف أن الإنسان يتأثر بمن حوله وخاصة الشباب من الذين ليست لهم حصانة تربوية أو فكرية عميقة، ومن هنا يكون تغيير العلاقات أساساً لتغيير شخصية الإنسان. 1. اكتساب السلوك والأخلاق يتأثر كثيراً بالشكل المحيط، وكثير من الناس اكتسبوا العادات الحميدة أو السيئة تقليداً لمن حولهم. 2. الفكر والقناعات والعقيدة أيضاً يكتسبها الإنسان ممن حوله، ألا ترى أن الإنسان يولد على الفطرة، وأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه، وعندما يكبر الإنسان يتضاءل مع الأيام تأثير الوالدين ويزداد تأثير الأصحاب، ومع الأيام يتعلم الشاب أو الفتاة ممن حولهم الفكر والهوايات والمهارات المختلفة. 3. من أهم مسائل التربية أن يتأكد الأبوان والمربون أن أولادهم أو من يربونهم قد أحيطوا بصحبة صالحة يشرف عليها من يثقون بدينهم وخلقهم وفكرهم، وعندي هذا أهم من تحفيظهم سوراً من القرآن يرددونها دون غرس لمعانيها في نفوسهم. 4. من هنا يكون للخطاب الإعلامي، والديني بشكل خاص دور رئيسي في التنبيه إلى أهمية اختيار الأصحاب والأصدقاء وتحديد وتوجيه معايير هذا الاختيار. 5. إن للمجتمع دوراً في إنشاء المراكز ودور الأنشطة التي تحتضن الشباب والفتيات وتحيطهم بالصحبة الصالحة تأكيداً لدور العلاقات في المحافظة على القيم والأخلاق وبناء الهوية السليمة. 6. يأتي دور الخطاب الإعلامي والديني منه بشكل رئيسي لتبيان أثر العلاقات السيئة والصالحة، وأسس الاختيار، والأنشطة الجماعية ومراكز تنمية الهوايات والمهارات، وهيئات صناعة القادة، وتشجيع الرحلات الجماعية النافعة، وطرح بدائل للأنشطة المفسدة، والإبداع في تعليم الشباب فن بناء العلاقات والتاثير في الناس وتجنب التاثير السلبي عليهم، والتفنن في الاستفادة من الأوقات الجماعية لتبادل المنافع بينهم. وأخيراً أقول: إن كل ما تبنيه الأسرة ويحرص على زراعته الوالدان من قيم وأخلاق وعقيدة قد تهدمه العلاقات السيئة، فهذا العنصر له أثر حاسم على كل الجوانب الأخرى. وفي العدد القادم بإذن الله تعالى نتحدث عن تغيير القدوات. د. طارق محمد السويدان 


























































0 التعليقات:

إرسال تعليق

تصميم : باســـم